vendredi 12 juillet 2013


 

نقط منهجية إلى بدر الدين عرودكي*
 

الدكتور حسام الخطيب

 

سأكون دبلوماسياً أكثر من اللزوم إذا أنا أطعت نداء في نفسي يلح عليّ أن أخفي عجبي من الطريقة التي أشار بها إلى دراستي عن جيل القدر الأخ بدرالدين عرودكي في مقاله المعنون " الحركة القومية والإبداع القصصي[1].

وبالطبع لو كانت المسألة مقارعة رأي برأي لما كانت الدهشة مسوغة، فمجال اختلاف الآراء والتفسيرات في الأدب واسع فضفاض يمكن لأي إنسان أن (يأخذ راحته) فيه مثلما يشاء.

ولكن المسألة هنا تتعلق بالأمانة المنهجية التي (ينتهك عرضها) يومياً فيما يؤلف بالعربية، وبدرالدين عرودكي الذي تعلق عليه آمال عراض بوصفه باحثاً جاداً حباه الله من الصفات ما يؤهله لأن يكون محط هذه الآمال. على أيّ حال الموضوع هو موضوع المقال المشار إليه وليس موضوع مؤلفه أو من سبقه من المؤلفين. وهو مقال مثير من النواحي المنهجية التالية:

أولاً: أشار الأخ بدرالدين إلى دراستي المقارنة جول جيل القدر ومسألة (فعلة القتل) في كتابي سبل المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية، وقد رأى في ملاحظة هامشية[2] أن انشغالي بالمؤثرات الأجنبية فوت علي فرصة الالتفات إلى الدلالة التي تكتسبها الموضوعة المستوحاة من عمل آخر..." . وأشار أيضاً إشارة سريعة إلى عدم رغبته في دخول مساجلة في موضوع الاقتباس والاستيحاء.

وهنا أقرر بسرعة أنني قد أكون مخطئاً أو مصيباً ولست أدفع حجة أو أدحض رأياً هنا، ولكنني أرى أنه من باب الأمانة المنهجية كان يحسن بالأخ بدر ألا يرميني بعدم تفحص الدلالة، إلخ.. بل بالخطأ في الحكم، ذلك أنني تفحصت الدلالة ووجدت أن (فعلة القتل) مصطنعة ومسقطة إسقاطاً وبينت أسباب هذا الاعتقاد في عدة مواضع من دراستي لمشكلة القتل ووضعت المشكلة باختصار في إطارها من الرواية.

ثم إنه كان يحسن بالأخ بدرالدين أن يشير إلى دراستي الموسعة لرواية جيل القدر التي ناقشت فيها بالتفصيل محاولة مطاع صفدي إضفاء التجربة الوجودية على التجربة القومية، وهذه الدراسة منشورة في مجلة الموقف الأدبي، العدد 6، السنة الخامسة، تشرين الأول 1975 تحت عنوان "جيل القدر بين إغراء التطلع ومرارة الواقع". وقد أعيد نشر هذه الدراسة في كتابي "الرواية السورية.." الذي نشره معهد البحوث والدراسات العربية ـ القاهرة عام 1975. وحتى لو لم يكن في هذه الدراسة المفصلة أي غناء فالأمانة تقضي الإشارة إليهما، وما أظن أنه قد فات الأخ بدر الاطلاع على المرجعين كليهما أو أحدهما وإلا فعتبنا عليه أكبر وربما حق لنا أن نشكوه إلى أستاذه المشرف.

ثانياً: كذلك أشار الأخ بدر في مطلع مقاله إشارة سريعة إلى رأي بعض النقاد في محاولة الكتاب القوميين في الخمسينات إثراء الأيديولوجية القومية بمفاهيم الوجودية السارترية، وتبين من الملاحظة الهامشية (ص 126 من عدد المعرفة المشار إليه سابقاً) أن العبد الفقير لله تعالى هو (أحدهم)، كما بدا من الفقرة أن هذا الرأي هو أحد الآراء العابرة التي يمر بها المقال مر الكرام. ولكن تبين في نهاية المقال (ص 142) أن الكاتب توصل إلى (استنتاج) مهم جديد، وإذا به ذلك الرأي العابر الذي لم يكن عابراً عند صاحبه الأصلي وإنما بنى على أساسه كل دراساته عن قصة الخمسينات السورية وتابعه متابعة منهكة، كان يتمنى لو أتى أي إنسان منصف وأشار إلى مابذل فيها من جهد حتى ولو لم يتفق معها بالرأي.

ثالثاً: لفتت نظري المقدمة الطويلة نسبياً التي كتبها الأخ بدر لمقالته وهي توحي طبعاً بأن المقالة ستستند إلى أسس "البنيوية التكوينية"، ولكنني لم أستطع أن أتبين ـ ربما من خلال منظوري التقليدي ـ الأثر "التكويني" للمقدمة في طبيعة المقالة.

وبعيداً عن الأخ بدر ـ الذي نتوسم منه عطاءاً كبيراً ـ فإن هذه الناحية تذكر المرء بأغلب مبشري البنيوية في التأليف العربي الذين يتحدثون كثيراً عن أسسها ولكنهم بالنتيجة ينتهون إلى دراسات (من النوع التقليدي المعروف) لا تختلف عنه في الأغلب إلا بكونها مطعمة ببعض صدف البنيوية.
 
* نشرت هذه المقالة في مجلة المعرفة، السنة 19، العدد 219، أيار/مايو 1980. ص: 234 ـ 236.



[1]  المعرفة، س 18، ع 216، شباط 1980.
[2]  العدد السابق، ص 135.
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire