إلى الدواعش المعاصرين
بدرالدين
عرودكي
نشهد اليوم كيف يعمل البعض في بلداننا على طمس ما كان يؤلف بعض
عقلانيتنا أو حب الحياة أو تمجيد الجمال لدى أسلافنا. ويروعنا كيف يتاح لبعض الذين
ظنوا حيازة المعرفة بالدين والدنيا أن يُقوِّلوا على شاشات الفضائيات التاريخ
والدين ما شاءت لهم أهواءهم.
يتجلى بعض هذا الجهل في تشويه صورة المرأة في التراث العربي الديني
والاجتماعي، من خلال فتاوى أو قراءات تعكس دوماً ما هو أكثر من الجهل: أوهام أو بالأحرى
استيهامات قائليها.
ينسى هؤلاء تاريخاً عريقاً يحفل بنساء كان حضورهن نفياً كلياً لكل ما يقولونه
بصددهن اليوم. من حتشبسوت المصرية، إلى زنوبيا السورية، على صعيد الحكم والسياسة، ومن
خديجة بنت خويلد إلى عائشة بنت طلحة على صعيد الثقافة والحياة.
ربما كانت الأخيرة أقلهن شهرة وإن لم تكن أقلّ جدارة عنهن. إذ كانت
كما يُروى عنها من أجمل نساء العرب وأكثرهنّ تحرراً. وكانت إلى ذلك شديدة الاعتداد
بشخصها وبجمالها وبسعة ثقافتها. وعلى أنها، أو ربما لأنها، ابنة أحد العشرة
المبشرين بالجنة، إذ أن أمها هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وخالتها عائشة، أم
المؤمنين وزوجة الرسول، لا يقبل الدواعش المعمّمون إلا أن يقال إنها من رواة
الحديث ويكذبون كل من يقول إنها كانت سيدة ناد أدبي تستقبل فيه أهل الشعر والأدب
من الرجال يتحاورون في حضرتها ومعها، أو إنها كانت لا تتورع عن الفخر بجمالها!
لكن سيرة هذه المرأة كما اجتمع عليها الرواة تقول مجتمعاً يفيض حرية وتحرراً.
حين طلبت من أمير مكة، الحرث بن خالد المخزومي، أن يؤخر الصلاة في الحَرَم
حتى تنهي طوافها استجاب لها. فعزله عبد الملك بن مروان وأنبه، فأجابه الحرث: ما أهون والله غضبه إذا رضيت، ووالله
لو لم تفرغ من طوافها إلى الليل لأخّرتُ الصلاة إلى الليل!"
في
ذلك أيضاً مثلٌ لأولي الألباب..
** نشر هذا المقال في مجلة الهلال، القاهرة، أيار/مايو 2016، الصفحة
الأخيرة.
http://www.daralhilal.com.eg/show-11289.html
http://www.daralhilal.com.eg/show-11289.html
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire