اليوم الفصل

بدرالدين عرودكي

ما كان بوسع الشعب المصري الذي خرج في الخامس والعشرين من يناير 2011 ثائراً على الفساد والتوريث كي يستعيد حريته وكرامته أن يسكت على سرقة ثورته أو على حرْفها عن الطريق الذي بذل التضحيات الكبار من أجلها. لقد قبض كلُّ من انحنى إعجاباً بشعب مصر في العالم بهذه الثورة أنفاسَه عند إعلان يوم 30 حزيران/يونيو موعداً لخروج ملايينه من جديد كي يستعيد مفاتيح هذه الثورة التي أطلقها. كان توقيع 22 مليون مصري على وثيقة تطالب بانتخابات مبكرة وبدستور يستجيب لمطالب هذه الثورة ويليق بمصر شعباً وتاريخاً، ثم خروج هذه الملايين في أرجاء مصر كلهاً حدثاً غير مسبوق في التاريخ، أكان تاريخ المنطقة أو تاريخ العالم كله.

كان من المنتظر ألا يمرَّ هذا الحدث دون أن تتدخل كافة القوى ذات المصالح على الأرض المصرية، وأن يحاول كلٌّ منها تحويله عن وجهته الأولى. ذلك أمرٌ طبيعيّ ومنتظر ومكرّر. على أن هذه المحاولات، بفعل طبيعة الحدث الاستثنائية خصوصاً، لن تنجح إلا إذا أمكن كمُّ أفواه وحناجر هذه الملايين التي خرجت واعية كلَّ الوعي بما تريد تحقيقه.

وحين يؤسّس يوم 30 حزيران/يونيو 2013 واعتباراً منه شرعيَّة جديدة، شرعية الشارع، يعيد هذا الحدث إلى الأذهان البداهة الديمقراطية الأولى ويذكر بها: سلطة الشعب، منه البدء وإليه المرجع. ولن يمتلك هذه الشرعية التي يستعيد بها سلطته، من الآن فصاعداً سوى هذه الملايين التي ستخرج في الشارع كلما ارتدّ ممثلوها عما انتخبوا من أجله. وستكون هي الشرعية الوحيدة، سابقة على صندوق الانتخاب وراسمة معالم ديمقراطية جديدة. ولابدَّ لكل رئيس قادم أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار.

من يقول بأن ذلك ينافي أو ينقض مفاهيم الديمقراطية التي يُرادُ تثبيتها في عالمنا العربي يتناسى أن هذه الديمقراطية بدأت من هنا على وجه التحديد، من شرعيّة الشارع. ولا تزال هذه الشرعية قائمة في البلدان الديمقراطية جميعها، تستنفر الحكومات لتغيير سياساتها أو تسقطها..

ستكون شرعية الشارع من الآن فصاعداً هي الأساس. هذا ما قاله يوم 30 حزيران/يونيو 2013 في أرجاء مصر كلها، مؤسساً الحدث، في اليوم الفصل.

انتهى عهد الصمت. انتهى زمن الصبر. انتهى زمن الخنوع سواء لعبقريّ زمانه أو لصاحب الزمان كائناً من كان.

         ولا فائدة من المكابرة.

** نشر في مجلة روز اليوسف يوم 7 تموز/يوليو 2013

http://rosaeveryday.com/news/36567/30-%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%87-%D8%A3%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD-%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1