خالد بيومي ـ روز اليوسف
حوار مع بدرالدين عرودكي
«الأهمية الاقتصادية لبعض بلدان الحراك الثورى العربى (ليبيا) أو الاستراتيجية (مصر وسورية) ستدفع الغرب وأمريكا إلى التأثير على نحو يكفل لهم استمرار مصالحهم حتى لو كان هذا الاستمرار مضاداً لكل ما طمح الثوار إلى تحقيقه»... بهذه الكلمات لخص السورى بدرالدين عرودكى كاتب ومترجم وناشط فى المجال الثقافى والفكرى رأيه فى موقف أمريكا واوروبا من ثورات الربيع العربي، مؤكدا أن التغيير السريع للأنظمة العربية أدى لمشكلات لا يمكن حلها بنفس السرعة تعيشها الدول العربية الآن، كما يرى عرودكى الذى يعيش فى باريس منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، وشغل عدة مناصب فى معهد العالم العربى فى باريس كان آخرها المدير العام المساعد، أن هموم ومشكلات المثقف العربى تختلف جذريا عن هموم ومشكلات المثقف الغربى لاختلاف الهموم والتحديات المجتمعية التى يعيشونها... عن هذه الموضوعات وترجماته لميلان كونديرا وما يرى أنه تبقى من طه حسين للثقافة العربية يدور هذا الحوار:
1ـ كيف تتأمل التحولات المتسارعة في العالم العربي الآن ؟
كان لابدّ من أن تنفجر أخيراً ثورات الشعوب التي لم تعرف من الحرية إلا لفظها ومن الكرامة إلا اسمها ومن الحياة الكريمة إلا المذلة والعبودية طوال ما لا يقل عن نصف قرن، أي منذ سنوات الانتكاسات الكبرى. لن يكون هذا التحول متسارعاً وإن بدا في ظاهره كذلك. صحيح أن أنظمة الحكم قد انقلبت خصوصاً بسرعة كبيرة في تونس ومصر وليبيا بالمقارنة مع سورية، لكن انقلاب هذه الأنظمة يطرح كما نرى الآن من المشكلات ما كان منتظراً وما لا يمكن حله بالسرعة ذاتها. الزمن هنا عامل شديد الأهمية، والأهم منه هو أن يستمر النَّفَسُ الثوري حاضراً وقوياً للحيلولة دون العودة إلى وراء بفعل القوى المضادة للثورة وما أكثرها.
2- كيف ينظر الغرب الى ثورات الربيع العربي ؟
فوجئ الغرب بالحراك الثوري بعد أن ظن أن العالم العربي قد غاب في سهاد طويل دفعه إلى إقامة علاقات وثيقة مع الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية أو الفاسدة في العالم العربي متجاهلاً كل ما ينادي به من ضرورة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. لكنه بعد الصدمة حاول أن يستوعب ما يحدث وأن يعمل على التأثير في مجراه بصورة أو بأخرى..ولا يزال. من المؤكد أن الأهمية الاقتصادية لبعض بلدان الحراك الثوري العربي (ليبيا) أو الاستراتيجية (مصر وسورية) ستدفعه إلى التأثير على نحو يكفل له استمرار مصالحه حتى لو كان هذا الاستمرار مضاداً لكل ما طمح الثوار إلى تحقيقه.. ومن هنا جانب من الكوارث التي نعيشها الآن في بلدان الحراك الثوري العربي كافة.
3- ما رؤيتك للولادة العسيرة للثورة السورية والوضع المتأزم هناك ؟
ليست ولادة عسيرة . الثورة السورية ولدت كاملة وواعية. وهي الآن قائمة ومنذ سنتين بلا كلل. العسر موجود في تحقيق أهدافها بالسرعة التي تم فيها ذلك في البلدان العربية الأخرى. لقد قمع النظام سلمية الثورة باختياره الحل الأمني ودفعها إلى أن تكون ثورة مسلحة. كما أنه احتمى بكل القوى ذات المصلحة في سورية ولا سيما إيران. لكن المهم الآن هو أنه لن تكون ثمة عودة إلى الوراء. فالناس الذين واجهوا أعتى سلطة عرفتها المنطقة في تاريخها لن يرضوا بأقل من كسر النظام وتفكيكه بكل أدواته الأمنية والقمعية وتقديم رجاله ونسائه إلى المحكمة احتراماً للشهداء والمشردين والمفقودين ولمن عانوا استبداد هذه الطغمة واستئثارها بخيرات هذا البلد العريق.
4- ما دور المثقف بعد الربيع العربي ؟
لابد أن يستعيد المثقف بعد الربيع العربي في ما أرى دوره الأساس: ناقداً ومراقباً لكل حراك يحاول الالتفاف على الأهداف التي ضحى الناس من أجل تحقيقها، مشيراً إلى كل محاولة للعودة بصور أخرى إلى نظم الاستبداد التي سادت، ولا يمكنه القيام بهذا الدور إلا إذا استقلَّ عن كلِّ سلطة أو سلطان، وبالتالي أن يكون معارضاً ومثيراً للإزعاج بالتعريف، لأنه يشير إلى مكامن الخطر الحقيقي في عملية التطوير.
5- إلى أين وصلت في ترجمة أعمال ميلان كونديرا ؟ ومن أقرب الكتاب العرب الى كونديرا ؟
لم أترجم من أعمال كونديرا سوى ثلاثة كتب (من أصل أربعة الآن) خصصها لتقديم تأملاته في فن الرواية وهي: فن الرواية، الوصايا المغدورة، الستار.أما الرابع، لقاء، فقد ترجمته ولم أنشره بعدُ لأسباب لامجال لعرضها هنا.عندما بدأت في ترجمة العمل الأول منها، فن الرواية، وقد تمّ نشره أولاً في المغرب، كان يدفعني إعجاب غير محدود بروائي يحكي جذوره الفنية التي حددها في ما أطلق عليه الرواية الأوربية، كما تجلت بصورة خاصة في روايات إرنست بلوخ، وفرانز كافكا. كانت هذه التأملات تعني لي الشيء الكثير نظراً لأنها تصدر عن روائي يمارس فن الرواية بنجاح قلَّ نظيره في عصرنا، وفي الوقت نفسه لأن قراءته للرواية الأوربية عموماً تختلف اختلافاً جذرياً عن قراءة النقاد التقليديين أو مؤرخي الرواية الكلاسيكيين.
أما بالنسبة للجزء الثاني من سؤالك، عن الأكثر قرباً إلى كونديرا من الكتاب العرب، فإني أسألك بدوري: هل من الضروري أن يكون الروائي العربي قريباً من أو بعيداً عن كونديرا أو أي كاتب آخر سواه؟ لا أرى بصراحة معنى للقرب أو للبعد إلا في ميدان رؤية العالم. وكلُّ ما عدا ذلك عبث وقبض الريح.
6- ترجمت كتاب ( معك) لسوزان طه حسين .. برأيك ما الذي تبقى من طه حسين الآن ؟
في المقدمة التي كتبتها للطبعة الأخيرة التي صدرت عن المركز القومي للترجمة تحدثت عن قصة الكتاب وترجمته التي كان في أساسها العالم والمؤرخ الاجتماعي الفرنسي جاك بيرك. فقد خصص في السبعينيات وبعد وفاة طه حسين درسه الأسبوعي في الكوليج دوفرانس خلال سنتين ليتحدث عنه وعن دوره الثقافي، وهو من أوحى لسوزان طه حسين أن تكتب عن الجانب الحميمي في حياة زوجها والذي أدى إلى كتاب"معك". كان جاك بيرك قد اقترح على سوزان طه حسين إن كتبت الكتاب أن يقوم بترجمته مترجم سوري لإعطاء طه حسين بعداً عربياً، وأن يراجع الترجمة كاتب تقدمي لإعطاء طه حسين بعداً مستقبلياً. ووقع اختياره عليّ كمترجم وعلى محمود أمين العالم كمراجع. يلخص هذان البعدان في رأيي معنى ما أنجزه طه حسين في حياته. لقد كان حدثاً في تاريخ الثقافة العربية على الأصعدة كلها: صعيد حرية التعبير، صعيد النقد العميق للتراث وللتاريخ وللمناهج التقليدية، صعيد التزام الكاتب بمشكلات مجتمعه، صعيد الرؤية المستقبلية للثقافة وللتربية في بلده.. والقائمة لا تنتهي. كان أول من هاجم طه حسين هم أؤلئك الذين يحاولون حتى اليوم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولا يزالون يحاربونه حتى وهو في قبره، شأنه في ذلك شأن الكثرة من كتاب ومفكري مصر التنويريين الكبار.. لكن طه حسين سيعود لاحتلال الساحة من جديد، وسيظل علماً من أعلام حرية الفكر والاجتهاد واستقلال الرأي عن كل سلطان، أياً كانت سلطة هذا السلطان..وإني لأعتبر أن شباب مصر الذين قاموا بثورة 25 يناير هم من حيث لا يدرون أبناء طه حسين بامتياز..
7- كيف تتأمل الدور الثقافي لمعهد العالم العربي في باريس بعد الربيع العربي ؟ وما العقبات التي تحول دون ممارسة دوره ؟
معهد العالم العربي مؤسسة فريدة من نوعها في العالم. وهو أيضاً فريد في قيامه دليلاً على إهمال الأنظمة العربية لشؤون الثقافة الحقيقية، أعني الإبداعية، المستقلة، الحرّة، المسؤولة ولكن غير الخاضعة لأيِّ قيد من القيود التي يفرضها الاستبداد في وجوهه المختلفة. ذلك أنَّ بعضها فهم رسالة المعهد على أنه مركز دعائي له. فحاول طوال عقدين كبح الاستفادة من تواجد المعهد في بلد ينعم بالحرية كفرنسا والحيلولة دون تقديم صورة حقيقية عن العالم العربي. لكن المعهد، مع ذلك، استطاع أن يبتكر هامش حريته فقدم ما استطاع حتى احتلّ موقعاً مميزاً في المشهد الثقافي الباريسي خصوصاً والفرنسي عموماً بل والأوربي. لكن الربيع العربي جاء ليكسر القيود التي كانت تكبل المعهد وأمكن منذ بدايات عام 2011 سماع خطابات وفكر وأداء، حتى في طبيعة المعارض المنظمة، تختلف اختلافاً جذرياً عما سبق.
لكن العقبات لا تزال هي نفسها، وتتجسّد خصوصاً في مشكلة التمويل. لا تزال فرنسا هي المموّل الأكبر للمعهد ولنشاطاته. والحل الذي اقترحته على الدول العربية بتخصيص وقف يتألف من ديون الدول العربية الواجبة للمعهد بدلاً من الإسهامات السنوية لم يكن حلاً موفقاً ولا ناجعاً أصلاً..وكان توقف الدول العربية عن الإسهام المالي السنوي سبباً في لجوء المعهد إلى التخفيف من نشاطاته بل وإلى تسريح عدد كبير من موظفيه. الدولة العربية الوحيدة التي اهتمت بحل مشكلات المعهد المالية كانت دولة الكويت التي تبرعت بأربعة ملايين يورو وقامت بتسديدها لإعادة تأهيل متحف المعهد وكذلك مكتبته العامة من دون أيّ مقابل.
8- برأيك .. هل تتطابق هموم المثقفين العرب مع المثقفين في أوربا أم تختلف؟
لا. بالتأكيد لا. المشكلات التي يواجهها المثقف العربي في مجتمعه تختلف جذرياً عن تلك التي يواجهها المثقف الغربي وذلك لسبب بسيط بالطبع يتجلى في اختلاف هموم المجتمعات الغربية عن هموم المجتمعات العربية. لا يواجه المثقف الغربي الاستبداد، أو انعدام الحريات بما فيها حرية الفكر، أو القمع اليومي والممنهج؛ في حين يواجه المثقف العربي الاستبداد وانعدام الحريات والقمع اليومي باسم المقدسات أو ما يُزعمُ أنه المقدسات تارة وضرورات الأمن تارة أخرى...أنتَ ترى أن الهموم ليست نفسها. يستطيع المثقف الغربي أن ينتقد السلطة الحاكمة من قمتها إلى قاعدتها نقداً لاذعاً وقاسياً ويعود إلى إلى بيته دون أن يقلق على حياته أو أمنه (قد يصادف بعض الإزعاج في أمور معيشته إن كان يعمل في إطار مؤسسات عامة مثلاً)، لكنه يظل آمناً على حياته وحياة أهله. وليس ذلك على الإطلاق حالَ المثقف العربي. من الطبيعي أن المعنيَّ هنا هو المثقف العربي المستقل لا ذلك الذي دجنته السلطات على اختلافها.
http://www.rosaeveryday.com/News/26476/-#.UTMPv3qTAbs.facebook
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire