mercredi 24 février 2016


جامعة الدول العربية أو ذرُّ الرماد في العيون!

بدرالدين عرودكي

لو لم يصرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي عن قرار بلده عدم استضافة قمة عربية كانت جامعة الدول العربية تعمل على تنظيمها في شهر نيسان القادم بالعاصمة المغربية نظراً لأن "الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية"، أكان المواطنون العرب على علم بمثل هذه القمة وبأغراضها؟ 

قد يثير هذا السؤال ابتسامة البعض، لكنها ابتسامة ترتسم على وجوه الناس جميعاً وفي بلدان العرب بلا استثناء كلما طرح اسم جامعة الدول العربية!  

فهذه المؤسسة الوحيدة التي افترض بها تمثيل ما يمكن للعرب على الصعيد الرسمي والسياسي أن يزعموه من وحدة الصف أو وحدة الهدف في غياب وحدة أو اتحاد سياسي حقيقي والتي ولدت قبل نيِّف وسبعين عاماً كأي كائن عضوي حاملة أسباب أمراضها فيها لم تتمكن من الارتقاء إلى مستوى سلطة جامعة ذات تأثير ما في حياة المواطن العربي سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو الثقافي. سوف تتفرع عنها مجالس ومنظمات سياسية كمكتب مقاطعة إسرائيل، أو اقتصادية كالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، أو القانونية كالمنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة، أو تربوية كالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أو بعض المشروعات الثقافية النادرة التي ما لبثت أن اختفت بعد انطلاقها كذلك الذي أشرف عليه طه حسين لترجمة المبدعات الكلاسيكية مثل مسرحيات راسين على سبيل المثال، لكنها جميعها حملت بذور الأمراض نفسها والمشكلات نفسها في التسيير وفي التنفيذ وفي التأثير.   

لم تستطع مؤتمرات القمة ـ وهي هيئتها العامة العليا ـ التي يقترب عددها اليوم من الأربعين (1946 ـ 2015)، العادية منها والاستثنائية، وعلى غرارها، مؤتمرات وزراء الخارجية أو الدفاع، أن تحقق شيئاً مما تصدت لبحثه وتحقيقه. ولم يبق من هذه المؤتمرات أكثر مما تداولته وسائل الإعلام عنها في أوقات انعقادها والبيانات الصادرة عنها.

ما الذي يحمل على هذا الاستنتاج الذي وهو يبدو سريعاً أو ساذجاً،  يمكن أن ينمّ على الأقل عن جهل بطبيعة المواثيق والنصوص الناظمة لآليات العمل الجماعي السياسي الرسمي العربي؟ هل هي النصوص المؤسِّسَة؟ أم هو قصور أو بالأحرى عجز من أوكل إليهم أمر إدارتها والإشراف عليها؟

لا تختلف الجامعة العربية في آليات عملها بوصفها منظمة إقليمية تضم دولاً ذات سيادة عن سواها من المنظمات التي عرفتها أوربا أو آسيا أو الأمريكتين. ولكنها ستختلف بالتأكيد عن مؤسسة كان يمكن أن تكون أكثر شبهاً بها من سواها هي السوق الأوربية المشتركة التي تزامنت فكرة إنشائها من قبل ست دول تقريبا مع ولادة الجامعة العربية لكنها لم تر النور إلا بعدها بعشر سنوات (1957) والتي تطورت بالتدريج إلى الاتحاد الأوربي الذي يضم اليوم خمسة وعشرين دولة. ففي الوقت الذي كان الغرض من إنشاء الجامعة العربية مجرد "توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها"، كان الغرض من تأسيس مجموعة الفحم والحديد الصلب، نواة السوق الأوربية المشتركة، لغاية اقتصادية محضة من شأنها أن تجعل الحرب بين فرنسا وألمانيا مستحيلة الوقوع مادياً وإن ضمت الدول الست التي سرعان ما ستنجح في إقامة السوق المشتركة الهادفة إلى تحقيق وحدة اقتصادية كاملة فيما بينها.

خلال نيف وسبعين عاماً لم تنجح جامعة الدول العربية بهيئتها العامة ومنظماتها المختلفة على أن تتجاوز قيد أنملة ميثاقها الذي وقع عليه مؤسسوها السبعة. وعلى أنها ضمت بالتدريج الدول العربية الأخرى بعد أن حققت استقلالها، إلا أنها استمرت في السير على نهجها الأول، ولم تنجح في أي مجال من مجالات التعاون الممكنة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في أن تحدّ من اختصاصات الدول الأعضاء لصالح الجامعة أو واحدة من منظماتها العديدة. لم يكن السبب بالطبع أمين عام الجامعة. فهو ليس أكثر من موظف بدرجة سفير. ومن الجدير بالذكر أنه كان يمكن له بموجب المادة الأولى من النظام الداخلي أن "ينوب عن الجامعة فيما تتخذ من إجراءات في حدود نصوص الميثاق وقرارات مجلس الجامعة"، لكنه لم يعد بعد الخلاف الذي دبَّ بين عبد الرحمن عزام، أول أمين عام للجامعة، ووزير خارجية العراق، وبعد تعديل هذه المادة، ينوب عن الجامعة بكل ما تعنيه النيابة من صلاحيات بل مجرد منفذ للقرارات الصادرة عنها. كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك أي مجال لسلطة أخرى "تقريرية" يمكن أن تمنحها الدول الأعضاء نيابة عنها لمن يشغل أعلى منصب في الجامعة، بل مجرد وظيفة تنفيذية.   

لكن الأمين العام بدا من خلال تصرفاته خلال بعض السنوات من عمر الجامعة، ولاسيما خلال ستينيات القرن الماضي، وكأنما أنيطت به سلطات لم يكن يملكها من قبل. لم تكن هذه "السلطات" الظاهرية تعبيراً عن شخصية من يشغل المنصب بقدر ما كانت بالأحرى تعبيراً عن إرادة الدولة الأكثر تأثيراً في الجامعة. وهو ما يشير إلى إشكالية الجامعة الأساس منذ نشأتها: لم تكن العقدة في ميثاق الجامعة أو في نظامها الداخلي أو في صلاحيات الأمين العام، بل في إرادة ممثلي الدول الأعضاء، رؤساء ووزراء وسفراء، الذين كانوا، ولا سيما في الخمسينيات من القرن الماضي، وهم يستجيبون إلى ضرورات العمل العربي المشترك، يعملون على ألا تمسّ هذه الضرورات حدود سيادة دولهم. لم يكن من الممكن والحالة هذه تحقيق أي خطوة في سبيل مأسسة العمل المشترك وبالتالي تطوير هذه المؤسسة الناطقة باسم العرب كي تتوصل إلى تحقيق ما أمكنها مثيلتها إنجازه في أوربا التي انتقلت من من مجرد شراكة في الفحم والصلب إلى السوق المشتركة الاقتصادية إلى الاتحاد الأوربي على الرغم من تراث حربين عالميتيْن خلال أقل من نصف قرن، وهو تراث تم تجاوزه بفضل نظرة عبقرية إلى المستقبل تجسّدت في فكرة استحالت مشروعاً فمؤسسة فمنظمة فهيئة دولية تتعالى وتتجاوز قومية الدول التي خاض بعضها الحرب ضد البعض الآخر وباتت تعمل يداً بيد من أجل مستقبل شعوبها ولحمايتهم.  

هل كان فشل الجامعة العربية وراء نزوع دول الخليج إلى إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981 ودول المغرب العربي في عام 1989 إلى تأسيس الاتحاد المغاربي؟

لقد جرى الحديث في بعض الأدبيات السياسية في ستينيات القرن الماضي عن المجاميع الأربع التي يتكون منها العالم العربي: دول الخليج، وبلاد الشام، ودول وادي النيل ودول المغرب العربي. ربما بدا إنشاء مجلس التعاون الخليجي ومحاولات إنشاء الاتحاد المغاربي كما لو كان تأكيداً لذلك. تم إنجاز المحاولة الأولى. وبنجاح. ربما لأن العقلانية التي اتسم بها منهج الدول الأوربية منذ بداية خمسينيات القرن الماضي هي التي اعتمدتها دول الخليج منهجاً عند إنشائها مجلس التعاون الخليجي في مسارها: المصلحة الاقتصادية ـ والأمنية أيضاً ـ التي توجِّه السلوك السياسي وتحدد مساره، بخلاف المنهج الذي سارت عليه الدول العربية كلها في المؤسسة التي اختارتها جامعاً لها وكأنها كانت لِذَرِّ الرماد في العيون.

يُقال ذلك اليوم، لا بمناسبة رفض المغرب استقبال القمة العربية في نيسان القادم فحسب، بل بفضله، وبمناسبة الغياب التام لجامعة الدول العربية عما يجري على أراضي دولها الأعضاء منذ خمس سنوات ..




* نشر هذا المقال في صحيفة القدس العربي ، الخميس 25 شباط 2016، ص. 23.





نبيل المالح، هذا السوري..

بدرالدين عرودكي



لا يمكن لمن يلتقي نبيل المالح أن ينساه أو ألا يحاول أن يتخذه صديقاً..

التقيته أول مرة، عام 1970، حين دعيت كصحفي إلى حضور عرض فيلم أنتجته مؤسسة السينما في عصرها الذهبي عندما كان مديرها الأستاذ حميد مرعي، وأعني ثلاثية رجال تحت الشمس: المخاض، الميلاد، اللقاء التي أخرجها على التوالي: محمد شاهين ومروان المؤذن ونبيل المالح . ثم التقيته ثانية بمناسبة عرض فيلم قصير له لم تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة، ويحمل اسم: نابالم، أنجزه بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967: فيلم يسرد لحظة تتفجر خلالها أبعاد الزمن الثلاثة وتقول ما لا يسع ساعات من توالي الصور أن تقوله بمثل هذه البلاغة.

 تابعت عمله صديقاً، وكذلك بحكم عملي بعدئذ في مؤسسة السينما التي كان أخرج في إطارها عام 1972 فيلمه الروائي الكبير الفهد، الذي شهدتُ إنجازه ثم أولَ عرض خاص له، والذي تابعت مسيرته عبر المهرجانات التي توجته بجوائزها.. ثم رأيت بعضاً من أفلامه الأخرى، ولاسيما الكومبارس الذي كتبه وأخرجه عام 1993 وأمكنني رؤيته بفضل شريط فيديو أهداني إياه بباريس، والتي، وهي تتوالى، تقول الفنان الذي كان يحاول رغم كل العقبات التي واجهها السينمائيون السوريون خلال السنوات الأربعين السابقة على الثورة أن ينجز شيئاً ذا معنى وأن يقول كلمته لا بهدوء الواثق فحسب بل بجرأته وبشجاعته معاً.

سينمائي حتى النخاع، دون أي شك، لكنه أيضاً فنان تشكيلي وكاتب وشاعر وسيناريست..

دمشقيٌّ المنبت والهوى. يعكس حضوره على الدوام دماثة وجمال وروح وأريحية أبناء هذه المدينة العريقة الأصيلين. لا يكلّ ولا يملُّ بحثاً من أجل تحقيق ما يحلم به: عشرات المشروعات تتراكم في جعبته أو في رأسه، يحاول أن يخرجها إلى النور، وأن يحيلها واقعاً قائماً. وربما كان عدد الأعمال السينمائية التي أنجزها على ما واجهه ويواجهه كل سينمائي سوري يعكس هذه القدرة الخلاقة التي تفرد نبيل المالح بها بين زملائه من السينمائيين السوريين.

ذلك ما كان يجعله على وجه الدقة يتألم في منفاه الاختياري. لم يبق فيه له إلا دفء الأسرة والأصدقاء. وما أشدَّ نبل هؤلاء الأصدقاء حين احتفلوا به قبل أشهر بدبي تكريماً وتقديراً وعرفاناً لشيخ السينمائيين السوريين.

كان نبيل المالح قد أعلمني أن ميلان كونديرا كان أحد أساتذته في معهد السينما بمدينة براغ حين هجر دراسة الفيزياء النووية إلى دراسة السينما. سعدتُ حين أجابني كونديرا عن سؤالي له، إذا كان يذكر تلميذاً له في هذا المعهد اسمه نبيل المالح، قائلاً: آه.. هذا السوري..

هذا السوري.. نعم.

* نشرت في صحيفة العرب بتاريخ 25 شباط 2016، ص. 15.

samedi 20 février 2016


تركيا وروسيا: الحرب المستحيلة؟  

بدرالدين عرودكي

في جلسته التي عقدت بناء على طلب روسيا مساء الثلاثاء 16 شباط لبحث استهداف تركيا مواقع لحزب "الاتحاد الديمقراطي" في سوريا لم يتخذ مجلس الأمن أي قرار رسمي حول الموضوع. لكن مندوب فنزويللا، رفائيل راميريز كارينو، رئيس الدورة الحالية، أعلن أمام الصحفيين بعد انتهاء الجلسة، أن "جميع أعضاء المجلس أعربوا عن القلق إزاء القصف التركي على بعض المناطق داخل سوريا"، وأن "أعضاء المجلس طالبوا تركيا بضرورة الامتثال للقانون الدولي". في حين قال أحد دبلوماسيي إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إن تصريحات رئيس المجلس "لا تعكس رؤية كافة أعضاء المجلس"، فيما نفى المندوب التركي اتخاذ مجلس الأمن "أي قرار يتعلق بتركيا والتطورات الجارية في شمال سوريا".   

كانت، في الواقع، مجرد جلسة مغلقة أريد بها كما يبدو ـ في غياب أي قرار أو بيان رسمي صدر عنها ـ تخفيف حدّة التوتر بالكلمات! فالتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأتراك والسعوديين معلنة عن تدخل بري قريب تقوم به السعودية وتركيا استثارت تصريحات مقابلة تنذر بالويل والثبور إن تحقق مثل هذا التدخل: ميدفيديف، رئيس الوزراء الروسي، الذي يعلن نذر "حرب عالمية جديدة وطويلة"، والعراق الذي يحرك حشوده الشعبية نحو الحدود السعودية، ووزارة الخارجية الروسية التي تشترط لأية عملية برية "موافقة الحكومة السورية والأمم المتحدة"، وإيران التي ترفض أي احتلال عسكري لسوريا معلنة في الوقت نفسه أنها لم ترسل إليها إلا حفنة من المستشارين (حفنة لا يقل عدد أفرادها مع ذلك حسب آخر الإحصائيات عن 1500 مستشار من ضباط الحرس الثوري الإيراني!).

ذلك أن نذر أخطار حرب شاملة تقع بين تركيا وروسيا تجلت واضحة إثر اتخاذ المؤتمرين في ميونيخ يوم الثاني عشر من الشهر الجاري قرار وقف إطلاق النار في سوريا. فالهجمات الشاملة التي قادتها روسيا بتغطية جوية كاملة سواء لقوات النظام الأسدي أو للميليشيات متعددة الجنسيات تحت القيادة الإيرانية والتي كانت تهدف في إطار الخطة الروسية إلى تحقيق تقدم على الأرض تستطيع معه أن تفرض في الاجتماع القادم بجنيف رؤيتها لطبيعة ومآل الحل السياسي المنتظر في سوريا بعد القضاء على قوى المعارضة المسلحة المتواجدة في حلب وفي ريفها عن طريق محاصرتها وقطع كل الطرق التي تصلها بتركيا والتي تسمح بتموينها فضلاً عن تسليحها. كان ذلك يعني في الوقت نفسه تحقيق عدة أهداف معاً لا تقل في نظر موسكو أهمية عن الهدف الأول: تبديد كل آمال تركيا في خلق منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، ودفع عشرات الألوف من اللاجئين السوريين من ريف حلب نحو حدودها، ودعم "وحدات الحماية الشعبية" الكردية، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، بتنسيق مع ميليشيا النظام الأسدي التي جُنِّدَت لاحتلال مواقع المعارضة السورية في ريف حلب، وذلك لحرمان تركيا من أي إمكانية للتدخل أو للتأثير في الشأن السوري السياسي أو العسكري.

لكن ذلك كان يعني بطبيعة الحال تهديداً مباشراً وخطيراً لما تعتبره أنقرة أمنها القومي. لذلك لم تتأخر في آن واحد عن إعلانها عن أنها ستحول بكل السبل دون وقوع مدينة أعزاز بين أيدي "وحدات الحماية الشعبية" الكردية من ناحية، وعن البدء بقصف هذه القوات في الأماكن التي احتلتها ولاسيما في تل رفعت من ناحية أخرى. نعلم جميعاً أن سوريا هي الرهان، وأنه إذا كانت روسيا تعتبرها مجالها الحيوي الأخير على شاطئ المتوسط الشرقي ومن ثم فهي لم تتوقف لحظة واحدة عن دعم النظام الأسدي سياسياً وعسكرياً بالتضامن والتكافل مع إيران منذ بداية الحراك الثوري في بداية عام 2011 ، فإن تركيا تعتبر أيضاً أنها هي المعنية الأولى بما يجري فيها سياسياً وأمنياً، لا لوجود حدود مشتركة تمتد على ما يقارب الألف كيلو متر فحسب، بل لأن أي صيغة يمكن أن ينتهي إليها الحل السياسي أو العسكري أو الاثنين معاً في سوريا تعنيها كذلك على الصعيدين، ولا سيما في ما يرتبط بوضع الأكراد فيها وبعلاقة هؤلاء مع الأكراد في تركيا.

يعني ذلك بطبيعة الحال أن الصراع بين البلدين سيبقى قائماً ما لم يحقق كلٌّ منهما مصالحه الخاصة دون مساس على الأقل بمصالح الطرف الآخر. لن يكون من الممكن بالطبع تحقيق ذلك نظراً لتضارب هذه المصالح فضلاً عن مطامح كل من البلدين على الصعيد الإقليمي من ناحية وإمكانات النجاح للوصول إلى غايته عن طريق المناورة التي يمتلكها كل منهما في هذا المجال. ففي حين تستطيع روسيا، بوصفها قوة كبرى، المناورة على الصعيد الدولي ندّاً لند مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا يسع تركيا إلا أن تناور على مستوى إقليمي وضمن إطار ما تسمح لها به عضويتها في حلف الناتو مع اضطرارها إلى لجم اندفاعاتها حسب ما تقتضيه المصلحة العليا لهذا الحلف كما فعلت إثر إسقاطها الطائرة الروسية.

رغم كل ما ينذر بوقوعها، لا يمكن، من حيث المبدأ إذن، للمواجهة العسكرية التقليدية المُهَدّد بها أن تتحقق بين تركيا وروسيا. يكفي للتثبت من ذلك بوضوح أن نتابع تسلسل مواقف وتحركات ومناورات كلٍّ من تركيا وروسيا منذ بداية الحراك الثوري في سوريا وقمع النظام الأسدي له بالحديد وبالنار. فحين بدأ تدفق اللاجئين على الحدود التركية بعشرات الألوف ثم بمئاتها، كان أول ما تطلعت تركيا إلى تحقيقه هو إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا. لكن روسيا التي وقفت في خط الدفاع الأول عن النظام الأسدي منذ اللحظة الأولى، والتي لم تكن لتوافق على ذلك، لم تكن بحاجة إلى أن تكون بالمرصاد للحيلولة دون تركيا وإقامة هذه المنطقة العازلة لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة، إذ تكفَّلَ حلف الناتو ومن ورائه إدارة أوباما بالحلول محل روسيا وبالقيام بتحقيق هذه المهمة. وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تنسق شيئاً فشيئاً مع الولايات المتحدة الأمريكية سياستيهما إزاء النظام الأسدي والحراك الثوري السوري وصولاً إلى ضرب من التواطؤ تبين فيما بعد أنه اتفاق شبه كامل بين البلدين على طبيعة الحل السياسي الذي نادا به وباشرا في فرض كيفيته وإجراءاته، كانت تركيا وهي تراقب ذلك بالطبع، تلقى في كل خطوة تحاول القيام بها المقاومة الناعمة أو الرفض الدبلوماسي من قبل الإدارة الأمريكية ومن قبل حلفائها معاً. ذلك أن الحفاظ على التوازن العسكري بين المعارضة المسلحة بمختلف ممثليها وبين النظام الأسدي مع ترجيح كفة هذا الأخير على الدوام للحيلولة دون سقوطه هو ما أرادته هذه الإدارة وما التقت عليه واتفقت حوله مع روسيا بوتين. ولعلَّ ما فاقم من جعل المحاولة التركية إقامة المنطقة العازلة في عداد المستحيلات إسقاط الطيران التركي طائرة السوخوي الروسية وثم تأزم العلاقات بين البلدين إثر ذلك على نحو غير مسبوق جعل الحديثَ عن مواجهة أو حرب وشيكة الوقوع بين الطرفين شبه يومي.  

هكذا، وانطلاقاً مما سبق، تبدو المقارنة التي حاولتها بعض الصحف بين قوى البلدين وحدهما على الصعيد العسكري ـ أي دون الحديث عن القوى الحليفة لكل منهما أو افتراض وجودها في أية مواجهة محتملة ـ غير واردة وإن كانت تحمل على التقرير دون تردد باستحالة وقوع أية مواجهة عسكرية تقليدية بين البلدين نظراً للتباين الواسع بين قدراتهما.

من هنا اتخذت وتتخذ الحرب بين تركيا وروسيا صيغاً أخرى متعددة سلاحهما الأول التصريحات النارية.  لكن السلاح الآخر الفعال يمكن أيضاً أن يتجلى في التضامن الذي تقوم به تركيا مع حلفاء تلتقي معهم في الأهداف كالمملكة العربية السعودية وقطر من أجل دعم المعارضة المسلحة في الداخل السوري، ومحاولة الالتفاف على روسيا من خلال خصمها المباشر، أوكرانيا، فضلاً عن دعم خصومها الذين إذ يخوضوا حربهم يخوضون أيضاً الحرب بالنيابة عنها!  تماماً كما تفعل روسيا التي تبذل كل ما بوسعها من أجل استفزاز أنقرة، ولاسيما من خلال دعمها لمن تصنفهم تركيا من الجماعات الكردية  ضمن الإرهابيين في سوريا مثل قوات الحماية الشعبية الكردية، وكذلك لمن هم في تركيا نفسها مثل حزب العمال الكردستاني. أما تركيا فتفعل هي الأخرى، من ناحيتها، كل ما بوسعها لا لاستيعاب هذا الاستفزاز فحسب بل لحماية أي خطوة تقوم بها، في مجال ما تعتبره أمنها القومي، من رد فعل عنيف يؤدي حينئذ إلى مواجهة لا قبل للطرفين على كل حال بتلافيها. على هذا النحو مثلاً تم التخفيف من حدّة الإعلان عن التدخل البري السعودي التركي في سوريا حين وضع في إطار التحالف الدولي وضمن خطته، أي ضمن الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة على أعضاء التحالف سياسة ومساراً وهدفاً. وهو ما لن يستجيب بالتأكيد للتطلعات التركية بقدر ما سيعمل على تكييفها مع الحل الأمريكي الروسي المنتظر وضعه موضع التنفيذ بإشراف روسي مباشر في مؤتمر جنيف الذي تمَّ تأجيله قبل بدء أعماله من أجل هذا التكييف بالذات والذي لا يطال تركيا هذه المرة بل يطال كذلك كما يبدو السعودية التي احتضنت مؤتمر المعارضة السورية من أجل المفاوضات حول هذا الحل على وجه الدقة.

سوى أن المناورة التي يقوم بها اللاعبون الإقليميون متضامنين قد تتفوق في تحقيق ما يصبون إليه أكثر من تلك التي يقوم بها اللاعبون الكبار من أجل فرض ما يريدونه.

لكن الطريق لا يزال طويلاً.



** نشر في الملحق الأسبوعي لصحيفة القدس العربي، الأحد 21 شباط 2016، ص. 11.


1.                  غادة الشاويش المنفى


Posted February 21, 2016 at 12:10 AM


احببت الواقعية السياسية في مقالك هذا استاذ بدر الدين ولفتك النظر الى السقف المعتمد للاشتباكات وتوصيفك الوضع بدقة ولكني اطمح الى مقالة تصف بدقة حسابات اللاعبين الاقليميين على اختلافهم من ايران الى تركيا الى السعودية وقطر طمحت الى مقالة تقترح حلا يعوض فرق القوة طمحت الى مقال يوضح كيف يفكر العقل الروسي اعمق مما هو مطروح والعقل التكي والعقل السعودي وما هي حسابات الارض والبيدر اعتقد ان المواجهة طوييلة وقد يصعب تجنبها وولكن اعتقد انها ستندلع ضمن اسقف معينة وشكرا جزيلا لمقالك الها
            

2.                                                                                                    Hicham...Denmark

Posted February 21, 2016 at 12:15 AM

سياسة الذهاب ال الهاوية التي اتبعها اردوغان في سوريا ودعم تركيا الكبير للجماعات الارهابية عل كل الصعد بدات تركيا تدفع ثمنه! تركيا استفادت اقتصاديا من الازمة السورية واصبحت بلد منتجة للنفط لانها سيطرت عل حقول النفط السورية من خلال الجماعات الداعشية المعتدلة. واستفادت من المليارات السعودية لقا دعمها وتسهيل عبور الدواعش المعتدلين القادمين من الشيشان وفرنسا والمانيا والدنمارك ومن كل دول العالم. يعني كل شي بثمنه. اسواقها انتعشت اقتصاديا بسب ازدياد الطلب عل كل ما يحتاجه الدواعش من غذا ولباس الخ. عدا عن ذلك هطلت المليارات من اوروبا عل تركيا ثمن لوجود المهجرين السوريين. باختصار الازمة السورية اصبحت الدجاجة التي تبيض ذهب لتركيا. قبل دخول الدب الروسي ال الحلبة كان اردوغان الامر الناهي في المنطقة، يدخل جيشه ال سوريا وال العراق عندما يخطر عل باله. وكان يعتقد ان الناتو وصواريخ الباتريوت سوف تقف ال جانبه. لكن صواريخ الباتريوت عادت ال بلدانها قبل وصول طيارات السوخوي ال المنطقة، لعدم احراج هذه الصواريخ مع السوخوي. اما حلف الناتو قد اعلن بسراحة لا تترك مجال لعدم الفهم انهم لن يدخلوا في حرب ضد روسيا. وامريكا طلبت من اردوغان ان يهدي اعصابه بعد تفجيرات انقرة. يعني الجميع تخلوا عنه في هذه الظروف.

اردوغان الان في موقف صعب للغاية وعليه ادراك مخاطر العناد السياسي والبحث عن حل للازمة بالطرق السياسية والحوار! ربما هذا مستحيل!


3.    خالد الجزائر

Posted February 21, 2016 at 2:47 AM

بعض العرب يعتقدون ان امريكا ستاتي بصواريخها النووية لهزيمة الروس في حال ندلعت الحرب بين الروس وتركيا ومعها السعودية. فامريكا لها حساباتها الخاصة ومعها حليفتها اسرائيل فهي لن ولن تتورط مع الروس الذين يملكون الترسانة النووية الجبارة من اجل المعارضه السوريه وعلى ما يبدوا ان السيد اردوغان قد وقع بالفخ الغربي وتورطه باسقاط الطائرة الروسيه .اردوغان يهدد بإغلاق قاعدة انجرليك الجوية في وجه الطائرات الامريكية، ويخير واشنطن بينه وبين الاكراد، مما يعكس حالة من القلق والارتباك لدى الاتراك ، فالغرب لا يفضل مثل هذه المفاضلة، واذا اجبر عليها فانه سيختار الاكراد، الم يختر اسرائيل ويفضلها على 22 دولة عربية تملك ثلثي احتياط النفط في العالم، واكثر من 400 مليون مواطن عربي؟؟؟ امريكا غير مستعدة دخول حرب مع روسيا بسبب اردوغان وتركيا. امريكا لن تعارض الحرب بين روسيا وتركيا، بل انها تتمناها، لانها تعني اضعاف عدوين، او قوتين غير صديقتين، احداها عالمية، والثانية، ما يسمى اسلامية طموحة، خرجت عن كل الخطوط الحمراء الغربية في محاولتها اعادة بعض الخلافة العثمانية التي وصلت قواتها الى قلب فيينا.فاﻻمريكان والصهاينه اﻻسرائليين يخططان للقضاء على هدين الدولتين اﻻقليميتين اي تركيا و السعودية حتى تصبح اسرائيل سيدة منطقة ااشرق اﻻوسط بدون منازع ألخلاصة، أن تركيا وبعض الاعراب يستحقون ما ينتظرهم من مفاجئات غير سارة بالتأكيد لأنهم لم يفهموا لماذا تم زرع إسرائيل وسطهم . ولا عزاء للذين إعتبروا أميركا والغرب أصدقاء لهم وطوبى للفوضى الخلاقه واتفاقية ( لافروف -كيري ) وشرق اوسط جديد

4.    سامح // الأردن

Posted February 21, 2016 at 6:57 AM
* لا اتوقع ( حرب ) بين ( تركيا وروسيا ) والهم الاول لتركيا ( الاكراد )

* والهم الاول لروسيا مصالحها في سوريا .

* عموما المشهد ما زال غامض وضبابي وكان الله في عون خلق الله ونصر فريق الحق .

حسبنا الله ونعم الوكيل

سلام




5.           مواطن عربي الاردن

Posted February 21, 2016 at 9:05 AM

المصالح هي التي تحكم

6.           Salam Adel

Posted February 21, 2016 at 10:29 AM

الحرب بين روسيا وتركيا اذا اندلعت فانها ستؤدي الى وقف الحرب في سوريا فالمشكلة السورية لن تحل من خلال السوريين بل من خلال الممولين للحرب فاذا قامت السعودية وتركيا بحرب برية فانهم سيواجهون الروس والايرانيين وفي حال خسارة احدالطرفين للحرب تعني هزيمة المعارضة او النظام السوري وبالتالي نهاية الماساة للشعب السوري الذي ابتلى بنظام قمعي وبمعارضة مملوكة لدول الجواروفاشلة

7.           R. Ali

Posted February 21, 2016 at 12:03 PM

تركيا وروسيا … الحرب القادمة!

8.           خالد حمود(الاردن)

Posted February 21, 2016 at 1:34 PM

يخطئ العربان وتركيا في حساباتهم ان اامريكا ستقوم بحرب كارثية من اجل عيونهم!

9.           محمد قطيفان / شرق المتوسط

Posted February 21, 2016 at 1:41 PM

- تركيا تدفع ثمن وقوفها مع قضايا الأمة الإسلامية في سوريا وفلسطين ومصر وغيرها
-
تركيا تدفع ثمن عدم سكوتها على مجازر النظام البعثي المجرم وحلفائه ، هذه المجازر ضد أخوة الدم الواحد والدين الواحد والتاريخ الواحد التي أنطقت الحجر والشجر ، لكنها لم تهز ضمائر ( أبطال القومية المزيفة)
-
المصلحة التركية اليوم ، هي في دعم آلاف المجاهدين بالسلاح المناسب وجعل نتائج التدخل الروسي أكثر كلفة ، وهو الخيار الأنسب

      10 . خالد الجزائر

Posted February 21, 2016 at 2:29 PM

اخ محمد قطيفان / شرق المتوسط
بعيدا عن العاطفه والمناظرات .لا يوجد احد لا يغار على دينه الاسلامي ووطنه الاسلامي ولو كان فاسقا وليس قوميا ولنبدء بالنفاط الثلاث التي ذكرتها
1-
عن اي قضايا اسلاميه تتكلم فلسطين؟؟؟ فلسطين يا اخي الكريم بيعت بابخس الاثمان من قيل بعض من يدعون الاسلام والعروبه وتركيا لم تقطع علاقاتها مع الدولة الصهيونيه وما زال العلم الصهيوني يرفرف في سماء تركيا والعلاقات التجاريه باحسن حوالها بل المحادثات جاريه بينهم والصهاينه لاعادة العلاقات الى الافضل
2-
تركيا لها اطماعها في سوريا وليس محبة بالشعب السوري هنالك المصالح وما بسمى خط الغاز الذي تم نصفه قبل ان يجف الحبر الذي كتب به الذي يمر عبر سوريا الى تركيا ثم اوروبا
3-
السلاح المناسب ؟؟ لقد قالتها امريكا للسعودية صراحة الصواريخ ارض جو هذه الصواريخ هي صواريخنا في الاساس، وعقد شرائها يحتم عليكم عدم اعطائها لاي طرف ثالث دون اخذ موافقتنا، عن اي مجاهدين تتكلم ؟؟؟ متى كان التكالب على السلطه وقتل الاخ لاخاه جهادا النصره تقاتل داعش وجبش الفتح يقاتل جيش التوحيد؟؟؟ وكلها فرق اسلاميه اليس قتل المسلم للمسلم حرام ؟؟ اليس محرم بالاسلام الفرق والاحزاب ؟؟؟ ثم اذا كانت مصلحة تركيا دعم ما تسميهم مجاهدين بالسلاح فيجوز للآخرين دعم اعداء الحكومة التركيه بالسلاح ايضا والعكس ولماذا لا نرى دعم للفلسطينيين اليسوا هم المجاهدين الحق؟؟؟…على تركيا وكل من تدخل بالازمه السوريه الدعوه الى ان يجمع الشمل بين كل السوريين ووقف القتل وليس تأجيج الحرب والمعن بالقتل

11.        محمد صلاح

Posted February 21, 2016 at 3:05 PM

مع تحياتي لك اخى محمد قطيفان
تركيا تدفع ثمن وقوفها مع قضية المسلمين فى مصر ؟
تركيا تقف مع الاخوان المسلمين فى مصر وليس مع قضية المسلمين فى مصر لان الأزهر وهو اكبر مرجعية فى العالم الإسلامى ينظر الى جماعة الاخوان على انها جماعة تستغل الاسلام فى تحقيق مكاسب سياسة
وتركيا تتحالف مع الاخوان فى مصر لتحقيق احلام اردوغان فى عودة الدولة العثمانية لتحكم الدول العربية تحت حكم السلطان اردوغان





mercredi 17 février 2016


بحثاً عن بعض أسباب القصور

بدرالدين عرودكي

نقل عن بشار الأسد أنه قال خلال لقاء له جرى خلال الشهر الثامن من عام 2011 مع وزير الخارجية التركية آنئذ، أحمد داوود أوغلو: "ست ساعات تكفيني لإشعال المنطقة كلها"، وأنه طلب من ضيفه نقلَ هذه الرسالة إلى من يهمه الأمر في الغرب!

لم يكن الأسد يتوقع والحق يقال أي تمرد في سوريا. كان شديد الاطمئنان حين صرح لصحيفة وول ستريت جورنال قبل شهر ونصف من بداية الثورة إلى أن الوضع في سوريا هادئ ومستقر. إلا أنه لم تمضِ أيام على خروج المظاهرات في درعا حتى كان النظام الأسدي يتخذ القرار باستخدام الحل الأمني وأدوات العنف كلها لمواجهة الاحتجاجات. كان أيضاً ـ كما برهنت الأحداث أخيراً ـ شديد الاطمئنان إلى طبيعة خياراته وإلى موافقة ضمنية عليها من المجتمع الدولي كان يدركها ولو اختفت وراء جعجعة تصريحات أقطاب هذا المجتمع وتهديداته بل وحتى حركات جيوشه!

قال أيضاً وفي السنة المذكورة ذاتها بأن آثار ما سماه "المؤامرة الكونية ضد سوريا " لن تنحصر داخل حدودها بل سوف تمتدّ لتزلزل بلدان المنطقة كلها.

قال ذلك كله في عام 2011. وكان مرتزقته من الصحفيين اللبنانيين خصوصاً يكررون ما كان يقوله على شاشات الفضائيات ويحاولون البرهنة على صحة هذه الأقوال من خلال اتهامهم شعباً بأكمله بات لمجرد خروجه في مظاهرات سلمية يطالب فيها بالحرية وبالكرامة معرّضاً للقصف وللقنص وللاعتقال وللتهجير وللقتل في مجازر جماعية ينفذها مرتزقة آخرون وتُتَّهم بها فيما بعد "الجماعات المسلحة" المتمرِّدة.

ليست هناك ـ على ما نعلم ـ أية إشارة صدرت في تلك السنة على الأقل عن كل من تصدَّرت أقوالهم، مِمَّن قَدَّموا أنفسهم أو قُدِّموا بوصفهم الناطقين باسم الثورة السورية، عناوين الصفحات الأولى أو شاشات الفضائيات على اختلافها، تشي بالتوقف عند دلالات هذه الأقوال أو التساؤل عن دوافعها الخفية. كانت السخرية من القول ومن القائل هي رد الفعل الوحيد الذي تردد صداه في مختلف الوسائل الإعلامية السمعية منها والبصرية.

لم يتغير خطاب رأس النظام الأسدي طوال السنوات الماضية لا في مبناه ولا في معناه. أعلن عن وجود الإرهابيين قبل أن يتواجد أي عربي غير سوري أو أجنبي ضمن المظاهرات التي عمّت الأراضي السورية. وجرى حديث بعض مرتزقته ـ أو المعجبين به ـ من الصحفيين في لبنان عن "قندهار" في حمص وعن الإرهاب في بانياس وحماه ودير الزور قبل الإعلان عن تشكيل أي واحدة من الجماعات الإسلامية التي تكاثرت كالفطر في أرجاء سوريا إثر إفراج النظام الأسدي عن كل الإسلاميين المتواجدين في سجونه. ولم تكن تصريحات أوباما حول فقدان بشار الأسد شرعيته لتفتَّ في عضده. وبدا أن الطريقة التي ينظر بها العالم إليه لا تثير لديه أي اهتمام كما ظن محرر الـ بي بي سي، جيرمي بوين! 

على أن المعجبين بالنظام الأسدي ومن كانوا يرتزقون من مديحه والدفاع عنه كانوا يردّون هذه الثقة إلى "محبة أكثرية الشعب السوري" لرئيسه، وإلاـ كما كانوا يماحكون ـ فما تفسير صمود النظام في وجه الجماعات الإرهابية كلها؟ وكيف يستطيع نظام البقاء رغم كل التهديدات التي يتلقاها من الولايات المتحدة الأمريكية ومن كبرى الدول الغربية؟ وانساق وراءهم في تكرار مثل هذا الهراء عديد من الصحفيين الغربيين في اليسار وفي أقصى اليمين، وكذلك مِمَّن يسهل على الوكالات الإعلامية والدعائية التي جندها النظام الأسدي في الغرب شراءهم. بحيث بدا الفيتو الروسي والصيني المتكرر عند كل محاولة من مجلس الأمن لإدانة النظام ومجازره كما لو أنه دفاع عن شرعية حقيقية يستند إليها النظام الأسدي ولا يمكن لضحاياه أو سواهم أن ينكروها. كان ذلك يؤكد في نظر أصدقاء النظام "شرعية" "ينكرها" عليه في العلن من أطلقوا على أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري"!

وكان لابدَّ ـ مبدئياً ـ للهجوم الكيمياوي الذي قام به النظام الأسدي ليلة 21 آب 2013 من أن يفتح عيون الجميع على السبب الأعمق وراء هذه الثقة الاستثنائية لرأس النظام بخياراته وبموقعه وبمصيره. فبعد أن استنفرت الأساطيل في البحر المتوسط وبدا أن ضرب النظام الأسدي بات قاب قوسين أو أدنى، ها هو الاتفاق الروسي الأمريكي الخفي يظهر إلى العلن فيقبل الأخير، الذي اعتبر استخدام السلاح الكيمياوي خطاً أحمر (بما يعني رخصة السماح باستخدام الأسلحة الأخرى!)، أن يقوم القاتل بتسليم سلاح جريمته كي يتم العفو عنه!

ظهر جلياً للعيان أن التواطؤ الروسي الأمريكي كان قائما ولا ينتظر سوى الفرصة كي يظهر على الملأ. وبدا أن النظام الأسدي، وهو العارف بخفايا "المجتمع الدولي" بما أنه كان في خدمته طوال خمسين عاماً، لم يكن ينطق عن هوى في نفسه أو يلقي الكلام على عواهنه، بل كان يدرك بعمق أنه لم يفقد دوره، وأن أحداً لم ولن يطلب منه التخلي عن هذا الدور أو أن يتراجع عنه، وأن عليه أن يتحمل أعباء ذلك أياً كان الثمن، فهي وظيفته، ولن يكون ما سيقوم به إلا جزءاً من موجبات هذا الدور ومن ضرورات حمايته. هكذا تماهى الكرسيّ بالدور وبالوظيفة، وبات كل شيء رخيصاً في سبيل الدفاع عن هذا الثلاثي، بما في ذلك ما رأيناه ولا نزال نراه: تهجير نصف سكان سورية، ومقتل أو جرح أو عطب أو اختفاء ما يعادل 11% من سكانها.

ألم يكن من الممكن ـ ولو على سبيل الافتراض ـ قراءة ذلك كله القراءة السياسية الواجبة منذ ضحكات بشار الأسد المجلجلة أمام النواب المصفقين ولم تكن دماء حمزة الخطيب قد جفت بعد، وفي غمرة التيار الجارف الذي حمل بن علي على الهرب ومبارك على التنحي والقذافي على الاختباء في قنوات صرف المياه؟ هل تساءل أحدٌ مِنْ كل مَنْ حمل لواء المعارضة في هذا التجمع أو ذاك عن حدود إمكانات هذا البلد العربي أو الإسلامي مهما أبدى من علامات التضامن والتعاطف؟ وهل تساءل أحد من هؤلاء عن حقيقة الموقف الأمريكي والغربي من مطالب الشعب السوري الثائر؟ ولو أنهم فعلوا وأدركوا، ما هي المواقف المعلنة التي اتخذوها والأفعال التي قاموا بها تعبيراً عما فهموه أو نتيجة له؟

كم هو عدد الدلالات والإشارات حتى لا نقول البراهين التي كانت تقول ـ وبوضوح لا يدع أي مجال للشك منذ تسليم النظام الأسدي مخزون السلاح الكيماوي بعد استخدامه في الهجوم على غوطة دمشق ـ ما نراه اليوم بأعيننا جميعاً: بقاء بشار الأسد منهكاً وضعيفاً وبموافقة الجميع، من حلفاء النظام الأسدي  إلى "أصدقاء" الشعب السوري ؟ هل كان ثمة ما يحول دون رؤيتها؟ ولو أنَّ رؤيتها تمت، ما العراقيل التي كانت تحول دون الانتقال إلى استخلاص النتائج والعمل بموجبها؟ أكان من الممكن أن نصل إلى ما وصلنا إليه لو أننا رأينا وفعلنا بناء على ما نرى؟ ولو أن أحداً من هذا الفريق أو ذاك زعم أنه رأى ذلك كله، فما الذي حمله هو وفريقه على أن ألا يتصرف بموجب ما رآه وبناء عليه؟

تلك أسئلة تأمل الحملَ على التفكير في أسباب ومآلات هذه المسافة الشاسعة القائمة بين ما تقوله مواقف القوى الإقليمية والدولية المعلنة صراحة أو الخفية وراء الخطابات والتصرفات الدبلوماسية وبين سلوك ومواقف الهيئات والشخصيات التي تصدّت لتمثيل الحراك الثوري للشعب السوري. مثلما تحاول فهم أسباب هذا القصور السياسي.



** نشر هذ المقال في صحيفة القدس العربي، الخميس 18 شباط/فبراير 2016، ص. 23.






mercredi 10 février 2016


بانتظار الهزات الارتدادية

بدرالدين عرودكي

من الواضح أن الأمل في وضع حدٍّ لسنوات الاستبداد والقمع الذي تلألأ في مثل هذا اليوم، الخميس 11 شباط/فبراير 2011، والذي أعلن فيه رئيس أكبر دولة عربية تنحّيه عن منصبه تحت ضغط الجماهير التي خرجت تطالب بسقوطه وسقوط نظامه، قد خبا. إلى أمدٍ ما على الأقل. لابد من الاعتراف بذلك دون هلع أو يأسٍ أو تردد، لاسيما وأننا نشهد الآن القاع وهو يتجسَّد في سوريا، المرتبطة بثوابت جغرافية وتاريخية مع مصر، التي باتت تحت احتلال قوة عاتية على الصعيد الدولي، روسيا، وقوة شرسة إقليمية، إيران، تحاول تحقيق أحلامها الإمبراطورية من خلال وجودها فيه، احتلال تمَّ بمعرفة وبناء على طلب رئيس نظام عائلي استحوذ على مقدرات البلد جميعها بقوة العنف والأمن وسمح لنفسه توقيع عقد مع روسيا يضع بموجبه تحت تصرفها البلد كاملاً وبطريقة لم يكن ممكناً حتى تصورها في أوج حقب الاستعمار التقليدي خلال القرن التاسع عشر.

نعلم جميعاً أن صدى هذا الحدث الذي انطلق من تونس قد تردد في أرجاء العالم العربي كلها. ونعلم جميعاً، أيضاً، أن هذا الصدى كان واحداً في كل مكان، لكن المآل سوف يتخذ أشكالاً تتمايز باختلاف البلدان التي تردد فيها. وهو اختلاف يطال بالضرورة المسار التاريخي والتكوين الاجتماعي والميراث السياسي. إذ لا تتساوى البلدان العربية في أهمية مواقعها الجغرافية ولا في ثرواتها ولا في تراثها الديمقراطي أو النقابي ولا كذلك، خصوصاً، في الكيفية التي بُنِيَ جيشها والدور الذي أنيط به منذ البداية والذي استمر على القيام به كما رُسِمَ له.

رأينا على امتداد السنوات الخمس الماضية هذه الأشكال واقعاً عياناً. ورأينا الأمل يخبو شيئاً فشيئاً. لا في واحد منها فحسب، بل في معظمها، حتى لا نقول جميعها، كي تُستثنى تونس من هذا التوصيف نظراً لأن العملية الانتقالية فيها، على ما يمكن أن يوجه لها من نقد أو اعتراض، تخطو ـ كما تُرى عن مسافة ـ بثبات في تجربة ديمقراطية حقيقية على الرغم من خضوعها يومياً لمحاولات جرّها إلى معارك جانبية تحرفها عن مسارها بشتى ضروب الابتزاز. هكذا، وكما أن لكل قاعدة استثناء، فإن تونس تؤلف في المشهد العربي المستمر منذ خمس سنوات استثناء من القاعدة التي تتجلى مشاهدها في بلدان الحراك الثوري العربي كافة وفي مقدمتها على وجه اليقين سوريا.

لابد للتساؤل الطبيعي الذي بدأت الألسنة تلهج به بعد أن خبا بريق العينين أن يتناول الآن وغداً: ماذا الآن؟ ماذا بعدُ؟

هل هو حكم بالإعدام أصدره التاريخ على تطلعات شعوب أرهقها الرزوح تحت أثقال الاستبداد والكبت والاستعباد والفساد والخيانة والحياة على هامش الحياة طوال ما لا يقل عن نصف قرن؟  هل هو القصور الذاتي لدى الشعوب الثائرة في إنتاج نخبٍ تضع الأهداف التي أعلنتها خلال أكبر حراك ثوري عرفه العالم العربي خلال قرن على طريق التحقيق مساراً وإنجازاً؟ أم هو الماضي بكل ثقل جوازاته ومحرماته وأيديولوجياته الدينية والعلمانية التي تكبل العقول والأنفس وتحول بينها وبين وضوح رؤية وصحة قراءة الحاضر واستشراف المستقبل؟ أم هي المؤامرات التي ما فتئت تحاك ضد بلدان هذه المنطقة العربية وشعوبها كي تحول دون تقدمها إلى أن تدخل، أخيراً، عصر الحداثة والديمقراطية وتتمتع بالكرامة وبالحرية؟ ولكن، ماذا، مع ذلك كله، وعلى سبيل المثال، عن ملايين البشر الذين يواجهون الموت والدمار والقتل والسجون والتعذيب والتهجير ولا يزالون يأملون بلوغ مأربهم، عاجلاً أم آجلاً، بضرب من يقين لا يمكن أن يملكه إلا من كان في قلب الفعل والحركة كما هو الأمر في سوريا؟

لعل التساؤل الأخير هو الأجدر أن يكون منطلقاً لا لكل إجابة عن التساؤلات التي سبقته فحسب، بل كذلك لاستشراف الآن والغد أيضاً. ذلك أنه لم يكن متوقعاً من الحراك الثوري الذي بدأ في الربع الأول من عام 2011 ، رغم كل الانطباعات التي استحوذت على المشاعر آنئذ، أن يحقق الأهداف المعلنة بين ليلة وضحاها ولا كذلك أن يتراجع أو أن ينهار. فجدار الخوف سقط في بلدان عالم الاستبداد والفساد ولم يعد من الممكن إعادة بنائه أياً كانت الظروف ومهما أمعن هؤلاء أو أؤلئك في سرقة الفعل الثوري الأصيل. ذلك أنه فعل تاريخي يؤلف في آن معاً منعطفاً ونهاية حقبة. وككل فعل تاريخي، لا يمكن إنجازه، على وجه التأكيد، بالسرعة المأمولة. فما رسخته السنوات الخمسون هنا وهناك في عالم الحراك الثوري العربي لا يمكن أن يتم تغييره في خمس سنوات، مثلما لا يمكن إنجاز البناء البديل، أيضاً،  خلال فترة مماثلة. هذا فضلاً عن أن المشهد لا يزال قائماً، هنا وهناك، ولم يجرؤ أحد بعدُ  على ولا يمكن لأي أحدٍ مبدئياً أن يعلن النهاية. أي نهاية المشهد القائم الآن. إذ أن خاتمة ما يمكن أن نطلق عليه من الآن فصاعداً العالم القديم، عالم الاستبداد والحكم العائلي المافيوي والجمهوريات الوراثية ـ وهذا هو المهم ـ  قد أعلنت قولاً وفعلاً منذ بدايات عام 2011 ولن يعيدها لا القصف الروسي ولا مرتزقة إيران وذراعها اللبناني في سوريا ولا تسليح إيران للحوثيين في اليمن ولا تأجيج الصراع القبلي في ليبيا ولا أي انقلاب عسكري يغريه أن يستعيد على مقام الماضي لحناً بات مكروراً. طالت تلك الخاتمة كل شيء: الحدود التي رسمت قبل قرن، والأنظمة التي جثمت على رؤوس الشعوب عشرات السنين، ومفاهيم أشباه الدول ـ الجديدة ـ التي قامت في مشرق العالم العربي ومغربه. مثلما نزعت الغطاء عن كل ما كان كامناً أو مخفياً أو موؤوداً، وأدّت كذلك إلى طرح مسائل عديدة لعل أهمها مسألة الهوية القومية لشعب حُرم بفعل المصالح الدولية والإقليمية من الاعتراف  بلغته وبثقافته وبتاريخه، دون نسيان ضرورة إعادة النظر بكل ما رسخ على مر القرون من موروثات وخرافات تتقنع بقناع الأديان والخلاص من وكلاء للسماء على الأرض قاموا بتنصيب أنفسهم ناطقين باسمها ومُؤَوِّلين لإرادتها.  

وعلى أن ذلك كله يتجسَّد عياناً ويتخذ أشكالاً مختلفة في بلدان "الربيع العربي" كافة، إلا أنه يتجلى على نحو أوسع وأشمل وأعمق في سوريا أكثر من أي بلدٍ سواها. لأن العنفَ الذي مارسه النظام الأسدي على شعبه منذ خمس سنوات وشاركه في ممارسته مَن استنفرهم من مرتزقة الدين والمال بعد أن استوردهم من أرجاء الأرض كلها لتنفيذ مآربه والإسهام في الحفاظ على بقائه، ووضع البلاد تحت القصف الأعمى للطيران الروسي، يقدمُ الحالة القصوى التي وصل إليها هذا الحراك مادام لا يزال عاجزاً، عن أن ينال من عزم شعب اختار الموت  حراً وكريماً على الحياة عبداً وذليلاً.

لا يمكن لذلك كله أن يعني شيئاً آخر غير أن الزلزال الذي هزَّ الأرض العربية بدرجات متفاوتة القوة والتأثير لن يبقى بعد كل ذلك دون هزات ارتدادية ربما تتجاوز في عنفوانها الهزات الأولى.

من الواضح أن شعوب المنطقة العربية تعيش الآن منعطفاً تاريخياً حقيقياً ـ لا بالمعنى الذي كانت أنظمة الاستبداد  تصف به إنجازاتها الخلبية ـ  بل بالمعنى الأعمق، لاسيما وأنها لن تكون شاهدة بل فاعلةً ومؤثرةً في التوجيه كما في الإنجاز.

ذلك هو المعنى المنشود. ذلك هو الأمل الآن.



*  نشر هذا المقال في صحيفة القدس العربي، الخميس 11 شباط/فبراير 2016، ص. 23.


1.           رياض السوري

Posted February 11, 2016 at 10:14 AM

يا عيني عليك يا استاذنا الكبير
ان شاء الله هزة ارتدادية تخلصنا من كل هؤلاء المرتزقة، والخونة، وأصحاب العمائم الكاذبة، والجيوب المليئة.
الشعب السوري العظيم سينتصر ولو بعد حين عليهم جميعا وعلى الطائفيين الذين باعوا هذا الوطن الغالي. نحن بلاد الحضارة والتسامح ولولا لم نكن كذلك لما صمد كل هؤلاء الطائفيين الحاقدين.

2.           Reply

خليل ابورزق

Posted February 11, 2016 at 11:44 AM

يقول الكاتب ” باتت (سوريا) تحت احتلال قوة عاتية على الصعيد الدولي، روسيا، وقوة شرسة إقليمية، إيران، تحاول تحقيق أحلامها الإمبراطورية من خلال وجودها فيه، احتلال تمَّ بمعرفة وبناء على طلب رئيس نظام عائلي استحوذ على مقدرات البلد جميعها بقوة العنف والأمن” و هذا الكلام صحيح و لكنه يغفل النصف الاخر من الحقيقة.
النصف الاخر من الحقيقة ان بقية المتصارعين على الساحة بالقوة من قوي محلية و اقليمية و عالمية همهم الاكبر هو خصومتهم مع الاسد أو ايران او روسيا و ليس خدمة اهداف الشعب السوري بالحرية و الكرامة و العدالة و التقدم. بل ان الارادة الحرة للشعب السوري هي العدو المشترك لكل القوى المتصارعة على الساحة السورية. وانه لو سقط النظام الحالي اليوم فاغلب الظن ان ما سيحل محله هو نظام استبدادي لا يقل عنه سوءا مثل العراق او “لا نظام” مثل الصومال. اما لو انتصر النظام الحالي فسيكون مثل الجزائر على احسن الاحوال.
لقد و قع الزلزال ووقعت ارتداداته و سيمضي وقت طويل حتى يعود استقرار مؤقت .اما الاستقرار الحقيقي فلن يتم الا بعد زوال اسرائيل من المنطقة ووحدتها الطبيعية و سواد مبدأ الحرية و الكرامة و حقوق الانسان و الديموقراطية

o                                 Reply

لازم

Posted February 11, 2016 at 7:20 PM

كلام الأخ خليل ابو رزق هو ملخص شديد للحقيقه التي لا تحتاج الى عبقريه لفهم مضمونها.




samedi 6 février 2016


مفاوضات  جنيف الأخيرة أو مسرح اللامعقول

بدرالدين عرودكي



"تحت سقف الوطن". ذلك هو الشرط "المسبق" الذي كان بشار الأسد قد فرضه على أي "حوار" يمكن أن يجري بين ممثلي نظامه وبين من يعتبرهم "معارضة وطنية". جرت عدة محاولات عام 2011، داخل سوريا وفي عاصمتها، كان آخرها تلك التي ترأسها نائبه، فاروق الشرع، والتي سرعان ما رُمِيَت نتائجها في سلة المهملات.


منذ ذلك الحين كان مجرد التفكير باقتراح محاولة إضافية من أجل الحوار "العقلاني" والسياسي مع النظام الأسدي ينبئ عن جهل بنية هذا النظام. فقد كان خيار هذا الأخير بالرفض واضحاً لا يدع مجالاً لأدنى شك طالما أن مثل هذه الحوارات ستؤدي بالضرورة إلى وضع طبيعته وتاريخه وأجهزته موضع النقد والمراجعة وإعادة التنظيم. بذلك أغلق الأبواب كلها ولم يدرك ذلك بالفعل إلا من خَبِرَ هذا النظام فكراً وسلوكاً.

إذ مع من يمكن أن يتحاور نظامٌ أنكر منذ البداية وجود معارضة "وطنية" له واتهم من يعتبرون أنفسهم معارضيه بالعمالة وبتنفيذ مؤامرة ضد نظام الممانعة؟ ذلك هو أساس السياسة التي اتبعها النظام حين أُرغِمَ من قبل حلفائه على حضور مؤتمر جنيف الثاني في كانون الثاني 2014 للتفاوض مع المعارضة بناء على بيان مجموعة العمل من أجل سوريا (جنيف 1) عام 2012. فكما رفع في مواجهة شعبه السلاح الأعنف، رفع في وجه العالم أجمع كذلك شعار: مكافحة الإرهاب وطالب باعتباره البند الأول في كل "حوار" مع المعارضة وقبل الحديث عن أي فترة انتقالية نصَّ عليها مؤتمر جنيف المذكور.

لذلك، وحين استؤنف الحديث عن جنيف 3، بعد فشل جنيف 2، كان همُّ أحد رعاة المؤتمر الرئيسيين، روسيا، ضمّ إيران إلى المجموعة الدولية لدعم سوريا قبل أي اعتبار آخر يطال الموضوع الأساس الذي نظم المؤتمر من أجله.

انقضت سنتان ونيف قبل أن تتم الدعوة إلى هذا المؤتمر الثالث الذي يأتي بعد العديد من التغيرات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية. عقدت مؤتمرات عدة في فيينا أمكن خلالها دمج إيران في مجموعة العمل بعد توقيع الاتفاق النووي ورفع الفيتو الأمريكي عن مشاركتها؛ واحتلت روسيا بقواها المسلحة سوريا وبموافقة أمريكية ضمنية لم تعد تعكس التواطؤ بين البلدين بقدر ماتنبئ عن التوافق الكامل بينهما بعد أن أوشك النظام الأسدي على السقوط، وذلك من أجل إعادة التوازن لصالح هذا النظام. وعلى أنه طُلِبَ إلى المملكة العربية السعودية جمعَ المعارضة كي تؤلف وفداً جامعاً لمختلف أطيافها السياسية والعسكرية، الداخلية والخارجية، وطُلِبَ إلى المملكة الأردنية وضع قائمة بالمنظمات التي يمكن تصنيفها إرهابية، وجُمِعَ أعضاء مجلس الأمن لإصدار قرار يحدد الهدف من الاجتماع الذي سينظم تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل الاتفاق على مسار الانتقال السياسي ومدة إنجازه مع الاعتراف للمجموعة الدولية بدور في تسهيل عمل الأمم المتحدة في تحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا، فقد كان لابد للنظام الأسدي، وقد بات ينوب عنه كلٌّ من إيران وروسيا، أن يستأنف استخدام أحابيله من جديد. إذ سرعان ما اعترضت روسيا على نتائج مؤتمر الرياض بحجة ضمّه طيفاً من "الإرهابيين"، وكذلك على عدم ضمِّ الوفد المقترح كافة أطياف المعارضة السورية واستمرار رفضها "المبدئي" لوجود ممثلي جيش الإسلام وأحرار الشام ضمن من دُعي إلى مؤتمر المعارضة بالرياض وضمن الوفد المقترح إلى جنيف.

هكذا ستتمُّ الدعوة إلى المؤتمر بعد أن بات الحل السياسي في سوريا أمراً ملحّاً بالنسبة للدول الغربية ولا سيما إثر تدفق اللاجئين السوريين بعشرات الألوف على أوربا. كانت العملية الإرهابية بباريس في تشرين الثاني 2015 قد قالت الكلمة الفصل في موقف فرنسا خصوصاً وسواها من الدول الغربية عموماً التي صارت تميِّز بين تنظيم الدولة، عدوها الأول، وبين بشار الأسد الذي بدأت في الوقت نفسه محاولة إعادة تأهيله وقبول الجميع، للمرة الأولى، بدور له في المرحلة الانتقالية المنتظر إقرارها في المؤتمر المنتظر. هكذا تمَّ تمهيد الأرض تماماً أمام المؤتمرين: أمريكا التي تنادي بأولوية قتال تنظيم الدولة، وفرنسا وبقية الدول الأوربية التي ستنضم إليها، وروسيا التي أنزلت قواتها في سوريا بحجة محاربة الإرهاب الذي امتد تعريفه ليشمل كل من حمل السلاح ضد النظام الأسدي، وإيران التي قدمت خطة لا تختلف في جوهرها عن الخطة الروسية في جوهرها وخلاصتها الحفاظ على النظام الأسدي من خلال انتخابات تجرى من أجل شرعنته محلياً ودولياً؛ هكذا سيكون وجود الأسد في المرحلة الانتقالية القاسم المشترك الأعظم بينهم جميعاً.

سوى أن أطياف المعارضة السياسية والعسكرية، التي اجتمعت في الرياض واستطاعت لأول مرة الإجماع على بيان يستجيب للمطالب الأساس التي ثار الشعب السوري من أجلها ويؤلف في الوقت نفسه المرجعية السياسية للهيئة المنبثقة عن هذا المؤتمر ولوفدها الذي ستشكله، سوف تواجه في الأيام القليلة التي سبقت موعد انعقاد المؤتمر ثلاثة ضروب من الابتزاز السياسي: الأول محاولة روسيا فرض قائمة تضم من تعترف بهم من ناحيتها بوصفهم "معارضين" إلى وفد المعارضة الرسمي أو  تشكيل وفد ثان يضم هؤلاء؛ والثاني الإعلان المسبق عن طبيعة المؤتمر والنتائج المتوخاة منه: محادثات بدلاً من المفاوضات من ناحية، وحكومة تضم النظام والمعارضة معاً لإعداد دستور جديد خلال ستة أشهر والقيام بانتخابات رئاسية يحق لبشار الأسد ترشيح نفسه فيها؛ والثالث رفض ما أسمته روسيا الشروط المسبقة التي طرحتها المعارضة والتي اعتبرتها هذه الأخيرة خارج إطار المفاوضات نظراً للنص عليها في المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254.

رفضت الهيئة إضافة أي اسم  آخر إلى الوفد الذي انبثق عنها، وربطت قبولها الحضور إلى جنيف بتنفيذ مواد قرار مجلس الأمن الخاصة بفك الحصار عن المدن والقرى وفتح الطرق للمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من ناحية، والقيام بإخراج النساء والأطفال من السجون السورية ووقف القصف من قبل النظام الأسدي والقوات الروسية تمهيداً لبناء الثقة قبل بدء الاجتماعات، من ناحية ثانية. ذلك ما أدى إلى تأخير انعقاد المؤتمر أربعة أيام بعد أن قرر الوسيط الدولي اعتبار الأسماء المقترحة من قبل روسيا مستشارين له واعتبار الوفد الذي شكلته الهيئة العليا هو الوفد الرسمي الممثل للمعارضة السورية، وكذلك بعد أن تلقت الهيئة العليا من الأمانة العامة للأمم المتحدة ومن ديمستورا بما يفيد اعتبار فك الحصار ودخول المساعدات الإنسانية خارج إطار المفاوضات.

لقد عملت روسيا منذ دخول قواتها إلى سوريا نيف وأربعة أشهر على فرض واقع عسكري آخر لصالح النظام يسمح له ـ ولها بالتالي ـ بتغيير علاقات القوى على الأرض واستعادة أكبر قدر ممكن من المواقع التي فقدها النظام بما يسمح لهما فرض ما ينتظراه من الحل السياسي: أي حكومة جديدة تبقى تحت سلطة الأسد مع تطعيمها ببعض شخصيات من المعارضة وإجراء انتخابات لا تستبعد ترشيح الأسد لنفسه فيها. أي بعبارة أخرى ترحيل ما نص عليه بيان جنيف 1 والقرار الأممي 2118 حول تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، تمهد لقيام حكم ديمقراطي. ذلك كله بموافقة أمريكية ضمنية تجلت في القبول بتعديل الموقف من بشار الأسد وقبول وجوده "فترة ما" خلال المرحلة الانتقالية. وقد اضطرت روسيا تحت وطأة الضغط الأوربي وقبل أن تحقق عسكرياً ما كانت تنشده إلى الموافقة على الدعوة إلى جنيف 3 من أجل المفاوضات على حلٍّ يؤدي إلى نهاية الحرب في سوريا خلال ثمانية عشر شهراً. سوى أن عقد المؤتمر لن يفتّ في عضدهما. إذ حين أصرت الهيئة العليا للمفاوضات على ضرورة تنفيذ المادتين 12 و13 من القرار 2254 قبل الشروع في أية مفاوضات وتقديم بوادر "بناء الثقة" بوقف الحصار والقصف، كان جواب الروس والنظام الأسدي التصعيد جواً وأرضاً في ريف حلب اعتباراً من اليوم التالي لوصول وفد المعارضة إلى جنيف، بهدف محاصرة المدينة وحرمان قوات الثورة من أية إمدادات يمكن أن تصلها عبر الحدود التركية.

كان ذلك تحدّياً صعباً تواجهه الهيئة العليا للمفاوضات ودليلاً على تطلعات الروس والنظام الأسدي من ورائه: فرض الحل الذي يلغي، بقوة علاقات القوى الذي تحاول روسيا فرضه على الأرض، خمسَ سنواتٍ من القتل والتهجير والتدمير الممنهج.

لابدّ من الاعتراف بأن الهيئة العليا للمفاوضات صمدت أمام هذا التحدي مما حمل الوسيط الدولي على تعليق المفاوضات. فربما يتمكن من خلال إعادة ترتيب الأوراق ثانية بين الروس والأمريكان في ميونيخ فرض حلٍّ ما.على أن هذا الحل لن يكون على كل حال ذلك الذي تعمل من أجله كلٌّ من روسيا وإيران، أياً كانت قوة النار التي يستخدمانها في سبيل فرضه. ولن يكون الخيار في هذه الحال أمام السوريين في غياب إرادة دولية متوازنة إلا خوض حرب التحرير والتحرر من المحتلين الجدد.

* نشر هذا المقال في صحيفة القدس العربي الأسبوعية، 7/ شباط 2016، ص. 10

1.               كنعان - ستوكهولم

Posted February 7, 2016 at 8:53 AM
رغم بشاعة الهجمة الروسية الهادفة إلى قلب الأوراق ومرافقتها للغزو الإيراني الشوفيني المتعصب طائفيا للوطن السوري ومواجهة شعب يبحث عن حريته في ثورة مفتوحة النهايات لمواجهة تلك القوى والمعززة بميليشيات وعصابات طائفية تضم شذاذ الآفاق الماجورين الطائفيين تحت ادعاءات كاذبة ومفبركة تزعم حماية المراقد المقدسة المؤتمن عليها الشعب السوري منذ مئات السنيين والتي لم يمس سؤ من قبل هذا الشعب الأسطوري البطل ، أقول رغم كل ذلك وبالنتائج الغير متوقعة ، أتمنى على البندقية الوطنية السورية المسلحة ببرنامج عمل وطني ديمقراطي واضح ومتفق عليه بين كل أطياف الشعب وقواه الوطنية أن لاتسقط البندقية فقضيتهاعادلة وستنتصر

moussalim.ali
Posted February 7, 2016 at 9:31 AM
- من يعتقد أن نظام سوريا الإستبدادي مستعد و ” ناضج ” للمحادثات ، فهو مخطئ. ألم يكون نظام الأسد ، منذ الستة أشهر الأولى من الثورة السورية المباركة ، يفاوض شعبه بالرصاص والسكاكين والبراميل ؟.
والآن وقد مرّ على إنطلاق الثورة أكثر من أربعة سنوات ، وما زال النظام يقتل ويدمر
وأكثر من هذا ، استدعى مجرمي روسيا ومجرمي إيران ومجرمي حزب الله والعراق وغيرهم ، لمساعدته في قتل شعبه ، و تهجيره قصرا ، وتدمير المدن و الممتلكات ، وإطلاق حملات تضليلية من صنف GESTAPO ، بأن الثورة إرهاب ومؤامرة خارجية . الله أكبر .