mercredi 8 mars 2017


بانتظار يوم المرأة السورية العالمي 
بدرالدين عرودكي
في عام 1949 وخلال العهد القصير الذي عاشه أول انقلاب عسكري في سورية بعد الاستقلال، جرى فرض اعتماد وسنُّ قانون مدني لسورية، كان مترجماً عن القانون المدني الفرنسي، خلال أحد اجتماعات مجلس الوزراء المنعقد برئاسة قائد الانقلاب، حسني الزعيم، وذلك كي يحلّ محل مجلة الأحكام العدلية، العثمانية الأصل، والتي كانت بمثابة قانون مدني، صيغت موادها انطلاقاً من أحكام الشريعة الإسلامية وفق المذهب الحنفي خصوصاً.  وعلى الرغم مما تضمنه القانون المدني المترجم من مواد لا يمكن الاستفادة منها أو تفعيلها في المجتمعات العربية، إلا أن القوانين الأخرى، الجزائية أو التجارية أو الخاصة بأصول المحاكمات، والتي توالت مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي لاستكمال مجموعة قوانين ضرورية لسير العدالة، جاءت منسجمة لا في صياغتها المستوحاة من القوانين الأوربية الحديثة في مجالها فحسب، بل مع روح العدالة في ثوبها الأكثر انسجاماً مع مفهوم الدولة الحديثة التي كان السوريون يحاولون بناءها.
وحده قانون الأحوال الشخصية خرج عن هذا المفهوم، لا من حيث مصادر الأحكام التي اعتمدها في مواده فحسب، بل كذلك في تثبيت أوضاع تقليدية كانت سارية طوال الفترة العثمانية من تاريخ سورية ولم يطرأ عليها أي تغيير خلال فترة الانتداب. هكذا بقيت إدارة أحوال السوريين الشخصية وكأن شيئاً لم يتغير في عالمهم، سواء قبل القانون الذي تم اعتماده في عام 1953، أو بعد ذلك الذي اعتمد في عام 2009،  والذي لم يتضمن أي تغيير جذري في الأساس بالمقارنة مع القانون السابق عليه.
تم إنجاز هذا الوضع القانوني الغريب في سورية في ظل الحكومات التي جاءت بها الانقلابات العسكرية المتوالية بين عامي 1949 و1954. ولم يشذ عنها الحكم العسكري الذي بدأ فعلياً عام 1963، وتم تثبيته في عام 1970 بانقلاب آخر تحت اسم "الحركة التصحيحية". فقد سار على النهج نفسه الذي شقت طريقه العقلية العسكرية التي استطاعت، منذ البداية، أن توحي بدولة ظاهرها حديث كما يتجلى في القانون المدني وقانون العقوبات وأصول المحاكمات، في حين أن عمودها الفقري، الاجتماعي والسياسي، يتجلى في قانون الأحوال الشخصية (في صيغته الصادرة عام 1953 وفي صيغته الجديدة الصادرة عام 2009) الذي أبقى، القديم على قِدَمِه في جوهر مفاهيمه: فالقواعد المستمدة من "الشريعة الإسلامية"، أي من الأحكام الفقهية المستنبطة من القرآن والسنة كما عرفها العالم الإسلامي في القرن الثامن الميلادي، تطبق على المسلمين، في حين تطبق على الطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة منها من الأحكام التشريعية الدينية الخاصة بها.
لا يخفى، في الحقيقة، معنى غياب أي تجديد في النظرة إلى مكانة المرأة في المجتمع السوري الحديث ضمن القانون الناظم للأحوال الشخصية في سورية، سواء في إطار وجودها ودورها في الخلية الاجتماعية الأولى، الأسرة، أو عبر الاعتراف بمساواتها للرجل في إطار الحقوق المدنية والحريات في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية. ومن هنا، بعد أن صدرت عن منظمة الأمم المتحدة في نهاية عام 1979 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وبعد فتح باب التوقيع عليها أمام الدول الأعضاء اعتباراً من أول آذار 1980، لم يكن غريباً والحالة هذه ألا يبادر النظام الأسدي في سورية إلى المصادقة عليها إلا بعد مضيِّ ربع قرن على اعتمادها، أي في 28 آذار 2003. كما لم يكن غريباً كذلك ألا تأتي هذه المصادقة كاملة، وأن تكون شكلية لذر الرماد في العيون، وعرجاء في واقع الأمر، حين رافقتها تحفظات تكاد تلغي معانيها الجوهرية، وتنسف بعض أهم الغايات المتوخاة تحقيقها من التوقيع عليها وعبر الالتزام بتنفيذ موادها.  
وهي تحفظات تناولت مواد أساسية في الاتفاقية، كالمادة الثانية بكامل فقراتها مثلاً، والتي تنصُّ على ما يكاد يؤسس جوهر وغاية الاتفاقية معاً، والتي تقرر أن: "تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة.." وهو ما يقتضي من الدول الموقعة أن تتعهد بـ:
أ ـ "تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى" ب ـ "اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة؛ ج ـ إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى، من أي عمل تمييزي؛ د ـ الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛ هـ ـ اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة؛ و ـ اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة؛ ز ـ إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة."                    
لكن التحفظات تمسُّ أيضاً حقوقاً أخرى، مثل حق المرأة المساوي لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها (الفقرة 2 من الماد 9)، أو أن يكون للمرأة وللرجل نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم (الفقرة 4 من المادة 15)، وكذلك الفقرة الأولى من المادة 16 الخاصة بالحقوق المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية ولاسيما منها الفقرات (ج) التي تنصُّ على منح الحقوق والمسؤوليات نفسها أثناء الزواج وعند فسخه، والفقرة (د) الخاصة بحقوق المرأة والرجل بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما على أن يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول، والفقرة (و) الخاصة بالمساواة في الحقوق والمسؤوليات، والمتعلقة بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون أيضاً لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول. كما مسَّت التحفظات الفقرة الثانية من هذه المادة (16) والخاصة بألا "يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني"، وأن "تتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزامياً."
تناول هذا التحفظ أخيرا الفقرة الأولى من المادة 29 والتي تنص على أن "يعرض للتحكيم أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية ولا يسوى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء على طلب واحدة من هذه الدول. فإذا لم يتمكن الأطراف، خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأي من أولئك الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقا للنظام الأساسي للمحكمة."
باستثناء هذا التحفظ الأخير، واضح أن التحفظات الأخرى ذات علاقة مباشرة بكل ما يؤسس قانوناً في سورية لوضع المرأة في الأسرة وفي المجتمع على صعيد المساواة بينها وبين الرجل في الحقوق وفي المسؤولية، وعلى كافة الأصعدة، والتي لا تتعلق بقانون الأحوال المدنية على أهميته، فحسب ، بل تتعلق بالدستور وبكافة القوانين الأخرى التي يفترض بها تفعيل المبادئ الدستورية على أرض الواقع. ذلك ما تلافت السلطة الأسدية خلال خمسين عامًا أن تقترب منه رغم مزاعمها المختلفة حول علمانية الدولة، واكتفت في الصيغة الجديدة لهذا القانون التي صدرت في نهاية عام 2009 ببعض التعديلات الشكلية التي لا تغير شيئاً في الجوهر.
هذا جانب من الواقع السياسي والاجتماعي الذي فرضه النظام الأسدي على السوريين والذي أتاحت ثورتهم الكشف عنه والتنديد به: يداري المنافقين من كهنة الإسلام المعاصرين ويُسَوَّق لنفسه لدى الغربيين بوصفه كبير دعاة العلمانية في العالم العربي!
لن يعني، والحالة هذه، الاحتفال بيوم المرأة العالمي شيئاً للمرأة السورية مادامت التحفظات الموضوعة باسم سورية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة قائمة، أي ما لم تقم السلطة السورية القادمة، والتي يفترض أن تتحمل أعباء إعادة بناء الدولة السورية الحديثة،  بإعادة النظر فيها ورفع تحفظاتها والالتزام بتنفيذ موادها من دون أي تحفظ.
عندها سيصير يوم المرأة العالمي هو يوم المرأة السورية بامتياز.

** نشر على موقع جيرون يوم الأربعاء 8 آذار/مارس 2017



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire