jeudi 4 octobre 2018



الاحتلال الروسي: العام الرابع! 
بدرالدين عرودكي 
يعلم السوريون أن الاحتلال الروسي الحقيقي لسورية لم يبدأ في 30 أيلول/سبتمبر 2015، بل منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحراك الثوري السوري في آذار/مارس 2011. كانت تلك الثورة فرصة روسيا الاستثنائية لكي تثبت وجودها من جديد بعد مرور حوالي ثلاثين عامًا على انهيار الاتحاد السوفياتي من جهة، ولكي تنتقم من الغرب الذي عاقبها بسبب أوكرانيا وتجاهلها كليًا في معالجته للحراك الليبي الثوري. بدت روسيا وكأنها أكثر القوى الدولية فعالية في حماية النظام الأسدي. على الصعيد الدبلوماسي أولًا، في مجلس الأمن، بحيلولتها دون صدور أي قرار يتناول المجازر والعنف الذي كان أداة النظام الأسدي في مواجهة المظاهرات السلمية أو حتى إدانته على جرائمه، التي ظهرت واضحة وموثقة للرأي العام العالمي، بعد ستة أشهر فقط من خروج السوريين يطلبون استعادة كرامتهم وحريتهم المهدورتيْن منذ نيف وأربعين عامًا، وثانيًا، على المستوى المادي والمباشر، حين تقدمت إلى ميدان المعركة الحقيقية، بادئة بإرسال قواتها الجوية في 30 أيلول/سبتمبر 2015 بحجة مواجهة الإرهاب، الذي تبين أنه كان في نظرها يتجسد في كل مَن ثار ضد النظام الأسدي، ومنتهية إلى وجودٍ برّيّ كثيف، ذي طبيعة أمنية وبوليسية بوجه خاص، يهيمن على أرض سورية بعد أن هيمن على سمائها.
وعلى أن روسيا بدت كأنها أكثر القوى الدولية فعالية في حماية النظام الأسدي، إلا أن القوى الأخرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن أقل فعالية في هذا المجال حين كان التواطؤ بينها وبين روسيا يتجلى في صور عديدة، لم تكن أقلها الثغرات المختلفة التي حفلت بها سواء قرارات المؤتمرات المتعاقبة التي عقدت حول سورية بجنيف أو بفيينا، أو تلك التي صدرت عن مجلس الأمن، والتي تجلت خصوصًا في الحرية التي تركها صوغ هذه القرارات لكل منهما في قراءة هذه الفقرة أو تلك، بطريقة تجعل من الاختلاف في التفسير عقبة دائمة أمام انتقال القرار إلى حيِّز التنفيذ. هكذا كان الغموض علامة تواطؤ لا ينفي أو يستبعد خلافات في التفاصيل يمكن أن تقضي على الاتفاق حول تحديد طبيعة وجوهر المسألة السورية: المحافظة على أسس وطبيعة النظام القائم، بعد إجراء بعض التعديلات الضرورية التي يمكن أن توحي بالتغيير المنتظر، والتي تلوح ــ دون أي تأكيد ــ  خروج الأسد وأعوانه من المشهد السياسي السوري في نهاية العملية التي حملت اسم "الحل السياسي" الذي سيجري تنفيذه تحت إشراف دولي من خلال الأمم المتحدة.
  لم تكف السلطات الروسية، في كل خطوة من خطواتها لصوغ هذا الحل السياسي حسب رؤيتها وبمفرداتها وتحقيقًا لأهدافها في سورية، عن بذل كل جهدٍ ممكن من أجل إعادة تأهيل رأس النظام الأسدي عن طريق حمل ممثلي المعارضة السورية المدنية والعسكرية من جهة، ومختلف القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى، على إلغاء شرط تنحيته أو عدم بقائه خلال الفترة الانتقالية إلغاءْ تامًا؛ كما لم تكف، إلى جانب ذلك عن الإعلان عن التزامها بقرارات الأمم المتحدة وبالتعاون مع المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا. وحين نظمت مؤتمرات آستانة أو مؤتمرات سوتشي لتنظيم السيطرة تدريجيًا على مختلف المناطق التي تسيطر عليها قوى "المعارضة" المسلحة، على اختلاف هوياتها وتبعياتها وأيدلوجياتها المعلنة أو الخفية، سواء بالقوة أو عن طريق التفاوض على ما أطلق عليه "مناطق خفض التصعيد"، ثم لتمهيد الطريق إلى تنفيذ "الانتقال السياسي" كما تريد له أن يكون، وبالتالي وضع تفسيرها للقرارات الأممية التي تزعم تطبيقها موضع التنفيذ. هكذا، بعد أن استخدمت كافة وسائل الترهيب والترغيب لحمل قوى المعارضة العسكرية على الموافقة على خفض التصعيد في المناطق التي تتواجد فيها، باشرت استعادة هذه المناطق واحدة بعد الأخرى، بالقوة تارة وبالمفاوضات تحت التهديد تارة أخرى؛ وها هي الآن على عتبة محاولة استعادة منطقة إدلب من خلال مناورة الاتفاق الروسي /التركي  التي يمكن، إن نجحت، أن تسمح لها السيطرة عليها بأقل الخسائر الممكنة.
لن تكون إدلب، أيًا كان مآل الاتفاق التركي الروسي الأخير حولها، نهاية المسار في الحدث السوري. فروسيا، رغم حضورها الكثيف سياسيًا وعسكريًا في سورية، ليست وحيدة في الساحة ولا سيدة الميدان بلا منازع؛ إذ ستبقى مرغمة على التعاون مع إيران، دولة الاحتلال الأولى، التي تغلغلت في عمق النسيج الاجتماعي السوري، وإن بُدِءَ بقص أجنحتها العسكرية تدريجيًا؛ ومع تركيا التي فرضت نفسها لاعبًا إقليميا في سورية؛ وأن تأخذ بالحسبان وجود الولايات المتحدة التي تناور لتكييف أي حلٍّ يمكن أن تنجح روسيا في فرضه بما يخدم مصالحها ومصالح ربيبتها إسرائيل. لكن روسيا ستسعى على الطريق الذي شقته لاحتلالها إلى أن تحتفظ بأكبر قدر مما سعت إليه أصلًا حين أرسلت قواتها الجوية يوم 30 أيلول/سبتمبر 2015. كان القضاء على الإرهاب كما أعلنت حجتها، ودعم "الحكومة الشرعية" هدفها.
وعلى أنها لم تقض على الإرهاب بقدر ما حاولت ولا تزال تحاول القضاء على معارضي النظام الأسدي المسلحين، وأنه لم يبق من هذه "الحكومة الشرعية" إلا بقايا تدعمها ميليشيات متعددة الجنسيات سعت إيران إلى استيرادها منذ البداية للحفاظ أيضًا على النظام الأسدي الذي تماهى فيها، فإن ما تسعى إليه روسيا هو الإبقاء على النظام القائم حيًّا، سواء  بوجود الأسد مادامت لم تضمن بعدُ استمرار مصالحها الحيوية في سورية أو من دونه فيما وراء ذلك: المصالح التي تتجسد ماديًا في المجال الاقتصادي، وفي قاعدتها العسكرية بطرطوس، فضلًا عن قاعدتها الجديدة في حميميم من ناحية، وفي ما حققته ولا تزال تحققه من استعراض صناعتها الحربية في مختلف ميادينها وتسويقها عبر ما حققته لها من دعاية أثناء استخدامها لها طوال السنوات الثلاث الماضية، هذا دون نسيان البعدين الداخلي والخارجي في سياستها السورية: داخليًا، بإحياء الشعور الوطني في روسيا من خلال تواجد و"مآثر" جيشها في سورية، وخارجيًا، بالتأكيد على استعادتها موقعها كقوة يُعتّدّ بها على الساحة الدولية.
على أنه لابد من الإقرار بأن روسيا سعت، ولعلها نجحت نسبيًا، رغم كل ما أشيرَ إليه في السطور السابقة، في أن تقوم بدور الثورة المضادة في سورية بوسائل ميكيافيلية كاملة الأوصاف سياسيًا وعسكريًا. لاسيما وأن المُغَيَّبُ الوحيد لا يزال، ضمن صراع القوى المحلية والدولية داخل سورية، هو الشعب السوري الذي ما فتئ للأسف من يتصدون للحديث باسمه أو يسعون إلى ذلك يختلفون على جنس الملائكة كلما كان الموضوع توحيد القوى أو تحديد الأوليات أو إعادة إبرة البوصلة التي كان الشباب السوري قد ثبَّتَ وجهتها حين خرج ينادي بالكرامة وبالحرية.  

** نشر على موقع جيرون يوم الخميس 4 تشرين أول/أكتوبر 2018.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire