vendredi 25 janvier 2019



مفكرة المترجم


 بدرالدين عرودكي
كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
** صدفة محضة. طلب إلي ذات يوم أن أترجم قصيدة رامبو "الحَدّاد" لنشرها في مجلة الطليعة السورية الأسبوعية،. ترجمت القصيدة. ولم تكن النتيجة، كما يبدو، شديدة السوء. إذ لم يعترض على الترجمة أحد كبار العارفين السوريين بشعر رامبو، صدقي إسماعيل، الذي خصص له أحد كتبه. هكذا بدأت العمل كاتبًا وصحفيًا حين عرض علي رئيس التحرير الانضمام إلى أسرة تحرير المجلة. وحين غادرت سورية لمتابعة الدراسات العليا بباريس، طلب إلي الدكتور سهيل إدريس أن أقوم بكتابة رسالة شهرية لمجلة الآداب عن النشاط الثقافي في فرنسا، ثم ما لبث أن طلب إليَّ إعداد وترجمة كتاب كان أنور عبد الملك يريد نشره لديه. وكان كتابُه الذي أعددته وترجمته، الفكر العربي في معركة النهضة، الصادر عن دار الآداب عام 1974، أولَ كتاب أترجمه.
ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
** أنهيت قبل شهريْن ترجمة كتاب قضيت من أجل إنجازه سنة كاملة، وأعني به كتاب "الحرب المقدسة، الاستشهاد والإرهاب ــ أشكال العنف المسيحية في الغرب" لفيليب بوك، أستاذ تاريخ القرون الوسطى في جامعة فيينا. ومن المنتتظر أن يصدر الكتاب قريبًا جدًّا عن مركز حرمون للدراسات والنشر ودار ميسلون. لم أبدأ ترجمة كتاب آخر لأنني لازلت أتابع إعداد الكتاب المشار إليه للطبع.
ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
** من الممكن الإشارة إلى بعض أهم العقبات التي تواجه المترجم العربي وموضوع الترجمة نفسه مشروعًا وتخطيطًا وتنفيذًا: 1) مشكلة المصطلحات اللغوية التي لا تزال موضع اختلاف كبير بين مختلف البلدان العربية؛ 2) غياب التخطيط  بل وحتى التنسيق بين دور النشر العربية العاملة في حقل الترجمة، العامة منها والخاصة، من أجل عمل يستهدف التكامل بدلًا من الفوضى القائمة الآن؛ 3) غياب تقنين موحَّد لحقوق المترجم المادية والمعنوية في مختلف البلدان العربية.  
هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
** لا أدري إن كان هناك من يحرر الترجمات لدى دور النشر العربية. ما أعرفه أن ثمة من يقوم بالتدقيق اللغوي، وهو أمر طبيعي ومطلوب، من أجل تلافي الأخطاء المطبعية أو الهفوات النحوية. لكني أرفض بالطبع أي محاولة لتحرير الترجمة التي تعني إعادة كتابة نصها الذي أرسلته للناشر لسبب بسيط، هو أنني أقوم شخصيًا بهذه المهمة التي أخصّص لها ما يكفي من الوقت قبل إرسال المخطوط للنشر. يحدث أثناء التدقيق اللغوي أن تطرح عليَّ أسئلة خاصة بهذه الكلمة أو تلك.. وقد لاحظت أن الأسئلة التي يطرحها عليَّ المدققون كانت تتناول غالبًا أخطاء مطبعية شابت كتابة بعض الكلمات، مما أدى إلى تغيير معناها أو جعل الجملة الواردة فيها غامضة غير مفهومة..
 كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
** علاقة ممتازة مع معظم الناشرين الذين نشروا ترجماتي. لقد سبق لي أن اقترحت كتبًا بعد قيامي بترجمتها وقبلها الناشر، ككتاب فن الرواية لميلان كونديرا ثم كتابيه الآخرين حول الموضوع نفسه وهي الكتب الثلاثة التي صدرت بالقاهرة في مجلد واحد عن المجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان ثلاثية حول الرواية، أو كتاب جان بودريار حول روح الإرهاب؛ كما سبق أن كان الناشر هو من يقترح عليَّ عناوين بعض الكتب التي يرغب بنشرها مترجمة، فكنت أقرأها قبل الموافقة على ترجمتها.
هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
** الاعتبارات السياسية موجودة بالطبع. كان يهمني مثلًا أن أترجم مجموعة الكتيبات التي أصدرها جان بودريار إثر تفجيرات نيويورك في 11 أيلول عام 2011، بل قمت بنشر أحدها في عدة صحف أو مجلات عربية تصدر بالقاهرة وببيروت وبلندن مجانًا لرغبتي في أن يقرأها القارئ العربي الذي لا يتكلم الفرنسية. لم يحدث لي أن ترجمت كتابًا أقف على النقيض من طروحاته السياسية. لكن ذلك محض صدفة. ولو حدث وكان هناك كتاب لا أتفق مع طروحاته أو مع مواقف كاتبه السياسية ورأيت أن الكتاب ينطوي على أهمية معرفية هامة لما ترددت في القيام بترجمته، وكنت بالطبع سأترجم الكتاب، ثمَّ أقوم بنقد طروحات مؤلفه.. لماذا أحرم القارئ العربي بسبب عدم إتقانه اللغة التي أترجم عنها من إمكان قراءة كتاب يمكنني أن أقرأه بلغته الأصلية؟
كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
** ربطتني بمعظم الكتاب الذي ترجمت لهم، حين كان ذلك ممكنًا، صداقة جميلة وأحيانًا عميقة على الصعيد الفكري: أنور عبد الملك، سوزان طه حسين، ميلان كونديرا، فيليب روجيه، نيللي آلار، آن سالمون، وأخيرًا فيليب بوك، على سبيل المثال لا الحصر.
كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
** علاقة بين عالمين منفصليْن! فخلال اليوم الذي أترجم فيه، لا أكتب؛ وفي اليوم الذي أكتب فيه، لا أترجم. لكل عالم حاله ووضعه وقوانينه والاستعداد النفسي الضروري له.  حين أترجم، أحاول أن أكون كاتب الكتاب كما لو كان هو نفسه يقوم بترجمته إلى العربية؛ وحين أكتب، أستعيد نفسي كليًا لاسيما وأن ما أريد كتابته ليس وليد اللحظة، بل يكون قد مرَّ بمراحل من التفكير والإعداد والاختمار قبل البدء بالكتابة الفعلية.
كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
** من المؤكد أنها تسعِدُ من يحصل عليها من المترجمين. لكن الجوائز في عالمنا العربي، أيًّا كان موضوعها، لا تزال تشكو من ضروب تنظيم تبتعد بها عن غاياتها التي يفترض بها تحقيقها. ألاحظ مثلًا أنها غالبًا أسيرة مفاوضات بين أصحاب المصلحة على اختلافهم باستثناء مصلحة موضوع الجائزة بالذات!
الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
** بالتأكيد هي مشاريع أفراد، مترجمين و/أو ناشرين. أما المؤسسات المختلفة (وعدد الفعّال منها لا يتجاوز ثلاثة مؤسسات في العالم العربي) فهي تعاني من انعدام التنسيق فيما بينها على صعيد الخطط والتكامل. فضلًا عن أنها تعاني من نقص التمويل أو من اضطرابه، مما لا يتيح إمكان وضع خطط عمل مشتركة تأخذ على عاتقها تجاوز النقص الخطير الذي تفتقر إليه المكتبة العربية اليوم، ولاسيما أمهات الكتب في العلوم الإنسانية والاجتماعية فضلًا عن العلوم الدقيقة.
ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
** مبدأ أساس: احترام النص الأصلي ومحاولة نقله إلى القارئ العربي بأكبر قدر ممكن من الدقة لغويًا وثقافيًا وجماليًّا.
كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
** كل الكتب التي ترجمتها كانت إما من اقتراحي أو بعد موافقتي إذا كانت من اقتراح الناشر ــ بما أنني قرأتها ووافقتُ على ترجمتها ــ، وبالتالي فلم يحدث أن ندمت على كتاب ترجمته!
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
** أتمنى للترجمة إلى اللغة العربية أن تشمل أخيرًا كبرى المبدعات الفكرية والأدبية في العالم شرقًا وغربًا، في ترجمات محكمة، وأن تعيش دور النشر على إيقاع العصر فتنقل إلى القارئ العربي ما يتيح له أن يعيش عصره كأي قارئ في أوربا أو في اليابان. أما حلمي كمترجم فهو أن أرى ترجمة عربية للأعمال الكاملة لأحد كبار روائيي القرن التاسع عشر: ستندال، وكذلك أن تُعاد ترجمة كافة روايات ميلان كونديرا (في ترجمة محكمة) إلى العربية كما نشرت في الطبعة الفرنسية الأخيرة التي أشرف عليها بنفسه ضمن سلسلة لابلياد، كي يكتشف القارئ العربي عبقرية هذا الروائي المعاصر.

** نشرت في صحيفة العربي الجديد يوم الجمعة 25 كانون الثاني/يناير 2019.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire