jeudi 7 mars 2013


حول مستقبل الثورة السورية


لا يمكن تصوّر المستقبل إلا انطلاقاً مما وبناء على ما عاشه السوريون خلال نيف وخمسين عاماً، وخصوصاً اعتباراً من المعاني التي حفلت بها خلاصة ثورتهم طوال الأشهر السبعة عشر الماضية وحتى اللحظة التي سيقطفون فيها ثمرة تضحياتهم الأولى: إسقاط النظام.

منذ أن انطلقت الثورة في 15 آذار/مارس 2011 تطالب بالكرامة وبالحرية ثم بإسقاط النظام، دخلت على خطها، تحت تأثير خيار النظام في الحلّ الأمني، قوىً عديدة لكل منها غاياته ومطامحه التي لا تلتقي بالضرورة وبعضها لا يلتقي على الإطلاق مع الغايات التي دفعت ملايين السوريين من أجل تحقيقها، ولا تزال تدفع، ثمناً غالياً تمثل في مواجهة السجون والتعذيب والقتل اليومي شبه المنهجي فضلاً عن التهجير في الداخل وإلى البلدان المجاورة شمالاً وغرباً وجنوباً، ومواجهة تدمير وتفريغ منظميْن لعدد كبير من المدن.

ستحاول هذه القوى أن تؤثر على تكوين ورسم هذا المستقبل. لا أحد يجرؤ اليوم على القول صراحة بتقسيم سورية، لكن الحديث عن إعادة رسم خريطة المنطقة أو إعادة النظر بمخطط سايكس بيكو يتردد على ألسنة البعض بين الفينة والأخرى، ولن يكون مخطط دويلات تقوم على أساس طائفي أو عرقي بعيداً عما تعمل عليه إسرائيل بصورة حثيثة مباشرة أو عبر بعض القوى الوسيطة.

منذ بداية الثورة التي بدأت سلمية محضة باعتراف الجميع بما في ذلك النظام، كان معظم هذه القوى يسكت عن اختيار النظام الحلّ الأمني الذي تقرر منذ اليوم الأول أو يحاول الحدّ من حدّته مع الموافقة الضمنية على استمراره. ولم يكن هدف ذلك إنهاك النظام وتدميره من الداخل حتى يفقد عناصر مقاومته كلها فحسب، بل جعل مهمة ورثته الأولى إعادة بناء ما تهدم خلال عشرات السنين..

بمعزل عن أيِّ تفكير رغبي أو تبسيطي، يستحيل على الذين دفعوا دماءهم والذين فقدوا أطفالهم أن يستسلموا وقد أسقطوا النظام إلى مخططات أو رغبات القوى التي حاولت أن تكون طرفاً فاعلاً بهذا القدر أو ذاك وإلى ما ستعمل يقيناً على تحقيقه من غايات. منذ الأيام الأولى للثورة، وبصورة لا لبس فيها، عبَّر الشارع السوري عما يتطلع إليه: "الشعب السوري ما بينذلّ"، "الشعب السوري واحد، واحد، واحد". وبما أنَّ السوريين، عبر تاريخهم الطويل، قد عرفوا أرقى ضروب التعايش، وكان بلدهم موئل وملاذ شعوب عانت الويلات ولجأت إليه وعاشت في كنفه، فقد عبّروا أيضاً وبمختلف الوسائل عما يريدون: يريد السوريون بناء دولة مدنية، حديثة، ديمقراطية. يريد السوريون دولة تحترم تعدديتهم، وأديانهم، وحرياتهم. دولة المواطن لا دولة الرعايا. يريد السوريون ببساطة أن يستعيدوا ما حرموا منه خلال نيف وخمسين عاماً.

لهذا، يستحيل عليّ أن أتصور، ونحن نشهد ما يفعلونه منذ سبعة عشر شهراً، أن يتراجع السوريون أو أن يَهِنوا قبل إنجاز هذه الأهداف.
                                               

نشرت المقالة في صحيفة الأهرام العربي جواباً عن سؤال طرحه الزميل سيد محمود على عدد من الكتاب العرب، أيلول/سبتمبر 2012، كما نشرت في العدد الأول من مجلة رابطة الكتاب السوريين.
http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=985558

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire