الأمانة العامة لجائزة سلطان العويس الثقافية
كلمة الضيوف في حفلة
توزيع الجائزة لعام 1992
بدرالدين عرودكي
أيها
السادة
لا
أدري، وقد طلب إليَّ أن أتحدث باسم ضيوف هذا الحفل، إن كنت سأنجح في التعبير عما
يودون التعبير عنه. سوى أني لا أكتم أمامكم غبطتي لهذه الفرصة
التي تكرمت أمانة جائزة سلطان العويس الثقافية فأتاحتها لي، كي أقف بين أساتذة
كبار أكاد من فرط معرفتي بأعمالهم لا أصدق أنني أراهم للمرة الأولى، وبين مجموعة
من المواهب المبدعة التي كان لي حظ وشرف صداقتها: أفرح بما تلقاه بعضهم قبل
سنتيْن، ولما تلقاه هذه السنة بعضهم الآخر من تكريم.
تكريمُ
مَنْ في الواقع؟
عندما
يتمُّ اليوم تكريم إحسان عباس وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وسعدي يوسف وعبد الرحمن
منيف وألفريد فرج، مثلما تم من قبل تكريم حنا مينة وسعد الله ونوس وفدوى طوقان
وجبرا إبراهيم جبرا وعلي جواد الطاهر، ومثلما يتم تكريم وتكريس شاعرنا الأكبر محمد
مهدي الجواهري، فإنما يُكرَّمُ في أشخاصهم، عبر الحدود، وفيما وراء أسلاك
الانتماءات السياسية والفكرية، كل القراء العرب الذين تلقفوا هذه المبدعات وحملوها
وكرَّموها هم أولاً بالإعجاب وبالإقبال أو بالخصام وبالاحترام.
تكريمهم
إذن تكريم القارئ العربي، ومن ورائهم جميعاً تكريم تراث هذه الأمة التي يشاركون في
إغنائه وفي إخصابه وفي تجديده. تكريم لهذه الاستمرارية التاريخية التي تميز
ثقافتنا العربية رغم كل المحن التي تعرضت لها منذ قرون وقرون: من قمع وإنكار
ومحاولات إخصاء أو احتقار أو، في أفضل الأحوال، من تجاهل..
على
أني أرى في هذا التكريم أيضاً معنى آخر لا يقل بل ربما فاق أهمية المعنى الأول.
إني، عندما أستعرض أسماء المُكرَّمين، أرى فيه تكريماً لمن لم يختاروا سوى العقل
منهجاً، والقلب دليلاً، والشك والسؤال ــ والسؤال هنا بمعنى العذاب ــ طريقاً.
إنه
تكريم العقل والقلب اللذين كانا وراء كل نقلة نوعية في تاريخ ثقافتنا، حتى في أحلك
مراحلها ظلاماً... (واسمحوا لي بهذا المثل: هل كان ابن خلدون سوى ابن مرحلة
التجزئة والانفكاك وصراعات المصالح السياسية الضيقة والأنانية؟..). إنه إذن ثناء
على البحث الذي لا يكلُّ عن الطريق الأفضل لصياغة الأسئلة لأنها ستكون الطريق
الأقصر للوصول إلى ما نبحث عنه من إجوبة..
ذلك
ما يحثني على القول: إن هذه الجائزة الفتية في طريقها، بسبب ذلك، إلى أن تتحول إلى
مؤسسة مؤثرة، شديدة الأهمية، في حياتنا الثقافية الراهنة.
فهي بطبيعتها، وبالمنهج المستقل الذي اختارته لنفسها
في توجهاتها، مُهَيَّأة لأن تلعب هذا الدور الذي لا تقوم به فيما أعلم أية مؤسسة أخرى على
امتداد وطننا العربي.
لأنها
ستتمكن، من جهة، في أن تجعل من يحملها يستمر
في الاعتزاز بما هو حقه المقدس الأول: حريته كمفكر وكمبدع.
ولأنها
ستعمل، وهو شرط لا غنى عنه لنجاحها أصلاً، على اكتساب قراء جدد له.. وهنا تكمن أساساً
أهمية أية جائزة في نظر من يتطلع إلى اكتسابها.
وهذان،
والحق يقال، عنصرا نجاح أي جائزة أدبية في عالمنا اليوم.
ومن
هنا، فإنه لا بدَّ أن ننظر إلى هذه الجائزة على أنها مؤسستنا جميعاً نحن العرب في مشرق
الوطن العربي وفي مغربه، نحن العاملون في الحقل الثقافي على اختلاف ميادينه وحقوله.
كل
ما أتمناه، ما نتمناه، أن ننجح، وأن نستمر بشكل خاص.
هنيئاً
للأساتذة وللأصدقاء تكريمهم.
وهنيئاً
للقائمين على هذه الجائزة جهدهم.
وتحية
كريمة لمؤسسها.
وشكراً
لكم.
** كلمة ألقيت في حفل توزيع
جائزة سلطان العويس الثقافية، الشارقة، 25 شباط/فبراير 1992.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire