mardi 30 décembre 2014


ثورة السوريين: الأمل ساطعاً لا يزال..

بدرالدين   عرودكي
 


على الرغم من أننا "محكومون بالأمل" كما كان سعد الله ونوس يقول إلا أننا كنا، في سوريا، على وشك فقدان الأمل حين كنا نشهد ما يحدث في ميادين تونس والقاهرة وبنغازي وصنعاء..
لكن أطفال درعا وشباب دمشق أحيوه ساطعاً. إذ سرعان ما ترددت الأصداء في أرجاء سوريا كلها وبلا استثناء. وتناهت إلى أسماعنا نحن الذين كنا نزعم معرفة بلدنا قطعة قطعة أسماء قرى وبلدات لم تطرق من قبل آذاننا. وكأنما انبثقت الجغرافية في تلاحم وعلى موعد مع التاريخ في حضرة بدهيات إنسانية أريد لها أن تبقى في غياهب النسيان: الحرية والكرامة.
شبانٌ سوريٌون في عمر زهور الربيع يخرجون لا يملكون سوى حناجرهم والورد في أيديهم يواجهون به الرصاص الحيّ وهم ينادون بهذا الحّق الطبيعي. كان ذلك هو الحوار الوحيد المُتاح. وفي كل مكان. وكان المُحَرّمُ الأكبر ماثلاً في تقنية المواجهة المادية: لا مكان لميدان تحرير آخر في سوريا، مثلما كان حاضراً أيضاً في المواجهة الإعلامية: مؤامرة كونية أدواتها التكفيريون وأبناء القاعدة.
كانوا يسقطون كل يوم قتلى على مذبح هذا الحق. فرادى وجماعات. وكانت آلة القتل كل يوم تتمدد وتتكاثر وتتفنن.
كانوا يُقتلون على التتابع : بالرصاص ثم بالصواريخ ثم بالبراميل على أيدي النظام؛ وعلى لسان "مثقفي" الثورة والحداثة لأنهم يخرجون في مظاهراتهم من المساجد! وبعد ذلك على أيدي من تقدموا ممثلين لهم في المحافل الدولية، ثمَّ على أيدي معظم من أطلقوا على أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري"..فكانت النتيجة حتى الآن ما ينيف عن ثلاثمائة ألف قتيل وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، وملايين المُهَجَّرين.
ذلك كله من أجل كسر الأمل، أيّ أمل.
منذ البداية أريد لهم أن يخرجوا من الجغرافيا ومن التاريخ: أن يُغَيَّبوا تحت الأرض وفي أعماق البحار  موتى أو أن يتفرقوا مُهَجَّرين جماعات في أرجاء المعمورة. فكانت التغريبة السورية، ولا تزال.
ومنذ البداية أُريدَ لهذا البلد بعد أن كان مرتع عائلة واحدة ومن يلوذ بها أن يكون مرتع القوى  الإقليمية والدولية كلها التي كانت هذه العائلة تتفنن في التلاعب بها ومعها وعلى حسابها ولحسابها في آن. فربما استطاعت بذلك أن تستعيده من جديد.
واستعانت مع القوى المحلية والإقليمية والدولية بضواري الأرض جميعاً بعد أن ألبستهم أقنعة القرون الخوالي فبتنا أمام ضروب الدواعش على اختلافها تحاول من أجل أن تلغيها أن تغطي وتزيِّف ثورة شعب بأكمله.
لكن الثورة لا تزال وستبقى عصيّة على الجميع. في الداخل وفي الخارج. مادامت قد آتت أكلها عندما أخرجت العائلة الحاكمة وخدمها من حيِّز الإمكان في المستقبل.
ذلك هو الأمل الذي لا يزال ساطعاً.
 
* نشر في مجلة الهلال، القاهرة، عدد كانون الثاني، يناير 2015.
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire