جيورج ماورر
وتجربة الحركة والفعل
بدرالدين عرودكي
خرج الربيع الرسام
بلوحة ألوانه إلى الشوارع
ولوَّنَ الأحجار الملساء
بالأحمر والأخضر
وترك السكة للترام
وجلس في منتص الغابة
وطلى حتى ممشى الدار
بالأخضر ثم بالأزرق
وبعد كل هذا، ذهب إلى الماء الملطع بالزهر
ورسم نفسه، تماماً كما يرى نفسه:
ضائعاً وبريئاً ومغروراً...
وأحسّ كيف بدأت شفافيته تزهر
** *** **
كنتُ أحاول أن أتخيل، وأنا أقلب بين يديَّ قصائد الشاعر
الألماني العظيم جيورج ماورر، ذلك الفتى النحيل الذي كانه قبل نصف قرن تقريباً، ربيعاً
يبحث عن ألوان السعادة في الأرض فلا يجدها إلا في السماء: يضمُّ كتاب الساعات
لراينر ماريا ريلكه إلى صدره ويرتضي لنفسه هذا المصير: المنفى في الروح بعد أن صدمته
الغربة في الأرض.
كنتُ أريدُ في الحقيقة أن أنفذ إلى عالم هذا الشاعر الذي
لم أكن أعرف عنه شيئاً قبل لقائي به، سوى أن صديقاً بدمشق نبهني قبيل السفر:
ــ حاول أن تقابل ماورر. إنه أعظم شاعر ألماني اليوم..
ولقد فعلت. وكان في برنامج الزيارة[1] الذي
أعِدَّ لنا عدة ساعات نقضيها مع ماورر في منزله بمدينة لايبزغ. ولكي لا أصافحه وأنا
أجهل كل شيء عنه حاولت الحصول على بعض أشعاره. وبادرني الصديق الدكتور عادل قره شولي،
الذي كان تلميذاً له في معهد الأدب بجامعة لايبزغ، ثم صديقاً له مقرباً، بعدد من القصائد
التي سبق له أن ترجمها عن الألمانية، وكذلك ببعض المعلومات التي تتحدث عن حياته بخطوط
عريضة. وقبل أن أقرأ عنه، قرأته:
"لسنا من خلق العالم
ولكن اللقاء معه هو ملك لنا
ولم أخلف أنا الصديقة
ولكن حبها ملك لي
طالما استحقت الحب
وحسب ميزان لهيبي
ستكشف لي الصديقة ذاتها!..."
ما هو ملك لنا!.. ذلك مقطع من القصيدة. قفظت عيناي بعد أن
أنهيته إلى مقطع آخر فجأة، كأنما اجتذبها فيه عطر غريب:
"لسوف نستبدل الحب بالعمل
وساح الشرف سيصبح حقلاً للفلاح
إن حكاية أيامنا
لا تقلّ روعة
عن جميع أساطير الأقدمين
ولكن لم يكن دون جدوى: ذلك التاريخ
ولا ضجيج المعارك المنصرمة.
فقد صرنا نحن
وهاهي ذي العصور جميعاً تمد إلينا الآن
على أطباق دموية يتصاعد منها الدخان
إمكانية الإنسان على التغلب
إن حزمة الرياح في صدورنا
تفتح دروب الحرية..."
وبجهد لا طائل من ورائه، كنتُ أحاول أن أتخيل الأبعاد التي
تقدمها الأبيات في لغتها الأصلية. يفقد الشعر معناه ما إن يترجم إلى لغة أخرى. يُجرَّدُ
من أبعاده وإيحاءاته، ويمنح، غضباً، أبعاداُ ومرامي أخرى تخص اللغة الجديدة وتنتمي
إلى تاريخها. كنتُ في ذلك أِبه بمن يبحث عن ابتسامة الجوكندا السحرية في لوحة مزيفة.
ومع ذلك، فوراء ما كنتُ أقرؤه بلغتي، شاعر يخاطبني، يخاطب الإنسانَ فيَّ. ولم يكن صعباً
أن أكتشف ذلك على كل حال. فوراء الكلمات والمسافات، يبقى الشاعر العظيم ومضاً لا تقف
دونه كل الأسوار.
** **** **
في الدور الثاني من بناء قديم يقع في حي Mencke str. بلايبزغ، يسكن جيورج
ماورر. عندما استقبلنا تعلقت عيناي بقامته الضخمة، وتذكرت: ستون عاماً. رحلة طويلة،
لا يستطيع رحالو البحار والمحيطات أن يقوموا بها بين الداخل والخارج، بين الذات والواقع،
بين السماء والأرض، وفوجئت كذلك: حيوية تتحدى وهن الأعضاء، وشباب يتجاوز شيخوخة الجسد.
وكنتُ قد طلبت إلى الصديق عادل قره شولي أن يتحدث مع ماورر
عن مقابلة أجريها معه لأقدمه إلى القارئ العربي. لكنه لم يضمن لي موافقته عن ذلك سلفاً.
غير أنه فاجأني، وقد استبد بنا الحديث معه فترة طويلة:
ــ ألا تريد أن تجري مقابلتك؟
قلت: "نعم. ولكن استغراقي في سماعه الآن، وفي قراءة
شعره أمس، أفقدني القدرة على تهيئة الأسئلة المناسبة!"
وضحك ماورر: "إنني أنا الذي لن يعرف إذا كامن بوسعه
أن يجيب عن أسئلتك!"
وفكرت: مادام حديثنا معه حتى الآن عن كل شيء إلا عنه، فلم
لا أحوِّل الحديث تحت ستار المقابلة فأجعله يتحدث عن نفسه؟
كنتُ
أعرف أنه ولد في عام 1907 في منطقة ترنسلفانيا برومانيا حيث كانت تقطن منذ العصور الوسطى
أقلية ألمانية احتفظت بتقاليدها. وأنه في التاسعة عشرة من عمره قد رحل إلى ألمانيا
التي كان يريد أن ينهل فيها من تراثه الكلاسيكي الذي أعجب به على مقاعد الدرس، وأنه
لم يستطع، هناك، أن يقيم علاقة مع الواقع الرأسمالي الذي صدمه. فعكف على ريلكه عله
يجد فيه نفسه الضائعة الحائرة. إلا أنه لم يجد فيه ملاذه النهائي. فعاش "زمن العنف"
ــ كما يسميه ــ بين نهاية الحرب العالمية الأولى ونهاية الحرب العالمية الثانية بكل
وجوده. ذلك أن تلك السنوات، بما فيها، قد نالت الجميع، حتى أؤلئك الذين حاولوا اللجوء
إلى المنفى الروحي، أو العالم الداخلي، الذي دعا إليه ريلكه.
إلا
أن رحلة البحث لم يوقفها اليأس الذي دبَّ تحت وطأة العنف في أوصال الناس جميعاً إذ
ذاك. وهكذا فإن أواخر الأربعينيات بالنسبة إلى ماورر كانت بداية حياة جديدة تختلف كلياً
عن حياته السابقة خلال أربعين عاماً: في علاقته مع نفسه ومع شعره وفي شعره.
"خرج
الربيع الرسام
بلوحة
ألوانه إلى الشوارع".
وها
هي النوافذ تفتح على العالم مرة أخرى، لتبدو الحياة بعد سنوات الظلمة والخراب واعدة
ومضيئة. وها هي الخطوات الأولى في رحلة الانسجام بينه وبين نفسه، تلك التي ما كان ممكناً
لها أن تبدأ ما لم تكن في الوقت ذاته رحلة الانسجام بينه وبين العالم والآخرين.
عن
بداية هذه الرحلة، عندما كان في العشرين من عمره، برفقة ريلكه، بدأ ماورر حديثه:
"كان
ريلكه إنقاذاً بالنسبة لي عند مجيئي إلى ألمانيا الرأسمالية التي كانت أكثر تطوراً
من رومانيا شبه الإقطاعية عام 1926 ـ 1927. كنت في العشرين من عمري ولم أكن أحب ريلكه،
غير أني وجدتُ نفسي فجأة عاجزاً عن فهم العالم المحيط بي، عاجزاً عن معرفة الكيفية
التي يمكن للإنسان أن يتصرف بها في هذا العالم. ولم أكن قد سمعت بالماركسية، سوى أنني
سمعت اسم ماركس ذات مرة في رومانيا. ولذلك فقد كان جميلاً أن أجد عند ريلكه فكرة العودة
إلى الذات لخلق عالم متجانس. وعلى الرغم من أنني كنت أتوق إلى التجانس في العالم الخارجي،
إلا أنني لم أجده في العالم الذي جئت إليه، ألمانيا الرأسمالية. مع من كان بوسعي أن
أتحدث؟ لم أجد أحداً سوى الله، عبر كتاب الساعات لريلكه. وكان الله بالنسبة
إلي هو الأنا الثانية. ولذلك فقد كنت أتفاهم معه بشكل رائع. حاولت أن أذهب إلى الغابات
لأتحدث مع الأشجار والعصافير، لكني وجدت أن هذه الأشياء أكبر مني. ولا أدري إذا كنتَ
تعرف ما قاله ريلكه ذات يوم، عندما وقف أمام شجرة مذهولاً: إن هذه الشجرة أكبر مني
بكثير! ؟".
قلتُ:
لا. ولكني قرأت قولاً مشابهاً على ما أذكر لمتصوف إسلامي، محي الدين بن عربي.
وتابع
ماورر: "المشكلة الرئيسية التي كنتُ أحس بها آنذاك كانت تتمثل في أنني لم أكن
أشعر بنفسي واقعاً حسياً تجاه هذه الأشياء.
"أما
بعد الحرب العالمية الثانية، فقد شعرت، نتيجة انهزام الفاشية، بأنه سمكن للإنسان
أن يفعل شيئاً في هذا العالم. ولذلك وصلت إلى النتيجة التالية: ألا يعتبر الإنسان
نفسه خارجاً عن الواقع، بل جزءاً من الواقع. ولذلك فإنني لم أجد نفسي في عزرا
باوند لأنه يقول كذلك في الأناشيد ما معناه: "إن النملة أقوى
مني"، إذ أنني استطعت الوقوف موقفاً نقدياً تجاه كل من عزرا باوند و ت. س.
إليوت، لأن موقفهما ذكرني بموقف ريلكه.
"ذلك
أنني كنت قد اطلعت على أعمال كارل ماركس بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وشعرت
بنفسي أنني أقوى من النملة فعلاً، قادراً، بسبب ذلك، على تبادل التأثر والتأثير
على المستوى الاجتماعي، الأمر الذي لم أكن قادراً على الشعور بإمكان تحقيقه من
قبل. لا بل إنني وجدت نفسي قادراً على متابعة حبي للكلاسيكيين بشكل حقيقي. إن جذور
كل حياة هي الفعالية أو الفعل، ويمكن التعبير عن هذا في الشعر من
الناحية الشكلية عن طريق استخدام الأفعال (التعبيريون مثلاً لا يستخدمون الأفعال،
وإنما يقتصرون على الاسم والصفة. ذلك أنهم كانوا يحلمون بشيء ما، ولكنهم لم يكونوا
يفعلون من أجل الوصول إلى هذا الشيء.) لم أكن أريد أن أكتب قصائد انطباعية
فحسب. مثلاً، إذا نظرنا إلى أعمال بيكاسو التكعيبية نرى أنها تختلف عن اللوحات
الانطباعية من حيث حيويتها وحركتها. ولقد أعجبت بهذا، ولم أكن أريد أن أنظر إلى
العالم من خلال الشبكية فقط، وإنما كنت أريد أن أدخل هذا العالم. لست متحجراً،
ولست ــ كذلك ــ ضد القصائد التي تعتمد على الشبكية. ولقد لاحظت أن الشعراء
الكلاسيكيين، منذ الإغريق، كانوا دائماً فعالين، وتنعكس هذه الفعالية على ما
يكتبونه. ففي الكوميديا الإلهية لدانتي، مثلاً نجد أن المكان هو في الحقيقة
مكان ميتافيزيقي، إلا أن دانتي يدخل هذا العالم الميتافيزيقي حتى النهاية.
ومن
جهة أخرى، فالصحة تعني الفعل. إن كل طبيب يشهد على أن الإنسان صحيح الجسم يستطيع
أن يتحرك وأن يمشي، أي يستطيع أن يكون فعالاً، وإلا فإن عليه أن يستلقي! ومن هنا،
فإنني للمرة الأولى بعد الحرب العالمية أحسست بشكل واع بقدرتي على أن أمشي وأن
أتحرك على الرغم من أنني لم أكن أستطيع المشي بشكل جيد.. هذه التجربة لم يسبق لي
أن عشتها من قبل أبداً بشكل واع كما عشتها في ذلك الوقت".
وسألته:
أي شيء في الماركسية استطاع أن يؤثر فيك أكثر من غيره وجعلك من ثمَّ تنعطف نحو هذا
الطريق الجديد؟
قال:
"لقد توصلت إلى النتيجة التي حدثتك عنها أثناء قراءتي لماركس الفيلسوف الذي
يقول إن كل شيء في تغير وحركة، وإن كل ثانية تختلف عن الثانية التي تليها. ولذلك
فقد وجدتني أختلف مع باوند الذي يقول إن الأشياء تدور وتعود. وباختصار، فلقد لاحظت
أن الماركسية تمكنت من فهم جوهر العمل. لاشك أن الإنسان كان يعمل منذ آلاف السنين.
ولكن العمل لم يكن في يوم من الأيام مركز النظرة الفلسفية والأساس فيها كما هو
اليوم في الماركسية. كان الإنسان يعمل دوماً، غير أن العمل لم يكن هو الجوهر، بل
إن هناك لوحات فرعونية تصور العمل، ومع ذلك فليست هي اللوحات الشهيرة. إن اللوحات
الشهيرة هي التي كانت تمثل الإله، أي فرعون!".
وصمت
ماورر. وكان ثمة سؤال ينبثق من لحظة الصمت التي انتهى إليها حديثه، من لحظة الحاضر
الذي يعيشه كشاعر كان يبحث عن الوسيلة المثلى لتحقيق الانسجام مع الذات ومع الآخر،
ثم استقر به المطاف في المجتمع الاشتراكي الجديد.. فماذا يفعل الشعراء الشباب في
هذا المجتمع؟
وانطلق
السؤال من ثم صوتاً مسموعاً: تجربة البحث عن الحقيقة والوصول إليها؛ هل هي تجربة
لابد منها لكل شاعر؟ وعندما يبدأ شاعر ما طريقه منطلقاً من الحقيقة التي انتهيت
إليها، ألا يشكل هذا نوعاً من الابتعاد عن الرؤية العميقة الصلبة للكون والحياة
والإنسان؟
أطرق
ماورر ثانية، ثم أجاب:
"إن
الشعراء الذين يولدون وينشأون في المجتمع الاشتراكي تقد لهم عادة خلاصة التجارب
السابقة وهم لا يعرفون في أغلب الأحيان كيف توصل من سبقهم إلى هذه النتائج وتلك
الخلاصات. وأعتقد أن الإنسان إذا توقف عند معرفة هذه النتائج وتلك الخلاصات فحسب،
فإنه لن يكون بوسعه أن يفعل شيئاً ذا قيمة. يجب على هؤلاء أن يعملوا كل يوم لمعرفة
الطريق التي سلكت للوصول إلى هذه النتائج."
ــ
ما هو الهدف الذي يناضل الشعراء الشباب الآن من أجله في ألمامنيا الديمقراطية،
أؤلئك الذين انطلقوا من الحقيقة التي توصلتَ إليها؟ هل يناضلون نضالاً مريراً ــ
كما فعلت ــ للوصول إلى حقيقة أخرى، مادامت الظروف قد تغيرت، وغيرت المهمات تبعاً
لذلك؟
قال
ماورر:
"إنني
لا أعتقد أنهم يبحثون عن حقيقة أخرى. فثمة أشياء كثيرة لا تعجبهم. هناك أشياء
جيدة، وهناك أشياء غير جيدة. ولست أعتقد بصواب الرأي القائل: هنا الجنة وهناك
الجحيم، على الرغم من انتشار هذا الرأي عندنا. لاشك أن ثمة بعض الشعراء الذين
أصيبوا ويصابون بخيبة الأمل، لأنهم يملكون تصورات أخرى مختلفة عن الحياة والمجتمع.
وفي رأيي، أن على هؤلاء الشعراء أن يراقبوا الواقع جيداً، وأن يتحدثوا بكل بساطة
عن الأشياء التي لا تعجبهم. إلا أنني أطالبهم في الوقت نفسه، أو أطلب إليهم أن
يطالبوا أنفسهم بما يطالبوا به الآخرين: أن يعملوا من أجل ما يريدونه، من أجل ما
يريدون تغييره. كثيرون هم الذين يقولون: هذا جيد، وهذا سيء.. لكن أحداً من هؤلاء لا
يفعل شيئاً، سوى الحكم، من أجل التغيير!".
ومرة
أخرى، تداعت إلى خاطري القصائد التي قرأتها له قبل ليلة.. "مقاطع من أفكار
الحب":
يسير
الحب حاملاً عصاه السحرية
فوق
لحم الأرض المشتاق
وحينما
يصل، تفتح الورود أفواهها
وعيونها
ذات الأهداب المرتعشة
ويقف
على جسر قوس قزح
وحول
فمه تقف الأسماك النهرية
فاتحة
ثغورها كما لو كانت تنتظر قطعة خبز
وترفرف
السمكة الذهبية كمروحة حمراء
ويهطل
المطر أمامه وتمتلئ الساقية
وتمسح
الصفصافات الهرمة بأغصانها ذلك التدفق
البني
وتنادي
أعشاب المنحدر بخضرتها الصارخة
كل
مافي الخفاء يظهر للعيان تحت إغراء الحب
وتحط
فكرة الكون كله على تكور النهد!
** ****
**
تجذبين
قلبي إلى كل مكان
دماغي
ينبض كالعضلة الحمراء
أوراد
هي أفكاري
والمعادلات
عطور من الغاز
اجذبيني
أبداً أعمق فأعمق
إلى
مشتل الواقع
حيث
أنام منتشياً وأموت...
** ****
**
كالنجمات
تشرق في ذواتنا
يدفع
الشوق الشوارع المتلألئة إلى المدينة
ويجعل
شعرك الوسادة أكثر تألقاً الآن
في
الغرفة الغسقية
وعندما
يستلقي أحدنا جانب الآخر برقة
يتنفس
الحسُّ كمالاً.. ويحس الكون كله
هدوء
عناقنا..
وتذكرتُ
أنه ناقدٌ إلى جانب كونه شاعراً. فهو يحمل لقب بروفسور فخري، وقد درَّسَ في معهد الأدب
بلايبزغ مادة الشعر منذ عام 1957، حيث تخرج عدد كبير من الشعراء الشباب المعروفين في
ألمانيا الديمقراطية مثل هلموت برايسلر وفرنر لندن وراينر ساره كيرش. فسألته بوصفه
ناقداً عما إذا كان يملك أن يضع شعره ضمن اتجاه الواقعية الاشتراكية وعما إذا كانت
هنالك صيغة نقدية محددة للواقعية الاشتراكية؟
قال:
"أعتقد أن شعري يتحرك باتجاه الواقعية الاشتراكية. أما فيما يتعلق بالشق الثاني
من سؤالك، فأنت تدرك ولاشك أن علم الجمال لا يمكن أن ينشأ إلا بعد أن توجد أعمال فنية
كافية. لم يكتب أرسطو كتابه الأساسي في علم الجمال في الشعر إلا بعد أن كانت
بين يديه أعمال أسخيلوس وسوفوكليس ويوريبيديس المسرحية وملحمة هوميروس الشعرية. ولقد
قامت محاولات نقدية كثيرة لوضع أسس علم جمال ماركسي. إلا أن علم الجمال لا يتكون تماماً
‘إلا بعد اكتمال مرحلة معينة. ثمة ولاشك منهج يوضح الطريق إلى علم جمال ماركسي. لقد
قرأ غوته الفيلسوف الألماني كانط وتأثر به من خلال الفكرة التالية: "إن الطبيعة
تسير حسب قوانين معينة، ولكنها حرة" ــ أي حرة ضمن هذه القوانين ــ . على الإنسان
إذن أن يأخذ مادته من الواقع ذاته، لا من القواعد الموضوعة له. إلا أن عليه أن يكون
على معرفة بالقوانين التي يسير الواقع بحسبها."
[1] زيارة وفد اتحاد الكتاب العرب بدمشق إلى ألمانيا الشرقية بين 28 تشرين ثاني/نوفمبر
و 12 كانون أول/ديسمبر 1970 والمؤلف من محمد الماغوط وزكريا تامر وبدرالدين عرودكي.
[3] مجموعته الشعرية التي تؤرخ تحرره
من موقفه المثالي الذاتي.
** نشر في مجلة المعرفة، العدد 111، أيار/مايو 1971، ص. 148 ـ 159.
** نشر في مجلة المعرفة، العدد 111، أيار/مايو 1971، ص. 148 ـ 159.