dimanche 10 mars 2013


رسالة إلى ناصر الأنصاري



لم أتوقع هذا الرحيل المفاجئ.


أعرف أنك كنت تتألم. كنت أشعر من خلال الأسلاك وهن صوتك وجسمك لكني كنت أحسّ عزمك وأملك وكنت أدفعك إلى ذلك الأمل ما استطعت. فالآمال العريضة التي ملأت عليك حياتك وأنت تعدّ العدّة للعودة إلى القاهرة من باريس حيث عرفتك كانت تتسع لحيوات وحيوات. وكنتَ محقاً في أن تدعها تتلبسك وتملك عليك وجودك وخواطرك.

في باريس، مصرياً حتى أعمق الأعماق كنتَ وكنتُ أحب فيكَ هذه الكبرياء، كبرياء وريث حضارة تعدّ سنواتها بالآلاف، لكنها كبرياء مشحونة بالودّ وبالوداد. وعربياً شامخاً كنتَ وكنتُ أحب عروبتي وهي تتراءى لي  فيك. وصديقاً صدوقاً صادقاً في زمن بات شحيحاً بالأصدقاء. وودوداً تعكس ابتسامتك التي كانت تنير وجهك مرآة نفس صافية، كريمة، واسعة، عليمة بضعف النفوس غفورة له.

غضبك ابتسامة. ابتسامة عارفة. وابتسامتك فرح يطغى في وهجه على الآخرين فينتقل إليهم عدوى. 

في باريس، في الموقع الذي يطل منه العالم العربي على العالم، كنتَ تحلم لو تستطيع أن.. وكنت تعمل على أن.. ويملكك الغضب من العجز لحظات، ويستحوذ عليك أياماً، وتارة أسابيع.. تتألم خلالها القدرة العاجزة..وأحياناً العجز القاتل. ولا يهن منك الأمل ولا الحلم ولا العمل.

في باريس، أردتَ أن تحمل وجه مصر الصبوح الوضاح ليكون حاضراً ملء السمع والبصر. مثلما كنتَ من قبل في القاهرة تريد وتعمل على حمل وجوه العرب المضيئة لتكون أيضاً في وعي المصريين حاضرة ملء الآذان وملء العيون.

ومن القاهرة إلى باريس، ومن باريس إلى القاهرة، أردتَ أن تكون على طريقتك: الأنيقة، الوديعة، الدافئة، العميقة، الودودة، اللطيفة، رسول مصروالعرب إلى الباريسيين وإلى الفرنسيين.

وفي هذا البيت الفريد من نوعه في العالم، في هذا الموقع الذي يطلُّ منه العرب في أروع ما قدمته قرائحهم ومبدعاتهم على العالم، كنتَ، بأناقة وبعذوبة، تفتح صدرك لكلِّ من يعمل فيه، بلا استثناء، وتنحني احتراماً لما اكتسبه من خبرة في ما يفعل ولِما يفعل.

لا أعرف أحداً شكا جفوة، أو استهتاراً، أو جهلاً منك. ولا أعرف أحداً ممن عملتَ معهم في باريس لجأ إليك وقد عدت إلى مصرك الحنون إلاووجد فيك الملجأ الكريم و العون الصادق.  كنت عنوانهم في القاهرة. في مصر. وكانوا لذلك يشعرون بالطمأنينة. فهل تدرك الآن معنى رحيلك في وجودهم؟ هل تدرك معنى غيابك؟  

هذه الكلمات، تعرف وأعرف، ليست جديدة عليك. ما أكثر ماأسمعتك إياها كلما التقيتك. وهذا هو الآن عزائي الوحيد. لن تقرأ هذه الكلمات كماكنت تسمعها وتغض الطرف تواضعاً واستحياء.

لكنك، واثق أنا، تحملها معك. وهي ليست كلماتي فحسب، بل كلمات من أحبوك هنا ومن مزقهم ألم رحيلك.
أحاول هنا متعثراً أن أكون صوتهم.

كنتُ أعدّ العدّة للقائك في مصرك، مصري. وكنتَ فرحاً لهذااللقاء مثلما كنتُ. لكن الفرح يغادرني وأغادره. وأين مني الفرح والأصدقاء غياباً؟

وداعاً إلى لقاء. لقاء لا بد له على أيِّ حال من أن يكون.


بدر الدين عرودكي

باريس

        تشرين الأول/اكتوبر 2009 (أخبار الأدب، القدس العربي، العرب اليوم)
http://news.arbtoday.com/News-11193.html

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire