samedi 6 février 2016


مفاوضات  جنيف الأخيرة أو مسرح اللامعقول

بدرالدين عرودكي



"تحت سقف الوطن". ذلك هو الشرط "المسبق" الذي كان بشار الأسد قد فرضه على أي "حوار" يمكن أن يجري بين ممثلي نظامه وبين من يعتبرهم "معارضة وطنية". جرت عدة محاولات عام 2011، داخل سوريا وفي عاصمتها، كان آخرها تلك التي ترأسها نائبه، فاروق الشرع، والتي سرعان ما رُمِيَت نتائجها في سلة المهملات.


منذ ذلك الحين كان مجرد التفكير باقتراح محاولة إضافية من أجل الحوار "العقلاني" والسياسي مع النظام الأسدي ينبئ عن جهل بنية هذا النظام. فقد كان خيار هذا الأخير بالرفض واضحاً لا يدع مجالاً لأدنى شك طالما أن مثل هذه الحوارات ستؤدي بالضرورة إلى وضع طبيعته وتاريخه وأجهزته موضع النقد والمراجعة وإعادة التنظيم. بذلك أغلق الأبواب كلها ولم يدرك ذلك بالفعل إلا من خَبِرَ هذا النظام فكراً وسلوكاً.

إذ مع من يمكن أن يتحاور نظامٌ أنكر منذ البداية وجود معارضة "وطنية" له واتهم من يعتبرون أنفسهم معارضيه بالعمالة وبتنفيذ مؤامرة ضد نظام الممانعة؟ ذلك هو أساس السياسة التي اتبعها النظام حين أُرغِمَ من قبل حلفائه على حضور مؤتمر جنيف الثاني في كانون الثاني 2014 للتفاوض مع المعارضة بناء على بيان مجموعة العمل من أجل سوريا (جنيف 1) عام 2012. فكما رفع في مواجهة شعبه السلاح الأعنف، رفع في وجه العالم أجمع كذلك شعار: مكافحة الإرهاب وطالب باعتباره البند الأول في كل "حوار" مع المعارضة وقبل الحديث عن أي فترة انتقالية نصَّ عليها مؤتمر جنيف المذكور.

لذلك، وحين استؤنف الحديث عن جنيف 3، بعد فشل جنيف 2، كان همُّ أحد رعاة المؤتمر الرئيسيين، روسيا، ضمّ إيران إلى المجموعة الدولية لدعم سوريا قبل أي اعتبار آخر يطال الموضوع الأساس الذي نظم المؤتمر من أجله.

انقضت سنتان ونيف قبل أن تتم الدعوة إلى هذا المؤتمر الثالث الذي يأتي بعد العديد من التغيرات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية. عقدت مؤتمرات عدة في فيينا أمكن خلالها دمج إيران في مجموعة العمل بعد توقيع الاتفاق النووي ورفع الفيتو الأمريكي عن مشاركتها؛ واحتلت روسيا بقواها المسلحة سوريا وبموافقة أمريكية ضمنية لم تعد تعكس التواطؤ بين البلدين بقدر ماتنبئ عن التوافق الكامل بينهما بعد أن أوشك النظام الأسدي على السقوط، وذلك من أجل إعادة التوازن لصالح هذا النظام. وعلى أنه طُلِبَ إلى المملكة العربية السعودية جمعَ المعارضة كي تؤلف وفداً جامعاً لمختلف أطيافها السياسية والعسكرية، الداخلية والخارجية، وطُلِبَ إلى المملكة الأردنية وضع قائمة بالمنظمات التي يمكن تصنيفها إرهابية، وجُمِعَ أعضاء مجلس الأمن لإصدار قرار يحدد الهدف من الاجتماع الذي سينظم تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل الاتفاق على مسار الانتقال السياسي ومدة إنجازه مع الاعتراف للمجموعة الدولية بدور في تسهيل عمل الأمم المتحدة في تحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا، فقد كان لابد للنظام الأسدي، وقد بات ينوب عنه كلٌّ من إيران وروسيا، أن يستأنف استخدام أحابيله من جديد. إذ سرعان ما اعترضت روسيا على نتائج مؤتمر الرياض بحجة ضمّه طيفاً من "الإرهابيين"، وكذلك على عدم ضمِّ الوفد المقترح كافة أطياف المعارضة السورية واستمرار رفضها "المبدئي" لوجود ممثلي جيش الإسلام وأحرار الشام ضمن من دُعي إلى مؤتمر المعارضة بالرياض وضمن الوفد المقترح إلى جنيف.

هكذا ستتمُّ الدعوة إلى المؤتمر بعد أن بات الحل السياسي في سوريا أمراً ملحّاً بالنسبة للدول الغربية ولا سيما إثر تدفق اللاجئين السوريين بعشرات الألوف على أوربا. كانت العملية الإرهابية بباريس في تشرين الثاني 2015 قد قالت الكلمة الفصل في موقف فرنسا خصوصاً وسواها من الدول الغربية عموماً التي صارت تميِّز بين تنظيم الدولة، عدوها الأول، وبين بشار الأسد الذي بدأت في الوقت نفسه محاولة إعادة تأهيله وقبول الجميع، للمرة الأولى، بدور له في المرحلة الانتقالية المنتظر إقرارها في المؤتمر المنتظر. هكذا تمَّ تمهيد الأرض تماماً أمام المؤتمرين: أمريكا التي تنادي بأولوية قتال تنظيم الدولة، وفرنسا وبقية الدول الأوربية التي ستنضم إليها، وروسيا التي أنزلت قواتها في سوريا بحجة محاربة الإرهاب الذي امتد تعريفه ليشمل كل من حمل السلاح ضد النظام الأسدي، وإيران التي قدمت خطة لا تختلف في جوهرها عن الخطة الروسية في جوهرها وخلاصتها الحفاظ على النظام الأسدي من خلال انتخابات تجرى من أجل شرعنته محلياً ودولياً؛ هكذا سيكون وجود الأسد في المرحلة الانتقالية القاسم المشترك الأعظم بينهم جميعاً.

سوى أن أطياف المعارضة السياسية والعسكرية، التي اجتمعت في الرياض واستطاعت لأول مرة الإجماع على بيان يستجيب للمطالب الأساس التي ثار الشعب السوري من أجلها ويؤلف في الوقت نفسه المرجعية السياسية للهيئة المنبثقة عن هذا المؤتمر ولوفدها الذي ستشكله، سوف تواجه في الأيام القليلة التي سبقت موعد انعقاد المؤتمر ثلاثة ضروب من الابتزاز السياسي: الأول محاولة روسيا فرض قائمة تضم من تعترف بهم من ناحيتها بوصفهم "معارضين" إلى وفد المعارضة الرسمي أو  تشكيل وفد ثان يضم هؤلاء؛ والثاني الإعلان المسبق عن طبيعة المؤتمر والنتائج المتوخاة منه: محادثات بدلاً من المفاوضات من ناحية، وحكومة تضم النظام والمعارضة معاً لإعداد دستور جديد خلال ستة أشهر والقيام بانتخابات رئاسية يحق لبشار الأسد ترشيح نفسه فيها؛ والثالث رفض ما أسمته روسيا الشروط المسبقة التي طرحتها المعارضة والتي اعتبرتها هذه الأخيرة خارج إطار المفاوضات نظراً للنص عليها في المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254.

رفضت الهيئة إضافة أي اسم  آخر إلى الوفد الذي انبثق عنها، وربطت قبولها الحضور إلى جنيف بتنفيذ مواد قرار مجلس الأمن الخاصة بفك الحصار عن المدن والقرى وفتح الطرق للمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من ناحية، والقيام بإخراج النساء والأطفال من السجون السورية ووقف القصف من قبل النظام الأسدي والقوات الروسية تمهيداً لبناء الثقة قبل بدء الاجتماعات، من ناحية ثانية. ذلك ما أدى إلى تأخير انعقاد المؤتمر أربعة أيام بعد أن قرر الوسيط الدولي اعتبار الأسماء المقترحة من قبل روسيا مستشارين له واعتبار الوفد الذي شكلته الهيئة العليا هو الوفد الرسمي الممثل للمعارضة السورية، وكذلك بعد أن تلقت الهيئة العليا من الأمانة العامة للأمم المتحدة ومن ديمستورا بما يفيد اعتبار فك الحصار ودخول المساعدات الإنسانية خارج إطار المفاوضات.

لقد عملت روسيا منذ دخول قواتها إلى سوريا نيف وأربعة أشهر على فرض واقع عسكري آخر لصالح النظام يسمح له ـ ولها بالتالي ـ بتغيير علاقات القوى على الأرض واستعادة أكبر قدر ممكن من المواقع التي فقدها النظام بما يسمح لهما فرض ما ينتظراه من الحل السياسي: أي حكومة جديدة تبقى تحت سلطة الأسد مع تطعيمها ببعض شخصيات من المعارضة وإجراء انتخابات لا تستبعد ترشيح الأسد لنفسه فيها. أي بعبارة أخرى ترحيل ما نص عليه بيان جنيف 1 والقرار الأممي 2118 حول تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، تمهد لقيام حكم ديمقراطي. ذلك كله بموافقة أمريكية ضمنية تجلت في القبول بتعديل الموقف من بشار الأسد وقبول وجوده "فترة ما" خلال المرحلة الانتقالية. وقد اضطرت روسيا تحت وطأة الضغط الأوربي وقبل أن تحقق عسكرياً ما كانت تنشده إلى الموافقة على الدعوة إلى جنيف 3 من أجل المفاوضات على حلٍّ يؤدي إلى نهاية الحرب في سوريا خلال ثمانية عشر شهراً. سوى أن عقد المؤتمر لن يفتّ في عضدهما. إذ حين أصرت الهيئة العليا للمفاوضات على ضرورة تنفيذ المادتين 12 و13 من القرار 2254 قبل الشروع في أية مفاوضات وتقديم بوادر "بناء الثقة" بوقف الحصار والقصف، كان جواب الروس والنظام الأسدي التصعيد جواً وأرضاً في ريف حلب اعتباراً من اليوم التالي لوصول وفد المعارضة إلى جنيف، بهدف محاصرة المدينة وحرمان قوات الثورة من أية إمدادات يمكن أن تصلها عبر الحدود التركية.

كان ذلك تحدّياً صعباً تواجهه الهيئة العليا للمفاوضات ودليلاً على تطلعات الروس والنظام الأسدي من ورائه: فرض الحل الذي يلغي، بقوة علاقات القوى الذي تحاول روسيا فرضه على الأرض، خمسَ سنواتٍ من القتل والتهجير والتدمير الممنهج.

لابدّ من الاعتراف بأن الهيئة العليا للمفاوضات صمدت أمام هذا التحدي مما حمل الوسيط الدولي على تعليق المفاوضات. فربما يتمكن من خلال إعادة ترتيب الأوراق ثانية بين الروس والأمريكان في ميونيخ فرض حلٍّ ما.على أن هذا الحل لن يكون على كل حال ذلك الذي تعمل من أجله كلٌّ من روسيا وإيران، أياً كانت قوة النار التي يستخدمانها في سبيل فرضه. ولن يكون الخيار في هذه الحال أمام السوريين في غياب إرادة دولية متوازنة إلا خوض حرب التحرير والتحرر من المحتلين الجدد.

* نشر هذا المقال في صحيفة القدس العربي الأسبوعية، 7/ شباط 2016، ص. 10

1.               كنعان - ستوكهولم

Posted February 7, 2016 at 8:53 AM
رغم بشاعة الهجمة الروسية الهادفة إلى قلب الأوراق ومرافقتها للغزو الإيراني الشوفيني المتعصب طائفيا للوطن السوري ومواجهة شعب يبحث عن حريته في ثورة مفتوحة النهايات لمواجهة تلك القوى والمعززة بميليشيات وعصابات طائفية تضم شذاذ الآفاق الماجورين الطائفيين تحت ادعاءات كاذبة ومفبركة تزعم حماية المراقد المقدسة المؤتمن عليها الشعب السوري منذ مئات السنيين والتي لم يمس سؤ من قبل هذا الشعب الأسطوري البطل ، أقول رغم كل ذلك وبالنتائج الغير متوقعة ، أتمنى على البندقية الوطنية السورية المسلحة ببرنامج عمل وطني ديمقراطي واضح ومتفق عليه بين كل أطياف الشعب وقواه الوطنية أن لاتسقط البندقية فقضيتهاعادلة وستنتصر

moussalim.ali
Posted February 7, 2016 at 9:31 AM
- من يعتقد أن نظام سوريا الإستبدادي مستعد و ” ناضج ” للمحادثات ، فهو مخطئ. ألم يكون نظام الأسد ، منذ الستة أشهر الأولى من الثورة السورية المباركة ، يفاوض شعبه بالرصاص والسكاكين والبراميل ؟.
والآن وقد مرّ على إنطلاق الثورة أكثر من أربعة سنوات ، وما زال النظام يقتل ويدمر
وأكثر من هذا ، استدعى مجرمي روسيا ومجرمي إيران ومجرمي حزب الله والعراق وغيرهم ، لمساعدته في قتل شعبه ، و تهجيره قصرا ، وتدمير المدن و الممتلكات ، وإطلاق حملات تضليلية من صنف GESTAPO ، بأن الثورة إرهاب ومؤامرة خارجية . الله أكبر .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire