خمس سنوات..عودة
إلى البدايات
بدرالدين عرودكي
في
يوم السبت 16 نيسان 2011، وفي جوٍّ ساده
مزيج من الذهول والإعجاب وبعض الفرح بما حدث ويحدث في العالم العربي في بدايات العام
نفسه، ما كان بوسع أحد من الحاضرين في قاعة المؤتمرات بمعهد العالم العربي أن يتنبأ
لحظة بما ستكون عليه الأمور بعد خمس سنوات. كانوا جمعاً غفيراً ضم سفراء فرنسيين في البلدان العربية وموظفين في
وزارة الخارجية الفرنسية ومثقفين وإعلاميين
ينتمون إلى مختلف التيارات الفكرية والسياسية جاؤوا يحضرون أول ندوة تنظم
حول ما كان يجري في العالم العربي، حملت عنواناً كان وليد اللحظة الاستثنائية
ودليلها: "الربيع العربي: رهانات وآمال تغيير"، حضرها وتابع مجرياتها طوال
النهار، وزير الخارجية الفرنسية يومئذ، آلان جوبيه، الذي اختتم بنفسه أعمالها
بخطاب يمكن له هو الآخر أن يحمل عنوان الندوة المذكور نفسها. لكن الذين تمت دعوتهم
للمشاركة في هذا اليوم من تونس ومن ليبيا ومن مصر خصوصاً، كانوا من الناشطين
والفاعلين في الحرك الثوري في بلدانهم، جاؤوا لا من أجل الإدلاء بشهادتهم فحسب، بل للحديث عما كانوا يقومون
به مع مئات الألوف من زملائهم في مدن تونس وليبيا ومصر، من خلال شهادة حية بقدر ما
هي مسؤولة.
كان
"الاستثناء العربي" من قبل هو المفهوم السائد في كل مكان بعد انهيار الاتحاد
السوفياتي وعودة دول الكتلة الشرقية إلى مكانها الطبيعي في عداد الديمقراطيات
الأوربية، وبعد سقوط معظم الديكتاتوريات في دول أمريكا اللاتينية التي اعتمدت هي
الأخرى النظام الديمقراطي.
إلا العالم العربي!
لكن
بوعزيزي وهو يحرق نفسه في 18 آب 2010 كان، دون أن يدري، يسجل نهاية هذا الاستثناء مفجراً
الثورة في الفضاء العربي. يكتشفُ العالمُ فجأة، وأوربا جارته، كما لو أنَّ ما كان
مستحيلاً بات في طريقه إلى أن يصير ممكناً. ويحاول الفهم. يتوالى الوزراء
والسياسيون من بلدان أوربا وأمريكا على ميدان
التحرير في محاولة لفهم ما يجري بعد صدمة المفاجأة التي لم تكن كذلك ـ على ما ظهر
بعد حين ـ في نظر رجال مخابرات دولهم الذين كانوا قد سبقوهم قبل ذلك بزمن طويل: كيف
أرغمت جماهير المتظاهرين بن علي في تونس على الهرب، ومبارك على التنحي في مصر. وكيف
انفتحت أبواب المستقبل على مصاريعها في كلا البلديْن. يقف الشاب المصري القادم من
ميدان التحرير إلى باريس مباشرة على المنصة ليقول بعفوية وبراءة الثوري ديْنه إزاء
زملائه التونسيين: "لقد تعلمنا من إخواننا التونسيين تكتيك مواجهة رجال الأمن
للحفاظ على مظاهراتنا وعلى اعتصامنا في ميدان التحرير". وهو التكتيك نفسه
الذي حاوله الشباب السوريون الثوار واستطاعوا تحقيقه أكثر من مرة في حمص وفي حماة
وفي دير الزور لكن الرصاص الحي الذي انهال عليهم حال دونهم ودون النجاح فيما
أرادوا تحقيقه، وجعل من المستحيل على من كانوا في دمشق رغم كل محاولاتهم البطولية
أن يحققوا شيئاً مشابهاً فيها.
كان
موقف النظام الأسدي من خروج الشعب مطالباً بإسقاطه إيذاناً بما ستعيشه بلدان
العالم العربي الثائرة بعد مظاهر النجاح المفاجئ في تونس وفي مصر ثم بعد ذلك،
وبثمن باهظ في ليبيا.
ذلك
كله كان حاضراً في هذه الندوة التي كانت تجري في جوٍّ مفعم بفرح مشوب بالدهشة وببعض
الخوف. تحدث دومينيك بوديس رئيس المعهد آنئذ في كلمته الافتتاحية، عن أثر الصورة
التي وقد باتت اليوم تختصر المسافات الزمنية إلى دقائق، كيف أن غيابها مثلاً، يوم
دمر النظام الأسدي حماة على أهلها في عام 1982، أتاح للعالم أن يجهلها أو
يتجاهلها. في حين تناول خطاب وزير الخارجية، آلان جوبيه، الذي اختتم الندوة،
العناصر الجوهرية التي ينطوي عليها في نظره هذا الحراك الثوري العربي وما يمكن أو
يجب أن يكون عليه رد الفعل الأوربي، والفرنسي خصوصاً. فهو يعترف بداءة:
"فكرنا خلال زمن طويل أن الأنظمة الاستبدادية كانت المتاريس الوحيدة ضد
التطرف في العالم العربي. وخلال زمن طويل أشهرنا حجة الخطر الإسلاموي كي نبرر بعض
المحاباة إزاء الحكومات التي كانت تنتهك الحريات وتكبح نمو بلادها." ولم يكن
في الواقع يعبر هنا إلا عن سياسة سارت عليها معظم إن لم يكن كل الحكومات
الديمقراطية الغربية بما فيها بالطبع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية! وها هو الحراك
الثوري شبه المتزامن في بلدان العالم العربي يعيد الصلة "فجأة" مع ضروب
الانفتاح، والتغيير، والحداثة التي كانت سمته خلال عصور.
حين
يقول آلان جوبيه بعد أن عبَّرَ عن حماسه وقلقه : »لا يجب أن يخيفنا هذا "الربيع
العربي" « ، مُذَكِّراً بالثمن
الذي دفعته أوربا قبل سبعين عاماً للدفاع عن الحرية والديمقراطية وما يتطلبه اليوم
الوقوف في وجه البربرية أو تحدي الطغاة في العالم العربي من دماء تسفح وحيوات تهدر،
فإنه يشير إلى وجود هذا الخوف فعلاً لدى الديمقراطيات الغربية التي اعتادت العمل
مع نظم الطغاة في العالم العربي. من هم هؤلاء الثوار؟ ومن يقودهم؟ وما هي برامجهم؟
بعد
أن قال الناشط التونسي بن سالم في مداخلته موجهاً حديثه إلى الفرنسيين "سوف
يفاجئكم الإسلاميون"، وكان يعني أن الاتهامات التي كانت تُوَجّهُ للإسلاميين ليست
إلا مجرد أوهام، أجابه آلان جوبيه في ضرب من التحدي: "بالانتظار!". لكن
"الانتظار" يتواجد أيضاً وفي تحدٍّ مماثل لدى الطرف الآخر: ماذا أنتم
فاعلون بثوراتنا؟ وأية طرق وأحابيل سوف تستخدمونها لتفريغها من معانيها؟ ألم تدعموا
الاستبداد قبل سقوطه؟ وهل تقبلون فعلاً أن تقوم أنظمة ديمقراطية في منطقتنا تحترم
حقوق الإنسان ولا سيما حريته وكرامته؟
يتابع
جوبيه: "لا ننوي أن نقرر طبيعة توزيع الاختصاصات الداخلية في البلدان
المستقلة. نقول رأينا، وندين، ونتدخل اعتماداً على أساس وحيد هو القانون الدولي ولاسيما
تطبيق المبدأ الجديد الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة عام 2005 والمدرج للمرة
الأولى في قرار مجلس الأمن، أعني مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أذكر به: بناء على
المبدأ الذي تبنته الأمم المتحدة بالإجماع، تقع على الحكومات مسؤولية حماية الشعب
ضد جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والمجازر. وإن لم تفعل فإن المجموعة
الدولية تكتسب الحق في الحلول
محلها."
لكن
هذا المبدأ الدولي الذي استندت إليه فرنسا ووضعته موضع التطبيق من أجل حمل القذافي
على الرحيل مبرِّرَة به تدخلها العسكري في ليبيا، لم يجد طريقه إلى التطبيق في
سورية لا في الأسابيع التالية على مواجهة المتظاهرين في المدن السورية بالرصاص
الحي ولا خلال السنوات التالية التي شهدت استخدام كافة الأسلحة التقليدية
والكيميائية كي يصل عدد الضحايا إلى أكثر من ثلاثمائة ألف قتيل، وأكثر من عشرة ملايين
مهاجر فضلاً عن عشرات الألوف من الجرحى والمعاقين والمفقودين. فقد استعان كل الذين
اعتمدوا هذا المبدأ ووقعوا عليه، ولا سيما الدول القادرة على الحماية، بطريقةٍ للتحايل على عدم اعتماد تطبيقه في
سورية.
هل
كان تطبيق المبدأ المذكور في ليبيا أو في سورية أو في اليمن سيغير من الأمور
شيئاً؟
بخلاف
كل البلدان العربية التي عرفت شيئاً من "الربيع العربي"، وحدها تونس
استطاعت حتى الآن أن تقدم الأمل. إذ أمكن وأد التجربة الديمقراطية في مصر رغم نجاح
الثوار في دفع مبارك إلى التنحي. في حين
تغرق ليبيا منذ أربع سنوات في صراع أهلي وقبائلي. أما اليمن فلا يزال رغم مرور
أكثر من نصف قرن على "جمهوريته" أسير فشل تحقيق الانتقال الحقيقي إلى
الحداثة. في حين تدفع سورية ثمن انصياعها خمسين عاماً لاستبداد لم تعرف مثيله طوال
تاريخها القديم والحديث.
كان
السؤال الذي طرحه آلان جوبيه على نفسه وأمام الجميع يومها: "وماذا لو نجحت
الشعوب العربية؟"
ألم
يكن هذا هو الخطر الأكبر الذي كانت تخشاه دول الغرب جميعاً؟ أم أن هذا السؤال/الجواب مرة أخرى، فرار من مواجهة المسؤولية؟
* نشر هذا المقال في صحيفة القدس العربي، 31 كانون أول 2015، ص. 23.
خليل أبو رزق
يقول الكاتب النبيه («وماذا لو نجحت الشعوب العربية؟»
ألم يكن هذا هو الخطر الأكبر الذي كانت تخشاه دول الغرب جميعاً؟)
نعم و الف نعم. هذا هو مربط الفرس.
الاستراتيجية الغربية هي هي منذ مئة عام. و هي الابقاء على هذه المنطقة تحت السيطرة. اولا لوقف التهديد القادم من الشرق و الذي يرتكز عل ايدولوجية دينية و الى الابد. و ثانيا لتأمين الممرات البرية و البحرية و الجوية الى افريقيا و اسيا. و ثالثا لتأمين الطاقة. و رابعا كون المنطقة سوقا استهلاكية لهم يستعيدون منها ما يدفعونه ثمنا للبترول.
و قد فعلوا ذلك اولا بتقسيم المنطقة الى دويلات. و ثانيا بزرع اسرائيل فيها كجسم غريب يحتاج الى حماية غربية و بالتالي تزاوج مصالح ابدي. و ثالثا بدعم الانظمة الفاشلة فيها. و هي فاشلة اصلا بحكم التكوين و غير قابلة للاصلاح حتى لو ارادت. و رابعا بالمراقبة و المتابعة الحثيثة و اجهاض اي ربيع او صحوة كما رأينا في العراق و سوريا و الاردن ومصر و لبنان و الجزائر و فلسطين و السودان و الصومال قبل الربيع العربي و في مصر و ليبيا و اليمن و سوريا خاصة بعد الربيع العربي
ألم يكن هذا هو الخطر الأكبر الذي كانت تخشاه دول الغرب جميعاً؟)
نعم و الف نعم. هذا هو مربط الفرس.
الاستراتيجية الغربية هي هي منذ مئة عام. و هي الابقاء على هذه المنطقة تحت السيطرة. اولا لوقف التهديد القادم من الشرق و الذي يرتكز عل ايدولوجية دينية و الى الابد. و ثانيا لتأمين الممرات البرية و البحرية و الجوية الى افريقيا و اسيا. و ثالثا لتأمين الطاقة. و رابعا كون المنطقة سوقا استهلاكية لهم يستعيدون منها ما يدفعونه ثمنا للبترول.
و قد فعلوا ذلك اولا بتقسيم المنطقة الى دويلات. و ثانيا بزرع اسرائيل فيها كجسم غريب يحتاج الى حماية غربية و بالتالي تزاوج مصالح ابدي. و ثالثا بدعم الانظمة الفاشلة فيها. و هي فاشلة اصلا بحكم التكوين و غير قابلة للاصلاح حتى لو ارادت. و رابعا بالمراقبة و المتابعة الحثيثة و اجهاض اي ربيع او صحوة كما رأينا في العراق و سوريا و الاردن ومصر و لبنان و الجزائر و فلسطين و السودان و الصومال قبل الربيع العربي و في مصر و ليبيا و اليمن و سوريا خاصة بعد الربيع العربي