وجهاً لوجه*
بدر الدين
عرودكي ـ مها حسن
البشر هم
الذين يتحاورون.. لا الحضارات
اللقاء مع بدر الدين عرودكي،
يعني عدة لقاءات في جلسة واحدة، فهو الرجل المتعدد الخبرات والتجارب الثقافية، حين
تجلس أمامه، تحتار من أين تبدأ، كأنك أمام سلة فاكهة مثمرة وناضجة ولا تعرف بأي
نوع من الفاكهة تبدأ. فعرودكي هو ذلك الرجل الذي أقام نصف حياته في الغرب، في
باريس، عاصمة النور والثقافة العالمية، وفي الوقت ذاته، يقول لك": أنا
عربي". هو ذلك العربي الباريسي، هو الشرقي المقيم في الغرب، أصدقاؤه من
المثقفين الفرنسيين وكذلك من المثقفين العرب. بل يكاد يشبه أحياناً ذلك الميزان
الذي نرى رمزه في المحاكم. وبعيداً عن
صيغة المحاكمة، الأبعد عن الثقافة، إلا أن هذا الرجل، هو الميزان نفسه، الحامل
لكفتين، المقيم بين الضفتين. ناقل الثقافة العربية للغرب، والعكس كذلك، ناقل ثقافة
الغرب، للعرب.
بدر
الدين عرودكي المولود في دمشق، والقادم إلى باريس لإنجاز مشروع الدكتوراه، حين
كانت باريس في قمة تألقها، في الثمانينيات من هذا القرن، إلى أن جذبته المدينة
وجذبه هاجس الثقافة العربية، ليشتغل على التعريف بها، للغربي.
بين
الترجمة، وعمله في معهد العالم العربي، وكتاباته النقدية والإبداعية، نحن فعلاً
أمام سلة فاكهة ثقافية.
عرودكي ناقداً وصحافياً
كتب
عرودكي النقد السينمائي والمسرحي والروائي، حيث عمل في الصحف السورية منذ عام
1962. وعمل كمحرر فني، ثم كمحرر أدبي، وبدوام يومي في مجلة "الطليعة"
منذ عام 1969، وكان له مقال أسبوعي في النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، يقول
:" كتبت عن معظم التجارب المسرحية التي قدمها المسرح القومي في دمشق، وأغلب
الأعمال الأدبية التي كانت تصدر في سوريا ومصر، وكنت أول من قدّم يوسف القعيد في
سوريا، حين كتبتُ عن روايته"الحداد" ونشرت قصصه وكذلك قصص جمال الغيطاني
ومجيد طوبيا وسواهم من الجيل الجديد في مصر آنئذ. كنت ألاحق الأعمال الأدبية وأجري
مقابلات مع أدباء سوريين وعراقيين ومصريين وليبييين، وكان من
المقابلات المهمة تلك التي أجريتها على سبيل المثال مع يوسف إدريس ، حنا مينه، علي
الجندي، عبد الوهاب البياتي، محمد الفيتوري.. إضافة إلى المقالات النقدية التي
كتبتها عن الأعمال الأدبية للجيل الجديد آنئذ، إذ كنت مثلاً أوّل من كتب عن أوّل رواية
لعبد النبي حجازي أو عن أوّل مجموعة قصصية لعبد الله عبد ".
لدى
عرودكي بين مئتين إلى ثلاثمائة مقال في النقد المسرحي والسينمائي.
عرودكي مترجماً:
جاء
عرودكي إلى باريس لتحضير أطروحة الدكتوراه، وذلك في نهاية سنة 1972، كان في الوقت
ذاته، مراسلاً لمجلة الآداب البيروتية، يقول ضاحكاً شارحاً مفارقة الكتابة في ذلك
الوقت، وصعوبة العيش الباريسي:" من أجل كتابة مقال، كان عليّ حضور معرض فني،
وحضور فيلم سينمائي، وشراء كتاب، وتسديد قيمة القهوة، أربع فناجين قهوة على الأقل
في مقهى باريسي لإعداد المقال، ثم أجرة إرسال المقال بريدياً، حيث لم يكن الانترنت
متوفراً آنذاك، أي كنت أدفع نفقات "أدوات العمل" ضعف المبلغ الذي أحصل
عليه لقاء المقال".
يضيف عرودكي مستذكراً بدايات
علاقته بالترجمة:
(من الصدف ذات الدلالة أن من أوائل ما نشرته من الترجمات
كانت ترجمتي لقصيدة الشاعر الفرنسي رامبو "الحدّاد". وقد اقتُرِحَ عليّ
على إثر نشرها أن أعمل في مجلة "الطليعة" السورية التي نشرت بعدئذ فيها
فضلاً عن المقالات النقدية ترجمة بعض الأعمال الأدبية الفرنسية مثل "الغرفة
السرية" لآلان روب غرييه عميد الرواية الجديدة في فرنسا في منتصف القرن
الماضي..).
من
خلال مجلة الآداب، عرض سهيل إدريس على عرودكي إعداد وترجمة كتاب "الفكر
العربي في معركة النهضة"، لأنور عبد الملك.
ثم تلقى من مؤنس طه حسين بناء على ترشيح "جاك بيرك" اقتراحاً لترجمة
مذكرات سوزان طه حسين. يقول عرودكي :" اقترح بيرك أن يترجم الكتاب سوري وأن يراجع
الترجمة مصري شيوعي لإضفاء بُعْدٍ عربي من خلال السوري ولإضفاء بُعْدٍ مستقبلي من
خلال المصري على طه حسين ( بدر الدين عرودكي مع محمود أمين العالم). يضحك عرودكي
وهو يذكر تعبير بيرك الأخير. ذلك أن أنيس منصور الذي كان يشرف على إدارة دار
المعارف لم يكن يحبذ وجود محمود أمين العالم على غلاف كتاب يصدر عن الدار التي
يشرف عليها لما بينهما من خلاف فكري وسياسي، فوضع اسم المترجم والمراجع في أسفل
الصفحة الثانية من الكتاب وبحرف صغير لا يكاد يُقرأ! لكن القارئ المصري راح يبحث
عن اسم من ترجم كتاب سوزان طه حسين، وهو ما سمح للجمهور المصري أن يتعرف عليّ..
وحين نشر أنيس منصور مقتطفات من الكتاب في أوّل عدد من مجلة أكتوبر التي رأس
تحريرها أغفل اسمينا معاً حتى كتبت إحدى المجلات العربية: "الوحدة المصرية
السورية تعود بإغفال اسمي المترجم والمراجع لكتاب سوزان طه حسين.
أسأله
مجدداً عن كيفية اختياره لما يترجم، وفيما لو كان هو الذي يقترح مايرغب بترجمته،
أم أنه يتلقى الطلبات من دور النشر، فيشرح لي : ( الكتاب الأخير مثلا، "الوعي
والرواية"، حدثني عنه الطاهر لبيب، قال لي، هذا كتاب يهم كل من يكتب الرواية
او النقد الأدبي وخاصة النقد الروائي، فقررت ترجمة الكتاب، بعد أن قرأته طبعاً.
الكتاب الوحيد الذي ترجمته وفق طلب من دار النشر، كان كتاب "العدو الأمريكي: أصول
النزعة الفرنسية المعادية لأمريكا"، الصادر عن المركز القومي للترجمة
بالقاهرة، ولكنني أحببت هذا الكتاب، وأجريت عند صدور الترجمة مع مؤلفه ندوة عنه في
المقهى الأدبي التابع لمعهد العالم العربي. أما كتاب "روح الإرهاب" لجان
بودريار مثلاً، فقد ترجمته، ونشرت منه الفصل الذي يحمل عنوان الكتاب، في أخبار
الأدب في القاهرة وفي مجلة الفكر العربي المعاصر ببيروت وفي جريدة القدس العربي
بلندن، وذلك قبل أن يصدر بالقاهرة في كتاب كامل يضم مجموع المقالات التي كتبها
بودريار عن 11 أيلول/سبتمبر).
محطة كونديرا
يكاد
يرتبط اسم كونديرا مترجماً باسم الدكتور بدر الدين عرودكي، إذ قادته ذائقته في
ترجمة كونديرا، إلى اللقاء بهذا الروائي المهمّ في تاريخ الرواية المعاصرة، وإلى
ترجمة أغلب أعماله.
بدأ
عرودكي بترجمة فصول من كتاب "فن الرواية" ونشر تلك الفصول، على مراحل،
في دمشق وبيروت:( أترجم ما يعجبني، ولا أترجم بدافع المال) يقول لي:
الفصل
الأصعب كان الفصل الذي يحمل عنوان "77 كلمة"، وحكايته هي :( حين جاء
كونديرا إلى فرنسا، ومن خلال أسئلة الصحافة له، اكتشف بأن هناك عيوباً في الترجمة
الفرنسية لرواياته، وأنه لا علاقة للترجمة بأسلوبه. لهذا قرر وقف بيع الترجمات،
لإعادة النظر في ترجمة رواياته التي كانت قد نقلت إلى الفرنسية. إثر ذلك، اقترح
عليه رئيس تحرير مجلة "لو ديبا"، بيار نورا، أن يكتب بعد هذه التجربة
مقالاً يذكر فيه الكلمات/المفاتيح في رواياته، فكان مقال الـ 77 كلمة، بمثابة
قاموس للكلمات الجوهرية التي يستعملها، وشروحاته لها. كان من الصعب ترجمة هذا
الفصل إلى العربية. فاللغة العربية اشتقاقية، بينما الفرنسية تركيبية من لغات عدّة
"لاتينية، يونانية، جرمانية..". وفي اللغة الفرنسية، يعتمد كونديرا على معاني
جذور الكلمة، لكن وضع كلمة عربية تعادل الكلمة الفرنسية في جذورها أمرٌ مستحيل.
وكان ذلك يمثل عقبة أمام ترجمة هذا الفصل، لكني أخيراً عزمت على مواجهة التحدي من
خلال ذكر الكلمة الفرنسية مع الكلمة العربية التي اخترتها مقابلاً لها وشرح ما كان
يجب شرحه من الكلمات الفرنسية في جذورها التي كان كونديرا يشير إليها، مما سمح لي
أخيراً بنشر مجموع الفصول ضمن كتاب واحد. في لقائي الأول مع كونديرا قبيل نشر كتاب
"فن الرواية" في الدار البيضاء، شرحت له الطريقة التي اتبعتها في ترجمة
الكتاب وكيف حللت مشكلة الفصل الخاص بالكلمات السبعة والسبعين، فوافق أن أستخدم
الهوامش (وقد وضعت 21
هامشاً في هذا الفصل وحده!)
كما شرحت له، استثناء، نظراً لخصوصية الموضوع، على رفضه عموماً لجوء المترجم إلى
الهوامش في ترجمة الأعمال الأدبية.
عرودكي كأحد المسهمين في معهد
العالم العربي
خلال
إعداد رسالة الدكتوراه، عمل في المكتب الثقافي لدولة الكويت في باريس حيث سرعان ما
كلف بمهام المندوب الدائم لدولة الكويت لدى اليونسكو والمستشار الثقافي
بالنيابة. ثم انتقل اعتباراً من أول كانون
الأول/ديسمبر 1983، إلى العمل في معهد العالم العربي.
وقد
أسند إليه رؤساء المعهد ، مختلف المهام والمسؤوليات. فقد عهد إليه رئيس المعهد في
عام 1986 بيار غيدوني بمهام إدارة العلاقات الثقافية والإشراف على برنامج نشاطات
افتتاح المعهد في مقره الذي كان قيد البناء والذي تم افتتاحه تحت رئاسة السيد بول
كارتون للمعهد في عام 1988. وفي عام 1989، عهد إليه رئيس المعهد إدغار بيزاني
بمهام إعداد وتنظيم أول معرض كبير في معهد العالم العربي عن "مصر عبر
العصور" الذي استقبل أكثر من أربعمائة ألف زائر، ثم بمهام الإشراف على
النشاطات الثقافية الكبرى وعلى كافة الأقسام الفنية والإدارية في المعهد. وخلال
هذه الفترة نظم كبرى المعارض التي اشتهر المعهد بها مثل "سورية، ذاكرة وحضارة"،
و "دولاكروا، الرحلة إلى المغرب"، و"ماتيس"
و"السودان، ممالك على النيل" الذي جال في ست مدن أوربية خلال
ثلاث سنوات ونشر الكتاب الخاص به في ست لغات.
أما
الرئيس كميل كابانا، فقد عهد إليه في عام 1996 بمسؤولية تأسيس مكتبة معهد العالم
العربي التي صارت موئل المهتمين بالثقافة العربية في فرنسا وفي أوربا. كما عهد
إليه بتطوير القسم التجاري في المعهد من أجل زيادة موارده الخاصة التي بلغت نسبة
35 بالمائة من ميزانيته العامة.
وفي
أيار/مايو 2007 عهد إليه الرئيس دومينيك بوديس إلى جانب مسؤولياته عن المكتبة
والقسم التجاري بمهام مدير المتحف والمعارض لإعادة تنظيمها ومتابعة نشاطات المعارض
الكبرى التي أنجز منها خلال السنوات الخمس الماضية عديد من المعارض منها معرض
الفينيقيين، ثم معرض "بونابرت ومصر" الذي قدم تحت إشراف مديرية المتحف
والمعارض الكامل في مدينة أراس بشمال فرنسا. وبهذه الصفة قام بمهام مدير المشروع
الأوربي ـ أورو/ميد "قنطرة" الذي أشرف عليه معهد العالم العربي بالتعاون
مع تسع دول عربية وأوربية.
وفي
حزيران/يونيو 2008، عهد إليه الرئيس دومينيك بوديس بمهمة المدير العام المساعد
لمعهد العالم العربي التي يمارسها منذ ذلك التاريخ إلى جانب مهامه في إدارة المتحف
والمعارض والمكتبة والقسم التجاري.
بالإضافة
إلى مهامه في معهد العالم العربي، عينته المديرية العامة لليونسكو عضواً في اللجنة
الاستشارية للمبدعات الفنية التي انتخبته في دورتها الأولى نائباً لرئيس اللجنة
وفي دورتها الثانية رئيساً لها. وكان المدير العام للهيئة المصرية العامة للكتاب،
الدكتور ناصر الأنصاري، قد عينه في عام 2006 مستشاراً له، مثلما كلفه المدير العام
للمركز القومي للترجمة الدكتور جابر عصفور في القاهرة في عام 2007 بمهام مستشار
المركز.

مع المخرج السينمائي توفيق صالح

مع المخرج السينمائي توفيق صالح
لقاء الروائيين الفرنسيين
والعرب
كان
اللقاء بين عشرين روائياً وفرنسياً وعشرين روائياً عربياً في سنة 1988، والذي كان
عرودكي صاحب الفكرة والمبادرة، حين اقترحها وعمل عليها مع فريق عمل اختاره بنفسه،
هو أول لقاء من نوعه على مستوى الروائيين الفرنسيين والعرب. حيث اجتمع جميع هؤلاء
ولمدة ثلاثة أيام، في شهر آذار من تلك السنة، حول موضوع "الإبداع الروائي
اليوم"، وتبنت "المجلة الأدبية الفرنسية"، إصدار عدد خاص بمناسبة ذلك
اللقاء، كان عرودكي رئيس التحرير الزائر لإنجاز ذلك العدد. من بين المشاركين، كان
آلان روب غرييه، فيليب سوليزر، ديديه دو كوان،
هاني الراهب، عبد السلام العجيلي، حنامينة، جمال الغيطاني، بهاء طاهر، غالي
شكري، الطاهر وطار، الياس خوري، سهيل إدريس، إميل حبيبي، فؤاد التكرلي، جبرا
إبراهيم جبرا، محمد برادة...
تمت
ترجمة أعمال اللقاء من قبل إبراهيم العريس، وطُبع في كتاب لدى دار الحوار في
سوريا. اشتمل الكتاب على مداخلات المشاركين في الندوة والنقاشات التي حفلت بها
الجلسات، وكذلك كلمتيْ الافتتاح كلمة المدير
العام لمعهد العالم العربي، وكلمة بدر الدين عرودكي.
(
لم يكن الإبداع الروائي العربي معروفاً للقارئ الفرنسي، ولا للروائي الفرنسي، كانت
الترجمات آنذاك قليلة، لم تتجاوز عدداً ضئيلاً من الروايات، كزقاق المدق، لنجيب
محفوظ، أنا أحيا لليلى بعلبكي، الزيني بركات لجمال الغيطاني والحرام ليوسف إدريس
... لم يكن جبرا ابراهيم جبرا مُترجماً ولا حنا مينه أو هاني الراهب، لكن ذلك
اللقاء كان مهماً لتعريف الروائي الفرنسي بالروائي العربي، والعكس، ولكن ما لاحظتُه خلال تلك
الندوات، هو اختلاف الخطاب عن مهنة الروائي لدى كلٍّ من الطرفين. لا يمكن مثلا
مقارنة طريقة حديث آلان روب غرييه، بطريقة حنا مينه، يمكن لقارئ الكتاب الذي غطّى
تلك الندوات أن يلاحظ ذلك أيضاً، مثلما لاحظ كذلك كلُّ من حضر الندوة، نحن نتبيّن
في الواقع إلى أي حد يعيش الكاتب الغربي في حرية شبه مطلقة، وبالتالي فلا حدود
للطرق التي يعبر فيها عن نفسه، دون خوف، ودون خشية، في حين أن
الكاتب العربي يبدو مكبّلاً بمجموعة من الحبال تربطه تارة إلى الدين وتارة إلى
السياسة وتارة إلى النظم التي أتى منها، وبالتالي لا يستطيع أن يمارس الكتابة أو أن
يستمتع بها أو أن يعبر عن نفسه وأن يعيش الحرية مثلما يحياها الكاتب الغربي).

مع آلان روب غرييه وماجدة الجندي

مع آلان روب غرييه وجمال الغيطاني

مع آلان روب غرييه وماجدة الجندي

مع آلان روب غرييه وجمال الغيطاني

مع آلان روب غرييه
يعود محاوري ليشرح أكثر حول فكرة الحرية التي تدعو أحدنا إلى المقارنة،:( ليست حرية الكتابة، إنما الخطاب ذاته، ودلالته على الشخص. مثلاً، آلان روب غرييه تحدث عن فرنسا والمجتمع الفرنسي وكأنه يقوم بعمل حفريات"أركيولوجيا"، راح يحلل الطبقات الفكرية الدفينة للمجتمع الفرنسي، ويقوم بحفريات لابد منها لفهم هذا المجتمع حتى يتمكن من الكتابة عنه، أما الكاتب العربي، فكان يتحدث عن كتابته وفق مناهج ومدارس أدبية، وليس وفقاً لتجربته هو، ووعيه الخاص. على أني أريد أن أشيد خصوصاً بإميل حبيبي، الذي يكاد يكون الوحيد الذي يتمتع بسخرية لاذعة، وكان يضرب ضربات مباشرة "ضحك"..).
لا
بد من طرح السؤال التقليدي، المطروح دوماً في حالات اللقاء بمثقفين مطلعين على
الثقافتين معاً، العربية والأوربية، أي السؤال عن حوار الثقافات، يجيبني د. عرودكي
:
(لا وجود في نظري لما سُمِّيَ حوار الثقافات أو حوار
الحضارات. كيف يمكن للحضارات أو للثقافات أن تتحاور؟ الحوار بين البشر. بين بشر
ينتمون إلى ثقافات مختلفة. هذا هو الحوار. وجود مؤسسة كمعهد العالم العربي في
فرنسا يعني وجود مكان للحوار، ووجود إمكانية للحوار، لو أُحسِنَ استخدامه في هذا
المجال).
كروائية
أيضاً، وباستمتاع كبير حول الحديث عن الرواية، وألق الاهتمام بالروائيين، في
الفترة التي لم أكن قد بدأت فيها الكتابة بعد، عتبت على الدكتور عرودكي، على
انحصار اهتمامه بجيل ومرحلة معينة من الكتاب، سألته عن
جيلنا، عن الأجيال التالية، عن أمير تاج السر، منصورة عز الدين، سمر يزبك وبقية
الأسماء الروائية التي لا يتسع المجال لذكرها جميعاً، فيردّ:
(الحقيقة أنني لم أتوقف عن متابعة ما يُنشر في البلاد
العربية.. لكنها متابعة القارئ لا متابعة الناقد المحترف الذي كنته ذات يوم قبل
مغادرتي دمشق إلى باريس.. الروائيون العرب الجدد، ألاحق ما يكتبونه، لا بل أشتري
كتبهم، وأمني النفس بقراءتها ذات يوم.. هذا لا يعني أنني كففت عن متابعة ما يكتبه
الذين سبق لي أن قرأت أعمالهم منذ البداية أو الذين كتبت عنهم.. سواء أكانوا
كتاباً سوريين أو من البلدان العربية الأخرى.. لم أكف مثلاً عن متابعة ما يكتبه
زكريا تامر على سبيل المثال لاسيما وأنني أعتبره أكبر كاتب للقصة القصيرة في العالم
العربي اليوم.. لقد ارتبطت منذ الستينيات ولا أزال بصداقة شخصية شديدة الجمال مع
زكريا تامر، (وقد أتيح لي عام 1970 ــــ وكنتُ فعلاً محظوظاً ـــــ أن أقوم صحبته
وصحبة محمد الماغوط برحلة إلى ألمانيا الشرقية). زكريا تامر في تاريخنا الأدبي
العربي المعاصر حدثٌ في حدِّ ذاته. منذ مجموعته القصصية الأولى، صهيل الجواد
الأبيض، التي رسمت آفاق عالمه وخياله اللامحدود وسخريته العميقة النفاذة
اللاذعة وحتى كتاباته اليومية في موقعه الإلكتروني، المهماز، لم يكف عن
الحفر عميقاً في ثنايا مجتمعنا وثقافتنا وأيديولوجياتنا، بجرأة غير مسبوقة،
وبإخلاص لفنه لا يساويه في ذلك إلا قلة نادرة من الكتاب أو الشعراء (نجيب محفوظ أو
محمد الماغوط). هو ذا كاتب لم يهادن سلطة أو نظاماً، تشهد على ذلك مجموعاته
القصصية المتتالية. ومع ذلك لا يزال زكريا تامر في ما أرى غير مقروء كما يجب، وغير
معروف كما يستحق، إلا من نخبة من القراء العرب.. سعدت سعادة كبيرة حين احتفل
المصريون قبل سنوات بتكريمه، على تأخر هذا التكريم! لكن التكريم الحقيقي هو أن
يُقرأ في كل مكان من العالم العربي).
ربما
يكون انهماك بدر الدين عرودكي في قراءة الأدب الغربي، بقصد متعة القراءة أولاً، ثم
الاتجاه إلى ترجمة ما يروق له، كما فعل في آخر كتاب، أرسله منذ فترة إلى دار
النشر، وهو كتاب"الوعي والرواية"، سبباً في تخوّف عرودكي من انحياز
ذائقته، ناهيك عن ما يشبه تخصصه كمترجم في أدب كونديرا العالي، ربما شكّل هذا
حاجزاً أمام قراءة الرواية العربية المعاصرة، فوقف عرودكي لدى أسماء مرحلة قديمة.
مع أنه أشاد كثيراً بتجربة سلوى النعيمي، وهو من المعجبين بمجموعتها القصصية "كتاب
الأسرار"، ولكنه رغم هذا يقول :( كنت أخشى ألا يعجبني الكتاب العربي، بسبب
افتقاد الكتابة العربية إلى الثقافة النقدية، وكنت أعتبر نفسي محظوظاً إن راقني
عمل روائي عربي). وبإشادته بكتاب سلوى النعيمي، يقول عرودكي :( هناك صفتان
أساسيتان للكتاب، أولاً أنه لا ينتمي إلى مايدعى بالأدب النسائي، وأنا شخصيا أرفض
هذه التصنيفات، وثانيا، هناك قصتان أو ثلاث لا يمكن لرجل أن يكتبها)

مع الشاعر عبد الوهاب البياتي

مع الشاعر عبد الوهاب البياتي
عرودكي كاتباً
من
بين كل تلك الأوصاف والمهام التي تشتغل عليها، ماهي الصفة التي تمثلك أكثر؟ أسأله
فيقول:" لا أشعر أنني في بيتي، إلا حين أكتب". وهذه هي مشاريعه القادمة،
بعد حصوله على التقاعد من العمل، سيتفرغ لإنجاز كتبه، حيث يقول أن لديه مخطوط
رواية، كتبها في سن العشرين، إلا أنه أضاعها، ولكنه سيعود للكتابة الروائية
والإبداعية، كما يصفها بـ"حبه الأوّل".
تجربة
بدر الدين عرودكي ضخمة وثرية، وربما لايغطّيها حوار مكتوب واحد، إلا أن هذه
الصفحات، بمثابة تقديم موجز لتجربة ملئية بالمحطات الهامة، واللقاءات الثقافية،
والخبرات المهمة للقارئ والناقد والكاتب العربي، ربما تتاح جلسات أخرى، لإلقاء
المزيد من الضوء، على تفاصيل هذه التجربة، أو ربما ننتظر ما سيكتبه عرودكي بنفسه
من خلال كتبه القادمة.
جرى الحوار في بداية أيلول / سبتمبر 2012 ونشر في مجلة العربي ـ الكويت العدد 656 ـ تموز/يوليو 2013، ص 68 ـ 75
https://alarabi.cld.bz/mjl-l-rby-l-dd-656-ywlyw/68
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire