بدرالدين عرودكي
ما يترجم إلى اللغة العربية اليوم يستجيب، في أغلب الأحوال، إلى ما يظنه الناشر
مدراراً على الصعيد التجاري بسبب شهرة الكاتب، أو رواج موضوع الكتب، وفي أقلها،
إلى ما يراه بعض المترجمين ضرورياً للترجمة لإغناء هذا الجانب أوذاك من المكتبة
العربية في تفاعلها مع الثقافات الأخرى. في الحالة الأولى، نرى طغيان العامل
التجاري، وغياب أية سياسة ذات برنامج واضح في نشر الكتب المترجمة. وهذا ما يسهم
بفعالية منقطعة النظير في وضع الترجمة البائس في عالمنا العربي اليوم.وفي الحالة
الثانية، نرى بعض الجهود الفردية التي يبقى أثرها محدوداً على الصعيد العام لأنها،
هي الأخرى، لا تستجيب لاهتمام المترجم إلا إذا التقى مع اهتمام الناشر التجاري.
من المؤسف أن المؤسسات العامة الكبرى التي
يفترض بها أن تأخذ على عاتقها ترشيد الترجمة والتخطيط لها في عدد من الدول العربية
تكاد هي الأخرى تسلك هذا الطريق. لن نجد لدى أيّ منها خطة مدروسة تستجيب لحاجات
الثقافة العربية اليوم إلى ترجمة أمهات الكتب في مختلف مجالات العلوم الإنسانية
والاجتماعية والتي باتت مراجع لا غنى عنها في مجالاتها، كما يغيب كلياً كلّ تنسيق
فيما بين هذه المؤسسات الوطنية الكبرى على الصعيد العربي. مؤسسة عربية وحيدة حاولت
وضع خطة طموحة في هذا المجال، إلا أنه سرعان ما أطيح بمديرها وطويت على إثر ذلك هذه
الخطة نهائياً.
واقع
الحال يتجلى في غياب سياسة خاصة بالترجمة وخططها، والافتقار إلى التنسيق العام
بصددها، لا بين مختلف دور النشر في البلد العربي الواحد فحسب بل في مجمل بلدان العالم
العربي (حتى أن بوسعنا أن نتساءل: ما الذي
تفعله اتحادات الناشرين الوطنية وما الذي
يفعله إذن اتحاد الناشرين العرب الذي يضمها جميعاً؟).
لكن غياب التنسيق والتعاون يتجلى أيضاً
على صعيد اللغة والمفاهيم التي يستقل باعتمادها كل بلد عربي حسب اجتهادات المختصين
فيه دون أن يجمعهم أي جامع مع زملائهم في البلدان العربية الأخرى. لا تزال الجهود
مبعثرة على صعيد مجامع اللغة العربية التي تبدو وكأنها تعمل في السر، بعيداً عن
الأضواء، في حين أن ما تنجزه يحتاج إلى النشر على أوسع نطاق. يؤدي هذا الوضع كما
هو متوقع إلى ضروب من الفوضى في استخدام المفاهيم وفي دلالاتها على صعيد الترجمة وكذلك
على صعيد الكتابة والتأليف.
أما الحديث عن المترجمين أنفسهم فهو حديث
ذو شجون كثيرة في مجال عددهم (كثرة قليلة!) وفي مجال حقوقهم (المهدورة غالباً
بالمقارنة مع زملائهم في الدول غير العربية ولا سيما الغربية منها)..
من الواضح أنه من دون وضع سياسة عربية ذات خطة واضحة في مجال الترجمة
تعتمدها المؤسسات المدنية كاتحاد الناشرين العرب وأعضائه، مثلما تعتمدها المؤسسات الرسمية
المختصة، وتتعاون فيها مؤسسات اللغة العربية ومجامعها، سيبقى وضع الترجمة على حاله،
وسيتمدد.
** نشر على موقع "ضفة ثالثة" في إطار تحقيق حول واقع الترجمة العربية، يوم الخميس 30 نيسان 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire