نبيل المالح، هذا السوري..
بدرالدين عرودكي
لا
يمكن لمن يلتقي نبيل المالح أن ينساه أو ألا يحاول أن يتخذه صديقاً..
التقيته
أول مرة، عام 1970، حين دعيت كصحفي إلى حضور عرض فيلم أنتجته مؤسسة السينما في
عصرها الذهبي عندما كان مديرها الأستاذ حميد مرعي، وأعني ثلاثية رجال تحت الشمس:
المخاض، الميلاد، اللقاء التي أخرجها على التوالي: محمد شاهين ومروان المؤذن
ونبيل المالح . ثم التقيته ثانية بمناسبة عرض فيلم قصير له لم تتجاوز مدته الدقيقة
الواحدة، ويحمل اسم: نابالم، أنجزه بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967: فيلم يسرد لحظة تتفجر
خلالها أبعاد الزمن الثلاثة وتقول ما لا يسع ساعات من توالي الصور أن تقوله بمثل
هذه البلاغة.
تابعت عمله صديقاً، وكذلك بحكم عملي بعدئذ في
مؤسسة السينما التي كان أخرج في إطارها عام 1972 فيلمه الروائي الكبير الفهد،
الذي شهدتُ إنجازه ثم أولَ عرض خاص له، والذي تابعت مسيرته عبر المهرجانات التي
توجته بجوائزها.. ثم رأيت بعضاً من أفلامه الأخرى، ولاسيما الكومبارس الذي
كتبه وأخرجه عام 1993 وأمكنني رؤيته بفضل شريط فيديو أهداني إياه بباريس، والتي، وهي
تتوالى، تقول الفنان الذي كان يحاول رغم كل العقبات التي واجهها السينمائيون السوريون
خلال السنوات الأربعين السابقة على الثورة أن ينجز شيئاً ذا معنى وأن يقول كلمته لا
بهدوء الواثق فحسب بل بجرأته وبشجاعته معاً.
سينمائي
حتى النخاع، دون أي شك، لكنه أيضاً فنان تشكيلي وكاتب وشاعر وسيناريست..
دمشقيٌّ
المنبت والهوى. يعكس حضوره على الدوام دماثة وجمال وروح وأريحية أبناء هذه المدينة
العريقة الأصيلين. لا يكلّ ولا يملُّ بحثاً من أجل تحقيق ما يحلم به: عشرات
المشروعات تتراكم في جعبته أو في رأسه، يحاول أن يخرجها إلى النور، وأن يحيلها
واقعاً قائماً. وربما كان عدد الأعمال السينمائية التي أنجزها على ما واجهه
ويواجهه كل سينمائي سوري يعكس هذه القدرة الخلاقة التي تفرد نبيل المالح بها بين
زملائه من السينمائيين السوريين.
ذلك
ما كان يجعله على وجه الدقة يتألم في منفاه الاختياري. لم يبق فيه له إلا دفء
الأسرة والأصدقاء. وما أشدَّ نبل هؤلاء الأصدقاء حين احتفلوا به قبل أشهر بدبي
تكريماً وتقديراً وعرفاناً لشيخ السينمائيين السوريين.
كان
نبيل المالح قد أعلمني أن ميلان كونديرا كان أحد أساتذته في معهد السينما بمدينة
براغ حين هجر دراسة الفيزياء النووية إلى دراسة السينما. سعدتُ حين أجابني كونديرا
عن سؤالي له، إذا كان يذكر تلميذاً له في هذا المعهد اسمه نبيل المالح، قائلاً:
آه.. هذا السوري..
هذا
السوري.. نعم.
* نشرت في صحيفة العرب بتاريخ 25 شباط 2016، ص. 15.
* نشرت في صحيفة العرب بتاريخ 25 شباط 2016، ص. 15.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire