رهاب الإسلام أم
رهاب العرب؟
بدرالدين عرودكي
لا
وجود ولا استخدام لتعبير رهاب العرب في اللغة الفرنسية. إذ رهاب الإسلام هو
التعبير
السائد. ومنذ ما يقارب عقدين من السنوات باتت ترتفع
بهذا الأخير في فرنسا لفظاً أو مضموناً عقيرة بعض الروائيين والصحفيين والسياسيين
كلما وجدوا الفرصة متاحة أمامهم، مؤلفين بذلك جوقة متكاملة يسوِّقون بها الخوف
خلال الانتخابات المتعاقبة، بلدية أو نيابية أو رئاسية، يستدعون به وعبره ضروب
الشر المطلق، والعدو المطلق، تأكيداً لتفوق ثقافي لا يقبلون المُماراة فيه.
ولعل
الإسلام لا يقال هنا للإشارة إلى الدين فحسب، بل بالأحرى لتسمية العرب ما داموا هم
من حمله إلى العالم، مثلما كان يقال في الماضي عن كل مسلم عربي الأصل تركيّ، أو
محمديّ، ومثلما أطلقت كذلك على العرب خصوصاً، تسمية أبناء إسماعيل أو أبناء هاجر
أو المور أو التسمية الأشهر سارّازان. ذلك أن استخدام تعبير رهاب العرب اليوم يمكن
أن يقع تحت طائلة العقاب لانطوائه على مضمون عنصري. في حين يتساوى الإسلام بوصفه
ديناً، في نظر قوانين دولة كفرنسا، مع الأديان الأخرى، ولا يمكن بفعل حرية التعبير
المكفولة فيها دستورياً، أن يُجَرَّمَ من ينتقده.
ولم
يكن الانزلاق من الإسلام إلى العرب يفتقر إلى الوسائل المتاحة، كالتخييل الفني،
كما فعل على سبيل المثال ميشيل أويلبيك في روايته مِنَصَّة الصادرة عام
2001: "ما كان للإسلام أن يولد إلا في صحراء غبيّة، وسط بدوٍ قذرين لم يكن
لديهم ما يفعلونه سوى ــ واعذروني القول
ــ أن يطأوا جِمَالَهم"، أو الكتابة المباشرة كما فعلت أوريانا فالاتشي في كتابها الغضب والفخر الصادر عام 2002:
"هناك شيء لدى الرجال العرب يثير قرف
النساء ذوات الذوق الحسن".. أو " "يتكاثر المسلمون كالجرذان"؛
"وبدلاً من أن يسهموا في تقدم البشرية يقضي المسلمون أوقاتهم في الصلاة خمس
مرات يومياً".
لم
يكن غيوم دو روفيل يبالغ والحالة هذه حين كتب عام 2012 ، أن "المسألة الكبرى
في القرن الحادي والعشرين ــ هي رهاب الإسلام. فهو في الحقيقة شرّ العصر الحاضر،
على مثال ما كانت عليه معاداة السامية خلال القرن الماضي". ومن نظَّرَ لهذه
القضية على هذا النحو كصموئيل هانتغتون وكتابه "صدام الحضارات"، كان في الحقيقة
يدعو إلى حرب أبدية؛ في حين كانت جيزيل
ليتمان تحت اسمها المستعار بات يي أور
تريد عبر مفهومها عن
"الأورابيا" أو "المحور العربي الأوربي" أن يمتد إلى أوربا
تطبيقُ نموذج الآبارتايد والتمييز العنصري القائم في إسرائيل من أجل "مقاومة
غزو البرابرة الجدد".
وعلى
أن تعبير رهاب الإسلام ليس طارئاً بل يعود استخدامه إلى أكثر من قرن، وأن المعنى
المعاصر الذي اكتسبه يعود إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، وأن انتشاره الإعلامي
في الغرب كان تالياً على تفجير نيويورك في 11 أيلول 2011، إلا أن الطريقة التي
التي يمارس بها والتعبيرات التي تقوله أو تندرج تحت غطائه ولا سيما على الصعيد
العسكري، من أفغانستان إلى غرب أفريقيا، توحي بأن جذوره التاريخية أشد عراقة مما
يبدو للوهلة الأولى، وبأن الاستشراق في وجهه الإيديولوجي، على النحو الذي وصفه
إدوار سعيد في كتابه عنه، والذي تممه متابعاً طريقه جون تولان في كتابه الذي حمل
عنوان "السارّازان" بالعودة إلى جذوره الأولى، هو الأرض الخصبة التي عثر
ويعثر فيها كل يوم أنصار النقاء العرقي والثقافي في الغرب على ضالتهم فيما يغذي
اليوم رهاب الإسلام، أو في واقع الأمر، رهاب العرب اليوم.
كان
إدوار سعيد قد وصف في كتابه المقتضيات الأيديولوجية للصور التي قُدِّمَ بها الشرق
في الثقافتين البريطانية والفرنسية في القرنين التاسع عشر والعشرين. كان الاستشراق
في نظره "أسلوباً غربياً في السيطرة وفي إعادة بناء وفرض الهيمنة على
الشرق". فجاء الخطاب الاستشراقي ليؤلف المقابل الأيديولوجي للوقائع العسكرية
والسياسية للإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في الشرق الأوسط. وكما يقول جون
تولان كان " الاستشراق يقدم تبريراً للإمبراطورية". ويقول أيضاً إنه
بالطريقة نفسها التي أجاز بها الاستشراق وبرَّرَ الحروب الاستعمارية، كانت
"الخطابات المعادية للإسلام التي كتبها المؤلفون المسيحيون بين القرنين
السابع والثالث عشر تستخدم لإجازة العمليات العسكرية ولتبريرها مثلما كانت تفيد من
أجل التمييز الشرعي والقمع الاجتماعي للمسلمين". مع فارق هام بين هذه الحقبة
وبين تلك التي سادت اعتباراً من القرن التاسع عشر حين كان الغرب في الحقبة الأولى
في وضع أدنى بالنسبة إلى الشرق الإسلامي على الأصعدة العسكرية والسياسية والفكرية،
وهو الوضع الذي سينقلب اعتباراً من القرن
التاسع عشر لصالح الغرب الذي كان فوق ذلك "مقتنعاً بتفوقه" على العالمين
العربي والإسلامي.
ليس
من الممكن بالطبع مماهاة الصور التي ثبتها الاستشراق في الغرب خلال القرنين
الماضيين مع الصور التي كونتها الكتابات التي تمت بين القرنين السابع والثالث عشر.
فلكل حقبة شروطها وأدوات تعبيرها وغاياتها. وقد يبدو من قبيل المغالاة الشديدة
إقامة صلة ما بين المواقف تجاه المسلمين والعرب في القرون الوسطى ومواقف الهيمنة
الاستعمارية في القرنين الماضيين. لكن مؤرخاً مثل رنيه غروسيه في كتابه
"تاريخ الحملات الصليبية ومملكة الفرنجة بالقدس" (1934) وهو يستشهد
بمقطع من رحلة ابن جبير يؤكد فيه أن القادة الصليبيين يعاملون رعاياهم مثلما إن لم
يكن أفضل من معاملة الملوك المسلمين لرعاياهم، يعتبر أن ذلك يضع بين أيدينا
"أجمل مديح للاستعمار الفرنسي"! هكذا تصير ملاحظات استحسان كاتب عربي
نقادة لبعض حكام بلاده حجة مفيدة لمؤرخ فرنسي حديث في لا في تبرير الفتح
والاستعمار الفرنسيين الحديثين فحسب بل كذلك في اعتبار الحملات الصليبية نفسها
"حملات مجيدة". ليس من قبيل الصدفة والحالة هذه كما يكتب جون تولان أن
تحفل قاعة الحملات الصليبية في قصر فرساي باللوحات الجدارية التي تكرس تمجيد
فتوحات الصليبيين في القروسطية والتي رسمت عام 1830، أي في الوقت الذي كانت فيه
فرنسا تباشر استعمارها للجزائر.
هل
نقول ما أقرب اليوم من الأمس؟ أم الأحرى أن نقول إن الفروق والمسافات التي تعلمنا
ضرورة ملاحظتها في كل مناسبة تختفي هنا ليبرز الثابت وراء كل ضروب المتحول؟
** نشرت على موقع "ضفة ثالثة"، الجمعة 7 تشرين أول 2016
** نشرت على موقع "ضفة ثالثة"، الجمعة 7 تشرين أول 2016
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire