حول الهوية السورية
بدرالدين عرودكي
ردٌّ على أسئلة ياسمين مرعي
ما
تطرحينه من أسئلة يحتاج إلى أكثر من كتاب للإجابة. ومع الإيجاز المخلِّ قطعاً، سأغامر
في تقديم إجابة لن تكون وافية على وجه التأكيد لكنها ستحاول وضع بعض العلامات من
أجل إجابة أكثر نجوعاً.
ذلك
أن سؤال الهوية السورية إشكاليٌّ بامتياز، لا لأنه يطرح في الوقت نفسه مجموعة من
الأسئلة الأخرى لا تقل في إشكاليتها عنه فحسب بل لأن حلَّ إشكاليته ذاتها وتجاوزها
لا يمكن أن يتمان دون حل الإشكاليات الأخرى.
تتناول
هذه الأسئلة الانتماء الأوسع لسوريا: الانتماء العربي، والهوى الغربي الذي كان هواها على الدوام أو العناء الشرقي
الذي خضعت له تحت وطأة سنابك الغزاة (وآخرهم إيران الفارسية اليوم)، فضلاً عن ضروب
الأجناس والأعراق والأديان والمذاهب الدينية التي تجاورت ولا تزال تتجاور فيها، وكذلك
تكوينها التاريخي في ذاته وفي علاقاته مع جواره.
ثم
جاءت الثورة السورية وما واجهته وتواجهه لتطرح بقوة غير مسبوقة مسألة الهوية
السورية ولتفرض ضرورة الإجابة بلا مراوغةٍ أو تحايلٍ على التاريخ أو على الجغرافيا
أو على الثابت والمتحول في كلٍّ منهما.
تقال
سوريا على معنيين اثنيْن: فهي من ناحية أولى سوريا بلاد الشام (أي سوريا الحالية
ولبنان وفلسطين والأردن وبعض شمال العراق) ، التي عرف سكانها على الدوام بوصفهم سكان الشام (الشوام أو السوريين)،
وهي من ناحية ثانية سوريا الدولة الحديثة التي أنشئت بعد اتفاقية سايكس/بيكو خمسَ
دول تحت انتداب الفرنسيين ثم دولة واحدة قبل أن يعترف الفرنسيون باستقلالها في
حدودها المعروفة اليوم. ولم تكن سوريا بمعنييها المذكوريْن دولة مركزية أو مركز
دولة في تاريخها كله إلا خلال حقبة الأمويين التي دامت أقل من قرن، وباستثناء هذه
الحقبة، كانت سوريا دولاً تقوم من حول واحدة من الحواضر تتعايش أو تتحارب في
العصور القديمة (ماري، إيبلا، أفاميا، إلخ.)، أو ولايات تابعة لمن يحتلها من القادمين من الشرق أو من الغرب أو من الشمال أو
من الجنوب على امتداد العصور.
وطوال
السنوات التي تلت الاستقلال لم تجرؤ الأنظمة السياسية التي تعاقبت رغم اختلافها
على تقديم نفسها صراحة ممثلة لهوية سورية خصوصية، بل ربما فعلت العكس حين كانت
تنادي سياسياً بالانتماء العربي والتطلع السياسي إلى وحدة لم يكن لها سابقة ـ كما
طرحتها الأحزاب اليمينية أو القومية بما في ذلك حزب البعث ـ في تاريخ العرب كله،
لا بل إن حزب البعث أنجز إعدام هذه الهوية على محاولته تبنيها متأخراً بينما كان يمزق
الهوية العربية التي بدا لوهلة عابرة أنها قوامه وسبب وجوده.
لكن
الحدث الثوري في سورية أعاد بالضرورة طرح الهوية السورية بصورة بلغت من العنف حداً
لا يستطيع أحد اليوم إنكارها ولاسيما بما عكسته ـ رغم كل محاولات النظام تفتيت هذا
الشعور وإحالة الانتماء السوري إلى مجرد انتماء إلى طوائف دينية أو إثنية ـ من
خصائص على الأصعدة كلها: الجغرافية والسياسية والتاريخية التي بدا أن الشعب السوري في أغلبيته العظمى يعيها
شعوراً وفكراً وانتماء.
ويبدو
أن هذه الهوية صارت اليوم، على غرار الهوية الفلسطينية، القاعدة الأساس للنضال من
أجل تحرير سورية من الاحتلال الذي تعاني منه الآن. وهي على كل حال هوية ستتأكد مع
الأيام وعلى قدر النضال الذي بدأه الشعب السوري منذ أربع سنوات من أجل الحرية والكرامة والذي
لا يزال يتابعه رغم كل العقبات من أجل التحرر من الاستبداد والاحتلال والطغيان في
صوره كلها وبلا استثناء.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire