dimanche 30 novembre 2014

 
 حول كتاب سوزان طه حسين "معك" في إذاعة مونت كارلو الدولية مع عبد الإله الصالحي ـ 1 ـ :
 
 
 

عن مؤسسة الهنداوي للنشر في القاهرة تصدر قريبا طبعة جديدة، منقحة وحبلى بمقدمة جديدة وهوامش وتذييلات في غاية الأهمية لكتاب "معك" لسوزان طه حسين الذي صدرت طبعته الأولى قبل ستة وثلاثين عاما بترجمة الكاتب السوري بدر الدين عرودكي ومراجعة الناقد المصري محمود أمين العالم. ترجمة هذا الكتاب وطبعاته العديدة قصة مشوقة يرويها لنا في هذا الجزء الأول بدر الدين عرودكي على أن نستمع لبقية القصة في الحلقة المقبلة.
 




حول كتاب سوزان طه حسين "معك" في إذاعة مونت كارلو الدولية مع عبد الإله الصالحي ـ 2 ـ :
 
في هذه الحلقة من برنامج "قرأنا لكم" نواصل سرد حكاية كتاب "معك" لمؤلفته سوزان طه حسين مع مترجمه بدر الدين عرودكي الذي يحدثنا عن الإضافات الهامة التي ستحملها الطبعة الجديدة التي ستنشر قريبا عن مؤسسة الهنداوي للنشر بالقاهرة ...



 


samedi 29 novembre 2014

سعيد عقل 
حين يتعالى  الشاعر على أهوائه*
 
بدرالدين عرودكي
 
 
ربما كانت شخصية سعيد عقل أكثر شخصيات الشعراء العرب المعاصرين إشكالية.
إذ قلَّ أن استثار شاعر عربي معاصر في نفوس معاصريه هذا القدر من المشاعر وردود الفعل المتناقضة مثلما أمكن لشعره ولمواقفه أن يفعلا.
فهو يبدع "غنيتُ مكة" و "سائليني يا شآم" و "قرأت مجدك" و "يا شآم" شعراً عربياً محضاً في أجمل تجلياته، ويسمو بالعامية العربية في لبنان إلى أرهف ضروب التعبير، ويكتب ـ نثراً هذه المرة ـ بحجة الوقوف ضد الإرهاب ممجِّداً من كان يجسِّده بامتياز، مناحيم بيغن. بل وأدهى من ذلك: هو نفسه الذي غنى الحضارة والسماح وقوافل الأبطال يستقبل مفتوح الذراعين من جاء يحتل غازياً بلده ومدينته! 
ذلك وجه من وجوه هذه الإشكالية. لكن الوجه الأشد إثارة أن هذا الشاعر الذي استكانت له اللغة العربية فكانت طوع بنانه، واستخلص منها الدرر والجواهر فوسعت قصائده الأرض العربية وتناقلتها الأسماع بصوت فيروز شدواً في كل مكان من أرجاء العالم الواسع، هذا الشاعر نفسه هو من كان يريد أن تنكمش اللغة العربية لتصير لغة لبنانية، وأن ينجز القطيعة معها باستبدال حروفها!
لكنَّ القطيعة في الحقيقة كانت قائمة في الأساس بين سعيد عقل الشاعر وسعيد عقل المواطن، بين العبقرية الشعرية في أجمل تجلياتها وبين الضحالة السياسية في أشد مظاهر تهافتها، بين فضاء يتسع لما يتسع له الشعر الفريد وبين زنزانة الخوف والانكماش تعمي البصر والبصيرة.
يصعب عليكَ أن تفلت من لغته الشعرية وهي تأسرك بنسيجها وبإيقاعها. ذلك ما تركه سعيد عقل وراءه، وهو ما يمكن أن يبقى على كل حال.
لن يعبأ التاريخ بمواقفه وبتصريحاته ولن يتوقف عندها طويلاً. لكنه لن يغادر كل ما تفجرت به قريحته الشعرية.
"فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".



   
*  نشرت هذه الكلمة في صحيفة "العرب" بلندن، العدد 9753 الصادر بتاريخ 29 تشرين ثاني/نوفمبر 2014 ، إثر وفاة الشاعر يوم 28 تشرين ثاني/نوفمبر 2014.
http://www.alarab.co.uk/?id=39213
            
 










 


mardi 25 novembre 2014


 

 طبيعة ومعايير الجوائز الأدبية
 في العالم العربي
 

محمد عبد الرحيم ـ القدس العربي

1) إبداء الرأي حول الجوائز الأدبية المعروفة في العالم العربي وكذلك حول جدواها أو معانيها أو مراميها..
2) هل تعتبر الجوائز الأدبية في العالم العربي مُعبّراً حقيقياً عن العمل الأدبي، أم تخضع لمعايير أخرى، وما هي المعايير التي تنتهجها لجان الجوائز، مع مستوى الأعمال المتباين بشدة؟
 

بدرالدين عرودكي
ما هي الجوائز التي تمنح اليوم في العالم العربي؟ هناك بصورة عامة الجوائز التي تمنحها الدولة لكتابها وفنانيها وعلمائها بعد مسار حافل بالعطاء والإبداع، تتويجاً لسنوات من جهد أعطى ثماره ونال ما يستحقه من احترام الجمهور واعترافه. وهناك الجوائز التي تمنحها إما مؤسسات عامة تابعة للدولة أومؤسسات خاصة أو ذات طابع خاص أو شبه رسمية عن عمل أو مجموعة من الأعمال في مجال الإبداع الأدبي، في الرواية أو في الشعر أو في البحث، وكذلك في مجال الترجمة.
وإذا كانت الجوائز الأولى التي تمنحها الدولة لا تضيف شيئاً سوى تسجيل الاعتراف العام بصورة رسمية بمسار فني تحقق وفرض نفسه في الحياة الثقافية أو الفكرية أو الفنية وكان له جمهوره، فإن الجوائز الأخرى ـ وهي خصوصاً موضوع سؤالك كما فهمته ـ ليست بالضرورة كذلك. فهي تستهدف عموماً التعبير عن اعتراف بهذه الموهبة أو تلك في مجال الإبداع الأدبي بما يكفل ـ من حيث المبدأ فقط ـ التعريف بالكاتب روائياً كان أو شاعراً أو مسرحياً .. إلخ.
لكن المشكلات التي تطرحها هذه الجوائز الأخيرة متعددة. فهي من ناحية تقدم في أغلب الأحيان مبلغاً مجزياً من المال لمن ينالها وينتهي الأمر عند ذلك، إذ أن صداها، من ناحية ثانية، لا يزال يقتصر على جمهور المتنافسين عليها وعلى من يلوذ بهم من الصحفيين ومن الناشرين، وأنها، من ناحية ثالثة، لم تنجح حتى الآن في أن تطال جمهور القراء الواسع وهو ما يجب أن يكون الهدف الأول والأساس لأي جائزة من هذا القبيل أصلاً.
لنأخذ جائزة الجونكور على سبيل المثال التي تمنح في فرنسا منذ عام 1903، وهي ليست الجائزة الوحيدة بالطبع. قيمة هذه الجائزة النقدية التي تعطى لمن ينالها  لا تتجاوز مبلغ  10 يورو. لكن عدد النسخ التي تطبع من الرواية التي تنال الجائزة يمكن أن يصل، وغالباً ما وصل ويصل، إلى ثلاثمائة ألف نسخة. هذا يعني أولاً أن قراء العمل الفائز سيبلغ على الأقل ضعف عدد النسخ المطبوعة إن لم يكن الضعفيْن، وهو الهدف الأمثل والأهم، وثانياً  أن الجزاء المادي سيتضاعف إلى حدٍّ لا يقارن مع أي مبلغ يمنح مثلاً من قبل مختلف الجوائز العربية بفعل حقوق المؤلف على المبيعات من كتابه، وثالثاً أن هذه الشهرة التي نتجت عن أصداء منح الجائزة تفتح الطريق واسعاً أمام انتشار وتوزيع أعمال الكاتب القادمة  بما يكفل له جمهوراً واسعاً ودائماً. من السهولة بمكان والحالة هذه أن نتصور الحالة الثقافية التي تنتج عن منح الجواز خلال موسم كامل كل عام حيث تنشط دور النشر والكتابات النقدية في الصحافة وتزدهر المكتبات.. إلخ. وهذه حالة لم يعرفها العالم العربي حتى الآن رغم أن الجوائز التي تشير إليها تمنح منذ عشرات السنين الآن. ومن هنا فإني لا أرى صراحة أية أهمية لهذه الجوائز التي لا تقدم شيئاً في مجال إثراء الحياة الثقافية ولا تقوم بالتشجيع على القراءة ولا تؤدي إلى ترويج هذا المبدع أو ذاك من خلال اجتذاب أعداد جديدة من القراء..
في ضوء ما سبق، ما معنى أو، إذا شئت، ما جدوى أن نخوض في الجانب الآخر من سؤالك؟ 



* نشر ضمن تحقيق حول الجوائز الأدبية في صحيفة القدس العربي يوم 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2014،  ص.12.

http://www.alquds.co.uk/?p=255423




 

samedi 22 novembre 2014


"معك"
سوزان  طه   حسين

بدرالدين عرودكي


 

                                                                                                
                                       

ترجمتُ هذا الكتاب قبل أكثر من ستة وثلاثين سنة ونشرته للمرة الأولى دار المعارف عام 1979 ثم نشره المركز القومي للترجمة بالقاهرة عام 2009 مع مقدمة كتبتها له توضح ظروف تأليفه وترجمته. لكن الطبعة الجديدة التي ستظهر على الملأ ستختلف عن الطبعات السابقة جميعها. إذ أن الكتاب صدر باللغة الفرنسية للمرة الأولى عام 2011، أي بعد صدور ترجمته العربية بثلاث عقود ونصف. وقد تضمنت هذه الطبعة كل الأبحاث التي قام بها ناشراها الفرنسيان، زينا ويجان وبرونو رونفار، وتمثلت في هوامش وشروحات وتعريفات بأسماء المعالم وخصوصاً الأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب فضلاً عن مقدمة وتذييل شديدي الأهمية بالنسبة للقارئ الفرنسي، بل وللقارئ العربي أيضاً.. فقمت بترجمة ذلك كله كي تأتي الطبعة العربية جديدة بكل معنى الكلمة بما تضيفه من معلومات تسهم في تقدير النص الأصلي حق قدره. 

لم تكن سوزان بريسّو التي حملت منذ اقترانها به اسم طه حسين تتطلع إلى أن تكون كاتبة ولم تحاول. فقد اقتصر نشاطها الكتابي على ما كانت تكتبه لزوجها من رسائل كلما غابت عنه، وكان يمكن لنا ألا نسمع عنها أكثر مما سمعه معاصرو زوجها الأقربين لولا أنها حزمت أمرها واستجابت في آن واحد لنداء داخلي كي تكتب رسالتها الأخيرة له بعد أن رحل عن عالمنا، ولاقتراح جاك بيرك الذي كان صديقهما المشترك أن تحكي في هذه الرسالة رحلتهما معاً، على غرار الرحلة السنوية التي كانا يقومان بها كل عام من الإسكندرية حتى جبال الألب في إيطاليا ثم إلى فرنسا، كي تسرد كل ما لا يمكن لمن أحبوا طه حسين أو كرهوه، من قدّروه أو من حاولوا النيل منه، من ساروا على نهجه أو من قاوموا هذا النهج، أن يعرفوا طه حسين الزوج، والعاشق، والأب الحنون، والإنسان الذي اتحد في شخصه السلوك والعقيدة ودفع ثمن هذا الاتحاد كلما رفض النفاق أو الكذب أو الرقص على الحبال..

هكذا كتبت سوزان طه حسين كتاب "معك" تحاول وقد غاب عنها الرجل الذي ملأ عليها حياتها أن تستحضره في الغياب. كتابٌ لا هو بالرواية على امتلاكه كثيراً من عناصرها، ولا هو قصة طويلة على وجود شخصية رئيسية أساسية فيها، ولا هو رسالة حبٍّ حميمة على ما ينطوي عليه من فصول ومقاطع يسود فيها ضمير المخاطب: منها إليه أو منه إليها، ولا هو تأريخ على ما فيه من سرد لحوادث كبرى عرفتها مصر خلال حياة طه حسين، ولا هو أخيراً يوميّات على ما تضمنه من ضبط إيقاع الكتاب تارة بناء على تواريخ معينة، وتارة بناء على مواقع محدّدة.. من الممكن القول بلا مبالغة  إنّ فيه من كلّ شكل من هذه الأشكال عناصر صنعت فرادته فعلاً وجماله فعلاً وخصوصيته فعلا.

لسوف تتيح لنا في هذا الكتاب الوحيد الذي وضعته أن نقرأ فيه لا مجرد حكاية رحلة علاقة دامت حوالي ثمانية وخمسين عاماً قامت على حبٍّ لا يلغي أحدَ طرفيه لحساب الآخر حين يحترم فيه فرديته وخصوصيته واستقلاله واختلافه في مجتمع كانت لا تزال المرأة تناضل فيه من أجل الاعتراف على الأقل في حقها برفع الحجاب، بل كذلك أن نرى بعينيها وبأمّ أعيننا كيف تمكن إنسان حرمه فقدان البصر من أن يصير أكثر بصيرة من المبصرين، وكيف كان هذا الإنسان وهو لا يتوقف عن قول ما يراه الحق في أوضاع بلده السياسية والإنسانية والاجتماعية والثقافية والتربوية عن أن يستمر في الشك وفي الحيرة وفي إعادة النظر بكل ما يمكن أن يساعده على تصويب خطواته، وكيف أن عمله الدائب في التعليم وفي الكتابة وفي القراءة وفي البحث لم يحل بينه وبين أن يكون أباً يسهر على مداعبة أولاده وتربيتهم أطفالاً ثم كباراً. ذلك كله في صحبة هذه الزوجة الحبيبة والصديقة التي بات يرى بعينيها ويسكن إليها ويستمد منها القوة والعزم في كل ما يفعله.

سنرى فضلاً عن ذلك في هذا الكتاب مشاهد شديدة الأهمية من تاريخ مصر في الأرباع الثلاثة الأولى من القرن الماضي: تاريخ مصر السياسي، والاجتماعي،  وسنلتقي خلال ذلك كله بعض شخصيات هذه التاريخ ممن كانوا يصنعون الأحداث آنئذ لكننا سنكون معهم خلف الحجب أو الأقنعة التي تفرضها السياسة أو المناصب. وسنعيش، خصوصاً، لحظات المحنة التي واجهها طه حسين إثر نشر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي أملاه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 1926، والتي تمثلت في جرّه إلى المحكمة بعد مصادرة الكتاب، وحملت له الكثير من الآلام. لم يفهم طه حسين الذي اتهم آنئذ زوراً بالكفر والإلحاد ما كان يراه من "الأحكام البليدة" و"التحيز الأخرق" و"الحقد الحاسد" و"الرياء" مما عكسته الحملات الصحافية والشتائم والتهديد بالموت وخذلان الأصدقاء، ومع ذلك "احتمل كل شيء بصلابة ورأس مرفوع، وعندما أعلن ردّ الدعوى بعد ذلك بعدة شهور، لم يكن قد تراجع خطوة واحدة".  

كما سنستعيد فيه ما أنجزه طه حسين فيما وراء دراساته وأبحاثه ومعاركه الفكرية على صعيد الثقافة والتربية في مصر خصوصاً ومن أجل ولحساب مصر، وفيما وراءها الثقافة العربية عامة، في عدد من الدول الأوربية : تأسيس جامعة الإسكندرية، وتطوير التعليم الجامعي، وإنشاء معاهد البحث ومراكز الفنون في مدريد وفي روما، وأخيراً وليس آخراً إقرار مجانية التعليم في مصر حين كان وزيراً للمعارف قبيل عام 1952.

وما أكثر الأسماء التي سنشهد أصحابها يلتقون طه حسين في بلدانهم أو يحجون إلى بيته بالقاهرة كلما جاؤوا في زيارة إلى مصر. أسماء لامعة في مجالات الفكر والفنون والآداب: لويس ماسينيون وجاك بيرك ورابندرانات طاغور، جاك كوكتو وأندريه جيد، علال الفاسي وجيورجيو لابيرا، إميل برهييه وبول جريندور وإيتيامبل.. إلخ، إلخ..
وسنكون فيما وراء هذا وذاك شهوداً على قصة الحب الخارقة التي بعد أن عاشتها هذه المرأة الاستثنائية لحظة بعد لحظة ويوماً بعد يوم بأبعادها كلها تكتبها رسالة حميمية تستحضر فيها اللحظات السعيدة والحزينة، والأمكنة البهية، والأصوات الجميلة، والوجوه العزيزة حاضرة أو غائبة..
كانت سوزان طه حسين التي تطلعت إلى أن أنجز ترجمة كتابها قبل أن تلحق بحبيبها سعيدة وهي تتلقى الطبعة الأولى منه أن تتمكن عندئذ من الرحيل للقاء حبيبها بعد أن قالت له حبّها كله هي التي كانت تظن أنها لم تفعل!
 
 
** نشر هذا المقال في صحيفة "العربي الجديد" ـ ملحق الكتب، زاوية "قرأت مؤخراً"، العدد الأول، 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2014

 

 


mardi 18 novembre 2014


الكاتب السورى بدرالدين عرودكي :

الأنظمة الشمولية تتفنن في  إقصاء المثقفين  سجناً ونفياً وقتلاً

كانت ترجمة  كتاب " معك " لسوزان طه حسين لحظة جميلة واستثنائية في حياتي

لا تزال حركة الترجمة في العالم العربي تعاني من التقصير والعيوب
 

حوار ـ  نهلة النمر*

إذا كنت من عشاق عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين باعتباره كاتباً استثنائياً فى تاريخ أدبنا المعاصر، فلابد و انك قد قرأت كتاب " معك " لزوجته و رفيقة دربه السيدة سوزان طه حسين ،و أنك بحثت مثل كل من قرأ الكتاب عن اسم المترجم الذى ترجم هذا الكتاب عن الفرنسية ، و الذى استطاع ان يضيف قيمة للكتاب تضاف إلى قيمته ،  و اظنك لم تفاجأ بأن المترجم هو الكاتب و المترجم السورى الدكتور بدر الدين عرودكى ، وهوالذى أنجز ترجمات لحوالي ثلاثين كتاباً ، و أسهم في فرنسا في تأسيس مجلة "اليوم السابع" التي عمل مديراً لها  ، وعمل ما يقرب من ثلاثين عاماً في معهد العالم العربي معنياً بالتعريف بمبدعات الثقافة العربية قديمها وحديثها من خلال الندوات أو المعارض الكبرى..."كما نشر عددا من الدراسات في مجال علم الاجتماع الثقافي في عدد من البلدان العربية ولاسيما في مصر ولبنان وسورية والمغرب الأقصى . توجهنا إليه نسأله رأيه فى المشهد الثقافى فى الشرق الأوسط بعدما أقصى معظم مثقفيه ، وكان الحوار:



تعرف كثيرون من المصريين  ـ و أنا منهم ـ على الدكتور بدر الدين عرودكى من خلال ترجمته لكتاب " معك " لسوزان طه حسين و الذى تسرد فيه حياتها مع العميد ، ماذا مثلت لك ترجمة هذا الكتاب ؟

كانت ترجمة هذا الكتاب لحظة جميلة واستثنائية في حياتي فعلاً. وكان ثاني الكتب التي ترجمتها إلى العربية بعد أن قمت بإعداد وترجمة كتاب الصديق المرحوم الدكتور أنور عبد الملك الذي حمل عنوان "الفكر العربي في معركة النهضة" والذي نشرته دار الآداب عام 1975.  وكانت أيضاً هي المرة الأولى التي أترجم فيها نصاً بناء على مخطوط لم يكن قد عرف المطبعة في لغته الأصلية آنئذ. غير أن ما مثلته ترجمة هذا الكتاب لي جاءت من أن عالِمَ التاريخ الاجتماعي العربي والإسلامي والأستاذ في الكوليج دو فرانس، جاك بيرك، وكان صديقاً حميماً لطه حسين ولسوزان طه حسين، كما كان المشرف على رسالتي لنيل الدكتوراه، هو مَن اقترح على سوزان وعلى مؤنس طه حسين أن أقوم بهذه الترجمة.  

 دعنى أحاول أن أعرف أكثر عن قصة هذا الكتاب ، فطه حسين يمثل لنا الكثير، توفى طه حسين عام 1973 و أنت ذهبت إلى فرنسا عام 1972 و بالطبع لم يسعدك الحظ بلقائه ، و لكن ماذا عن لقائك بزوجته سوزان ، هل كان هناك ما عرفته عنه و لم ينشر فى الكتاب؟

صحيح. المرة الوحيدة التي رأيت فيها طه حسين وسمعته كانت حين حاضَرَ في يوم من أيام عام 1964 (إن لم تخني الذاكرة) على مدرج جامعة دمشق. كنتُ بين مستمعيه الذين امتلأت بهم القاعة الكبرى. وحين اتصل بي مؤنس طه حسين والتقيته ليحدثني في أمر ترجمة الكتاب، دعاني إلى زيارته في بيته للقاء والدته التي كانت ترغب في معرفة من سيترجم كتابها بعد أن حدثها جاك بيرك بذلك لاسيما وأنه هو من اقترح عليها أن تقوم برحلتهما السنوية التي كانت تقوم بها مع زوجها من قبل من مصر إلى فرنسا ولكن عبر كتاب تصير فيها هذه الرحلة رحلتهما في الحياة معاً. كان ذلك إثر وفاة طه حسين حين قرر جاك بيرك أن يخصص درسه الأسبوعي في الكوليج دو فرانس ولعامين دراسيين متتالييْن للحديث عن طه حسين وعن مشروعه الثقافي. ولقد قضت سوزان طه حسين سنتيْن هي الأخرى في تحرير كتابها الأول والوحيد "معكَ" الذي يعتبر من أجمل رسائل الحب التي يمكن أن تكتبها امرأة عاشقة بل أكاد أقول أجمل رسالة حب تكتبها امرأة لرجل عربي. حين دخلت منزل مؤنس طه حسين في اليوم الموعود للقائها، وكان ذلك عام 1975، وجدتني مثل طفل صغير ملآت الدهشة وجهه وعينيه مما هو فيه: في حضرة المرأة التي عاشت في قلب طه حسين وفي صحبته أكثر من نصف قرن، أراه في عينيها وهي تقول لي رغبتها في رؤية الكتاب مترجماُ ومنشوراً في حياتها ليقرأ أخيراً كلُّ من عرفها من المصريين خاصة ومن العرب عامة ما كانت تشعر به من دين تجاه هذا الرجل الاستثنائي بكل المعايير. وتضاعفت دهشتي حين قدم لي مؤنس زوجته وأعلمني أنها حفيدة أحمد شوقي.. ولكِ أن تتخيلي الشاب الذي نشأ على قراءة  العقاد وتوفيق الحكيم ـ وكنت قد قابلته قبل أشهر من ذلك التاريخ لثلاث ساعات متواصلة في بيت الصديق أنور عبد الملك ـ وحفظ قصائد شوقي عن ظهر قلب ولاسيما قصيدته الرائعة عن دمشق، يجد نفسه في حضرة عدد ممن يحملون الأسماء اللامعة في تاريخ مصر الأدبي الحديث. شعرت بالرهبة فعلاً. وحاولت أن أنقل لسوزان طه حسين رغبة سهيل إدريس، صاحب دار الآداب، في نشر كتابها. لكنها أجابت من فورها إنها تريد أن تنشر كتابها لدى الدار نفسها التي نشرت معظم كتب زوجها، أي دار المعارف. وعدتها بأنني سأنصرف إلى الترجمة كلياً بحيث أنهيها بالسرعة التي ترجوها، عالماً أنها، كما قال لي مؤنس حينئذ، ستتابع على وجه التأكيد إجراء التعديلات على المخطوط حتى يصير تحت الطبع، وهو ما حدث في الحقيقة!

* إلى أى حد تتابع المشهد الثقافى العربى ؟

لم أكف بالطبع لا عن متابعة المشهد الثقافي العربي ولا بالأحرى عن العيش ضمنه لأكثر من سبب. إذ حين غادرت دمشق إلى باريس ـ وكنت آنذاك أنوي إنجاز رسالة الدكتوراه والعودة إلى دمشق للتعليم في جامعتها ـ تابعت الكتابة سواء في الصحافة السورية أو اللبنانية حيث كنت مراسلاً ثقافيا لمجلة الآداب. وقد كنت قبل مغادرتي دمشق قد عقدت صداقات لا حصر لها مع مجموعة من خيرة الكتاب والمسرحيين والسينمائيين والفنانين التشكيليين في معظم البلاد العربية، ولم تنقطع علاقاتي بهم أو بما ينتجونه من مبدعات كلٌّ في مجاله رغم المسافات. والحقيقة أن عملي في معهد العالم العربي خلال تسعة وعشرين عاماً (من عام 1983 وحتى 2012) كان قائماً أساساً على متابعة المشهد الثقافي العربي ومتابعة نتاجات الكتاب والفنانين والتعريف بها في المعهد. كان أول ما بدأت العمل فيه في المعهد هو الإشراف على سلسلة الآداب العربية التي اتفق المعهد عام 1983مع دار النشر الفرنسية جان كلود لاتيس لترجمة ونشر مجموعة من الروايات العربية. وقد نشر في هذه السلسلة ما اقترحته من الروايات ولا سيما ثلاثية نجيب محفوظ التي كانت تترجم عندئذ لأول مرة إلى لغة أجنبية. وكانت هذه السلسلة فاتحة اهتمام دور النشر الفرنسية بالأدب الروائي العربي المعاصر. ما أكثر الندوات واللقاءات التي قمت بتنظيمها في المعهد حول النتاج الفكري والأدبي، والتي كان من أهمها لقاء الروائيين العرب والفرنسيين مثلاً في شهر مارس 1988 حول ثيمة "الإبداع الروائي اليوم" والتي شارك فيها أربعون روائياً نصفهم من العرب والنصف الآخر من الفرنسيين (وأعمال هذه الندوة منشورة في كتاب يحمل عنوانها)، وكان من ثمرات هذا اللقاء أيضاً أن رئيس تحرير مجلة الماجازين ليتيرير، وكانت ولا تزال من أهم المجلات الأدبية الفرنسية،    قد قبل أن ينشر بمناسبة هذا اللقاء عدداً خاصاً عن الأدب العربي المعاصر وطلب إليّ حينها أن أكون بمثابة رئيس تحرير زائر، وقد صدر العدد في شهر مارس 1988، وكان من بين ما حواه من مواد مقابلة مع نجيب محفوظ.. هذا فضلاً عن المعارض الكبرى أيضاً التي أشرفت عليها والتي كانت تقدم التراث الفني العربي في عصوره المختلفة وكان أول معرض كبير نظمناه معرض مصر عبر كل العصور الذي قدم للمرة الأولى في أوربا آثاراً مصرية من العصور الفرعونية وحتى العصور  الإسلامية والذي زاره أربعمائة ألف زائر..

* ما دمت تتابعه ، فما رأيك  ببوصلته و هل تتجه الاتجاه الصحيح؟

ما هو الاتجاه الصحيح وما هو الاتجاه غير الصحيح؟ من المعروف أن النتاج الثقافي يمر بمراحل تمتاز تارة بالخصوبة وتارة بالعقم. لو قارنا تاريخ المشهد الثقافي في العالم العربي لوجدنا أن المراحل التي مرّ بها في القرن العشرين لا تخرج عن هذه القاعدة. ولو كان لي أن أبدي رأياً شخصياً فيما يجري على الساحة الثقافية في مصر أو في سورية على سبيل المثال لقلت إن ضرباً من ولادة جديدة من رحم الأزمات تجري الآن أمام أعيننا. لا يزال الوقت مبكراً للحكم عليها كظاهرة، لكن الأصوات التي تعبر عن نفسها الآن في مجال الرواية على سبيل المثال تعد بمرحلة شديدة الخصوبة يملؤها جيل جديد من الشباب شبّ عن الطوق ويتقدم حثيثاً لاحتلال المكان الذي يليق به وبمبدعاته..

لا أتصور أنك تخضع لمعايير السوق فى الترجمة ، و لكن ما الذى يدفعك لترجمة كتاب دون غيره ؟

العديد من الدوافع، حسب الكتاب. ثمة كتب اقترح عليّ ترجمتها وقبلت القيام بذلك لأهميتها على الصعيد الفكري أو الأدبي. هناك بعض الكتب التي ترجمتها بمبادرة مني مباشرة. مثلاً عندما كتب الفيلسوف الفرنسي جان بودريار مقاله الشهير "روح الإرهاب" الذي حلل فيه حادث تدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك يوم 11 سبتمبر عام 2001، نشره في صحيفة اللوموند فقمت بترجمته كي يطلع عليه القراء العرب الذين لا يقرؤون الفرنسية في ثلاث دوريات عربية، أخبار الأدب بالقاهرة، والفكر العربي المعاصر ببيروت، وصحيفة القدس العربي بلندن. ثم تتالت مقالات بودريار حول تداعيات 11 سبتمبر واحتلال العراق. فقمت بترجمة هذه المقالات كلها واقترحتها على الدكتور جابر عصفور عندما كان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة ومن ثم تمَّ نشر هذه المقالات التي صدرت في كتيبات منفصلة باللغة الفرنسية في كتاب واحد ضمن المشروع القومي للترجمة، ثم أعيد نشرها في سلسلة كتاب الأسرة. الأمر نفسه حدث مع كتب ميلان كونديرا الثلاثة حول الرواية: فن الرواية، الوصايا المغدورة، الستار.. إلخ وهناك الكتب التي اقترحت علي مثل كتاب "نظام الزمان" أو كتاب "العدو الأمريكي" أو رواية جوزيه ساراماجو  "الآخر مثلي" أو رواية فرنسوا فايرجانس "ثلاثة أيام عند أمي" والتي قبلت القيام بترجمتها نظراً لأهميتها الفكرية أو التاريخية أو الأدبية.

* هل ترى أن حركة الترجمة فى الوطن العربى حركة صحيحة؟ و إن لم تكن كذلك فما الذى ينقصها من وجهة نظرك ؟

لا تزال حركة الترجمة في العالم العربي تعاني ضروباً من القصور والعيوب كثيرة. وهي ضروب يمكن تحديدها في مجالات ثلاثة: 1) غياب التنسيق في مجال الترجمة والنشر؛  ) حقوق المؤلف المنتهكة؛ 3) غياب مهنة التوزيع على مستوى العالم العربي؛ 4) الحدود المغلقة بين الدول العربية في وجه الكتاب.  5) تفاوت مستوى المترجمين؛ 6) تضارب المصطلحات في الترجمة بين بلد وآخر وبين مترجم وآخر؛

هناك غياب التنسيق بين دور النشر حول الكتب التي تترجم. إذ رغم وجود اتحاد للناشرين العرب يضم عملياً الغالبية العظمى من الناشرين في البلدان العربية، لا يزال كل ناشر يعمل منفرداً في حقل الترجمة. ما أكثر الكتب التي ترجمت عدة مرات ونشرها ناشرون مختلفون في بلدان عربية مختلفةَ دون أي تنسيق، هذا فضلاً عن أن الترجمة غالباً ماتتم عن لغة غير اللغة الأصلية التي كتب بها الكتاب!.  وهذا ما يقودنا إلى النقطة الثانية، أي  عدم احترام الناشرين العرب لحقوق المؤلف، إذ لو فعلوا لاكتشفوا مثلاً أن حقوق هذا الكتاب أو هذه الرواية قد بيعت لناشر ما ومن ثم فلا حاجة لشراء هذه الحقوق مرة أخرى ولدَفَعَهُم ذلك إلى العمل على ترجمة كتاب آخر لا تزال حقوقه متاحة للغة العربية.  سوى أن غياب مهنة التوزيع تشجع في الحقيقة على انتهاك حقوق المؤلف للتفرد بطبع الكتاب في هذا البلد أو ذاك. فما دام من شبه المستحيل (رغم معارض الكتب السنوية المنتشرة في بلدان العالم العربي كلها) توزيع الكتاب المترجم والمنشور في بلد ما خارج هذا البلد بسبب الحدود المغلقة أمام الكِتاب في البلدان العربية، فإن الناشر مضطر إلى ترجمة الكتاب ونشره دون أن يعبأ بحقوق المؤلف من ناحية ولا بما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة على الصعيد الثقافي. وأخيراً هناك بالطبع تفاوت مستوى الترجمة والمترجمين. لنقل إن هذه المشكلة ليست وقفاً على الترجمة إلى العربية. فهي موجودة في كل اللغات، ولقد كان كونديرا أفضل من فضح هذا القصور حين قرأ ترجمة رواياته إلى الفرنسية واكتشف الأخطاء الخطيرة التي شوهتها. لكن هذا لا يعني عدم ضرورة معالجة هذا الأمر الذي سارعت دور النشر الفرنسية والسلطات الثقافية الفرنسية مثلاً إلى تداركه. لكن كيف يمكن للعرب أن يتداركوا مثل هذا القصور وكلٌّ منهم هو في واد؟ هناك أخيراً مشكلة المصطلحات في الترجمة. وهي مشكلة حقيقة وشديدة الخطورة ولا سيما في ترجمة كتب العلوم الاجتماعية والإنسانية. ومن المؤسف أن أياً من المؤسسات اللغوية العربية لا يقوم بما يجب القيام به في هذا المجال، أي توحيد المصطلحات واعتمادها رسمياً وإلزام المترجمين باتباعها. إذ حتى القواميس تتباين في اعتمادها هذا المصطلح أو ذاك وتسهم بالتالي في المزيد من البلبلة والتشويش.

كل هذا، وعلى الرغم من هذا، لا يزال عدد الكتب التي تترجم من لغات العالم إلى اللغة العربية في مجمل العالم العربي أقل من عدد الكتب التي تترجم إلى العبرية في إسرائيل على سبيل المثال. ذلك أبسط إحصاء يمكن أن يضرب به المثل لبيان خطورة وضع الترجمة في بلادنا العربية رغم الجهود الهامة التي تبذل في مصر من خلال المركز القومي للترجمة بالقاهرة مثلاً..
 
 

* أي من الأسماء العربية بشكل عام و المصرية بشكل خاص تبحث عنها لتقرأها؟

الأسماء كثيرة والحق يقال سواء في مصر أو في سواها من البلدان العربية. ولقد سعدت خلال السنة الأخيرة باكتشاف أسماء جديدة وأعمال هامة سوف تكرس أصحابها كثيراً في مصاف كبار الكتاب لا على مستوى العالم العربي بل على المستوى العالمي.

* هل لديك نية لحضور أى فعاليات ثقافية مصرية فى الفترة القادمة؟

شاركت في السنوات الماضية في كثير من الفعاليات الثقافية بالقاهرة من مؤتمرات وندوات سواء في إطار معرض الكتاب بالقاهرة أو في مؤتمرات كان يقيمها المجلس الأعلى للثقافة أو المركز القومي للترجمة. . وسيسعدني بكل تأكيد أن أستمر بالمشاركة كلما سنحت الفرصة لذلك.

* دعنى أسألك بداية إلى أى مدى يصل بك الحنين إلى سوريا ؟

** سأجانب الحقيقة إن قلت لكِ إني أشعر بحنين مرضيّ إلى سورية، أو أنني شعرت يوما ما بحنين قوي أو ضعيف إليها. لسبب بسيط: وهو أنني لم أشعرني بعيداً عن سورية على الإطلاق رغم المسافة الجغرافية التي تفصلني مادّياً عنها. وأظن أن مسألة الحنين هذه ذات علاقة بالتكوين الثقافي.

* إلى أي حد تستطيع الأنظمة الشمولية إقصاء المثقفين ؟

إلى الحدِّ الأقصى في الحقيقة! إذ يتمّ هذا الإقصاء في الأنظمة الشمولية بطرق مختلفة: إما دفعهم إلى المنفى، أو سجنهم، أو قتلهم، أو تطويعهم حتى يصيروا عملياً ناطقين باسمها أو لصالحها، ومادام من المستحيل على أيّ نظام سياسي مهما بلغت مثاليته أن يفلت من النقد في هذا المجال أو ذاك،  فلابدَّ للمثقف من أن يتخذ باستمرار موقفاً نقدياً صارماً حتى لتكاد الصفة النقدية تؤلف قوام المثقف نفسه. وبما أن الأنظمة الشمولية ترفض النقد من الأساس، فهي تراهن باستمرار على نجاح قدرتها في إخماد أصواتهم بالقوة المادية أو بالإغراءات التي لا يقع ضحيتها غير المثقفين المزيفين وهم لاوزن لهم أساساً.  أما المثقفون الذين يقفون صراحة إلى جانب السلطة ويتبنون كل ما تقوم به فهم يخونون بالطبع مهمة المثقف الأولى النقدية ويفقدون كل مصداقية في ما يكتبون أو في ما يقولون.

* فى بداية ثورات الربيع العربى ، قال الكاتب الفرنسى جان بيير فيليو إن ما حدث فى الشرق الأوسط هو ثورة من أجل الديمقراطيات، و وقتها اتفق معه الدكتور بدر الدين عرودكى ، هل بعد مرور أربع سنوات على هذه الثورات و ما آل إليه الحال فى بعضها وخاصة سورية ما زلت تتفق مع فيليو فى رأيه ؟

وما الذي يمكن أن يدعوني إلى تغيير رأيي؟ قامت الثورات العربية من أجل الحرية والكرامة وهما أمران لا يمكن أن تضمنهما إلا دساتير الدول التي تتبنى الديمقراطية نظاماً لها. ولا يمكن لما آلت اليه الأمور الحالية في سورية أن يسمح بالتفكير في غير ذلك. فقد حاول النظام السوري (بعد أن اعتبر منذ البداية أن الثورة الشعبية ليست إلا مؤامرة كونية يقوم بها إرهابيون ضدّه)، أن يقتل الثورة في مهدها بالعنف والبربرية غير المحدوديْن، مستخدماً كل الوسائل ـ الميكيافيلية حقاً و بلا استثناء ـ التي تسمح له بتظهير مزاعمه بما لا يمكن أن يتصوره أكبر عقل مجرم في عالمنا كي يصدق العالم أنه نظام علماني، وأنه يحمي الأقليات، وأنه يحارب الإرهاب.. كان يقتل ويتهم الثوار بالقتل، ويُغيِّب الناس في السجون ويزعم أن "الجماعات المسلحة" هي التي خطفتهم أو قتلتهم.. أكثر من مائتي ألف قتيل، وضِعفهم من الجرحى والمعاقين، وملايين السوريين المشردين خارج البلاد وداخلها، ونصف المدن السورية التي دمرت بالبراميل التي تقذفها الطائرات ، وفي الوقت نفسه يطالب باعتماده وكيلاً للقوى الكبرى لمكافحة الإرهاب...

نشر هذا الحوار في صحيفة الوفد، العدد 8659 الصادر بتاريخ 18 تشرين الثاني /نوفمبر 2014، ص. 12  * 
 
 
 

mercredi 5 novembre 2014


هل يحاول الإسلاميون مصادرة طه حسين بعد 41 عاماً على رحيله؟*
 
بدرالدين عرودكي
 

داليا عاصم، صحيفة الشرق الأوسط

1)     هل يحتاج طه حسين في ذكرى رحيله الـ 41 لإنصاف من تهمة الردة عن الاسلام؟

2)     من خلال دراستك العميقة لسيرته الذاتية، كيف ترى تقسيم مشروعه الفكري إلى أربعة مراحل آخرها "عودته للإسلام واعترافه بفضل القرآن والسنة"  بعد اتهامه بتنكره للتراث الاسلامي وطعنه في الثوابت الدينية؟ واتهامه باثارة الشبهات في القرآن الكريم؟

3)     هل ترى أن سوزان طه حسين أثرت على قناعاته الفكرية مما أثر على مشروعه الفكري؟

4)     ولماذا يصر البعض على وصفه بأنه كان مستشرقا يعيش في مصر وأنه كان بعيد كل البعد عن الحضارة العربية والإسلامية برغم مؤلفاته الكثيرة التي تنتصر لهما؟ 

بدرالدين عرودكي

1)    تهمة الردة عن الإسلام؟

أعترف أنني لا أفهم كيف يمكن لأي إنسان في هذا العالم أن يزعم امتلاك الحق بتكفير الناس أو بمنحهم الغفران "لأنهم تابوا" أو لآنهم صاروا "أوابين". بتكليف ممَّن؟ أو باسم مَنْ؟

لأقل بوضوح، ليست محاولات الحديث عن "كفر" طه حسين ثم عن "عودته" للإيمان إلا جهوداً بائسة من أجل إقناع الناس بأنه تراجع عن آرائه وعن مشروعه الحقيقي  الذي احتل بفضله مكانته الكبيرة لا في قلوب العرب الذين لقبوه بالعميد فحسب بل وفي التاريخ أيضاً، تاريخ العرب وتاريخ الإنسانية.

إذ بدلاً من مناقشة أفكاره مناقشة موضوعية وتفنيدها، ثم قبولها أو رفضها، كما هي التقاليد العريقة في النقاش الفكري والعقلي، يلجأ هؤلاء إلى مسألة لا علاقة لها على الإطلاق بما كتبه طه حسين طوال حياته، أعني مسألة كفر طه حسين أو إيمانه أو عودته إلى الإيمان والتي هي مسألة شخصية محضة؛ وهم لا يتورعون عن استخدام كلمات ذات وقع خاص ومؤثر لدى عامة الناس من بسطاء المؤمنين من أجل التجريم: الردة، أو من أجل الغفران: أوّاب.

وتلك حرب شنها هؤلاء على طه حسين منذ أن نشر عام 1926 كتابه الشهير "في الشعر الجاهلي" فجروه إلى المحاكم، وهددوه بالقتل، وحاولوا بكل ما لديهم من الوسائل بما في ذلك الكذب والخداع والتضليل والتشويه وتقويله ما لم يقل ثم تكفيره وإعلانه مرتداً  أن يحطوا من عزيمته وأن يحملوه على التراجع. لكنه صمد أمام كل هؤلاء، ومضى في طريقه الذي شقه بالعمل الدؤوب والفكر المستنير والشجاعة الأخلاقية. لذلك أرى أن تهمة الردة غير ذات موضوع أساساً.

2)    مشكلة التقسيم الذي يقيمه محمد عمارة لمشروع طه حسين الفكري أنه ينطلق من مقياس الاعتراف بحاكمية الإسلام أو ما يسميه "الرجوع عن الطعن في الثوابت الدينية". وذلك مقياس لا علاقة له البتة بمشروع طه حسين الفكري والثقافي. لم يكن هذا المشروع يقوم على فحص الثوابت الدينية كما لم يكن ذلك همّه. بل قام على إعادة قراءة التراث، كل التراث الأدبي والفكري العربي، قراءة عقلانية تعتمد التمحيص والدراسة وطرح الأسئلة على كل ما اعتبر خلال قرون مسلمات لا جدال فيها. ولم يكن من قبيل الصدفة أنه اختار موضوعاً لرسالة الدكتوراه في باريس أول مؤرخ واجتماعي بالمعنى الحديث للكلمة في تراثنا، وأعني ابن خلدون. كما أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون الموضوع الذي اختاره لرسالة الدكتوراه الأولى في الجامعة المصرية َيدور حول أبي العلاء المعري وذلك قبل أن يسافر إلى باريس وقبل أن يطلع على مبدعات الثقافة الغربية. هذا يعني أن المنهج العقلاني كان الطريق الذي اختاره طه حسين منذ أن كان على مقاعد الدراسة في الأزهر. ولهذا السبب لم يحصل على العالمية من الأزهر بعد ثماني سنوات من الدراسة الدؤوبة لا لأنه لا يستحقها أو لأنه لم يكن جديراً بها، ولكن لأن شيخ الأزهر آنذاك كان قد قرر عدم منحه العالمية وأمر اللجنة الفاحصة بألا تمنحه إياها مما دفع الرئيس المقرر لهذه اللجنة إلى أن يستقيل وألى أن يطلب إلى آخر أكثر خنوعاً أن يرأس اللجنة. لا بل إن فكره النقاد والفاحص حمله على نقد أستاذه المشرف على رسالته في الجامعة المصرية أثناء دفاعه عنها مما جعل هذا الأخير لا يصوت على منحه درجة الامتياز كاسراً بذلك الإجماع الضروري لمنحها.

لم يكن الإحجام عن منحه العالمية في الأزهر أو درجة الامتياز في الجامعة المصرية بسبب الكفر أو الردة أو الطعن في الدين أو في الثوابت الدينية بل لأنه كان يقدم نموذجاً للباحث المفكر العقلاني الذي لم يكن مقبولاً آنذاك في المؤسسات العلمية والجامعية. هذا مافعلوه بطه حسين قبل أن ينهل من الثقافة الغربية أو أن يطلع على المناهج الغربية في الدراسة وفي البحث. وسيتابعون ما فعلوه حين نشر كتابه في الشعر الجاهلي. وكانت حربهم ضد فكره وضد عقلانيته تشبه الحرب التي شنوها على علي عبد الرازق حين نزعوا عنه بقرار صفة العالم وسرحوه من عمله كقاض في المحاكم الشرعية. لكن العالَم لا يزال يذكر علي عبد الرازق باحترام شديد و يحتقر من أساؤوا إليه تماماً كما أن العالَم لا يزال وسيظلّ يذكر باحترام وتقدير طه حسين ويسخر من كل منتقديه ومكفريه وممن زعموا لأنفسهم حق منحه الغفران!

3)    كيف يمكن لعقل بسعة وصرامة عقل طه حسين أن تؤثر زوجته على قناعاته بحيث يؤدى ذلك إلى التأثير على مشروعه الفكري؟ أضحك كثيراً كلما قرأت هذه المزاعم ـ التي لا يمكن أن تصدر إلا عن جاهل ـ القائلة بتأثير زوجته "المسيحية" عليه. لقد أحب طه حسين امرأة مثقفة وأحبته. وآية قصة حبهما الحقيقي والنادر ـ وهو ما لا قِبَلَ لمنتقديه أن يفهموه أو أن يستطيعوا استيعابه ـ أن كلاً منهما احترم دين الآخر وقناعاته العميقة، ذلك لأن علاقتهما كانت علاقة إنسانين ندّيْن في الإنسانية لا علاقة تابع كما يفهم هؤلاء العلاقة الزوجية.  لنلاحظ أنها كتبت كتابها الوحيد عنه تحت عنوان: معك..وفي هذا العنوان كل المعاني التي لا يفهمها هؤلاء! ثم إنَّ من يقرأ كتابات طه حسين حول التراث الأدبي والفكري الغربي سيرى كيف أنه يناقش ويفند ويقبل ويرفض هذا  العمل أو ذاك مثلما كان يناقش ويفند ويقبل ويرفض هذه المقولة أو هذا الزعم في التراث والتاريخ العربيين أو الإسلاميين.  نحن أمام عقل نقدي صارم بل وشديد الصرامة، وما كان بوسع أحد أن يجعله يحيد عن قناعاته. ولقد كانت زوجته أكبر شاهد على ذلك طوال حياتهما المشتركة التي دامت نيفاً ونصف قرن.

4)    هؤلاء الذين أرادوا تكفيره ثم اتهامه بالردة ثم الحكم عليه بأنه آب إلى الإيمان هم أنفسهم من وصفه بالمستشرق وبالبعد عن الحضارة العربية والإسلامية. ذلك لأنهم لم يمتلكوا ما امتلكه طه حسين من ثقافة جمعت إلى الثقافة الكلاسيكية العربية والإسلامية التي نهلها من الأزهر الثقافة الغربية الكلاسيكية والحديثة  بعد أن تعلم وأتقن اللغتين اللتين كتبت بهما المصادر الأولى للتراث الثقافي الغربي القديم وأعني اللغة اليونانية القديمة واللغة اللاتينية. وهي ثقافة سمحت له أن يطوف ويتجوّل بسهولة وبساطة في مبدعات الثقافتين وأن يكتب بلغتيهما وأن يخاطب جمهوريهما بثقة وقدرة لم يضاهه بها أحدٌ من المثقفين العرب بعده حتى الآن. وهو ما يفتقر إلى أقل من القليل منه أؤلئك الذين يجادلون في إيمانه وفي كفره أو في أوبته إلى الإيمان.

لقد كان مشروع طه حسين مشروعاً حضارياً ومستقبلياً يطال مجال الفكر والعمل في آن واحد، وهو مشروع لايزال علينا أن نستعيده للخروج من ظلمات هؤلاء الذين يريدون العودة بنا إلى الوراء باسم الدين تارة وباسم الثوابت الدينية تارة أخرى.
 
 
* نشر ضمن تحقيق حول محاولة الإسلاميين مصادرة طه حسين في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.