lundi 1 septembre 2014

 



صناعة الجثث

       بدرالدين عرودكي


حيثما جال نظرنا اليوم في خارطة العالم العربي سنرى أن صناعة الجثث، أو تقنية القتل، تسود على نحو بدا لنا مريباً في البداية. أردنا التخلص من ظلها الثقيل من خلال البحث عن مثال في تاريخنا في محاولة لفهم معناها. ومن أجل المحاولة نفسها حاولنا ـ كعادتنا ـ أن نجعل منها طارئاً غريباً فجاً على ثقافتنا وتاريخنا وقيمنا. لكن الظاهرة تنتشر انتشار النار في الهشيم. وتتخذ من الأشكال ما لم يكن من الممكن حتى تصوره: قاتل بلباس القرون الغابرة، يحاضر في كيفية جزِّ الرقبة على أحسن وجه وكأنه في غيبوبة نشوة جنسية، وأمامه حاسوب كأنما يلهمه ما فيه ما هو في السبيل إلى قوله.
جنباً إلى جنب، وسائل العصور القديمة وتقنيات العصور الحديثة. جز الرقاب ودفن البشر أحياء في مقابر جماعية وحصار وتجويع وتعذيب أو قصف بالبراميل أو الأسلحة الكيمياوية..
يحدث هذا أمام أعيننا جميعاً وأمام أنظار العالم كله الذي يشهد ساكناً أو دهشاً كأنما يعجب مما فعلت يداه!
هل هي بالفعل صناعة محلية صناعة الجثث القائمة الآن؟ أم أنها أقدم وأعرق مما نتصور؟
شهد العالم في القرن الماضي حروباً سميت عالمية وحروباً سميت محلية كانت الإبادة فيها جميعاً عنوانها الأكبر. لكن صعود النازية مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي مهد الأرض والعقل الجمعي لطرق هذه الإبادة المنتظمة..
وكان الفيلسوف الألماني هيدجر الذي رأى حلمه ببناء دين جديد على أنقاض الكنيسة ينهار مع صعود النازية التي آمن بها في البداية وصمت عن جرائمها أول من تنبأ باتساع التقنية الجديدة التي ابتكرتها إلى أرجاء العالم كله.

وها نحن الآن في القلب منها. ألا نقول اليوم إن العالم قرية نحن ذرة فيها؟

* نشر في مجلة الهلال، القاهرة، عدد أيلول/سبتمبر 2014.


 
 

 
 
 
 



 


                    
 
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire