mercredi 29 avril 2015


في نكبة فلسطين  ومآلاتها المنتظرة


بدرالدين  عرودكي
 

نكبة فلسطين؟

هما الآن مشهدان ثابتان في الذاكرة تفصل بينهما سبعة وستون عاماً، يجسدانها في نظري. أولاهما محفوظ حكاية في ذاكرة شخصية والثاني قائم ومستمر في سوريا خصوصاً منذ أربع سنوات على مرأى من العالم كله.

المشهد الأول، شخصي جداً بقدر عموميته، يقدم حكاية أسرة دمشقية كانت تعيش منذ سنوات طوال في حيفا. زوج وزوجته وأطفالهما الثلاثة. عاد ربُّها مساء يوم من أيام مايو 1948 من عمله ليجد جميع سكان العمارة التي يسكنها ومن بينهم زوجته وأولاده الثلاثة على أرصفة الشارع المحيط بها بعد قيام قوة صهيونية من الهاجاناه باحتلالها وإخراج سكانها عنوة من بيوتهم فيها. طردت الأسرة مساء اليوم نفسه مع سواها وحملت على ظهر مركب رسا بأفرادها في ميناء بيروت، واضطرت بعد نزولها لقضاء أكثر من ثلاثين يوماً سيراً على الأقدام كي تصل دمشق. كنتُ أرى للمرة الأولى خالي وزوجته وأطفاله حين وصولهم إلى بيتنا في حيّ الشيخ محي الدين. مشهد بقي في ذاكرتي طفلاً ولم تمحُه السنون، رغم كل المشاهد الأخرى التي شهدها أو عاشها أيُّ فرد عربي مثلي في أيِّ بلد عربي.. مشهد شخصي حقاً، لكنه كان مشهد آلاف الأسر في تلك السنة المأساوية في تاريخنا المعاصر التي كانت تهيم على وجهها. لا أظنها امحت من ذاكرة كلِّ من عاشها ممن استقر بهم الأمر في المخيمات داخل فلسطين أو خارجها.

هناك مشاهد أخرى من النكبة الفلسطينية ستتوالى ولا شكّ تباعاً على الأرض العربية، على معظم الأرض العربية. وستتخذ ألواناً وأسماءً شتى، ألوان وأسماء سكان مدن قناة السويس بعد هزيمة يونيو 1967، وأسماء وسكان الضفة الغربية وهم  يكررون ثانية هجرة بيوتهم وأراضيهم في السنة نفسها وفي الشهر نفسه، وسكان الجولان السوري وهم يزحفون نحو أطراف دمشق بعد إعلان سقوط القنيطرة قبل وصول العدوِّ إليها. ولسوف تتخذ أيضاً من بعدُ ألواناً أخرى في لبنان مرات عدّة وفي العراق خصوصاً شمالاً ووسطاً وجنوباً. كانت كلها تنويعات على المشهد الأول تبتعد أو تقترب منه لكنها ذات بطل واحد: الإنسان العربي المعاصر.

لكن المشهد الثاني لن يكون تكراراً للمشهد الأول بقدر ما سيكون ارتداداً له على نحو يتفجَّرُ فيه كلُّ ما تراكم على امتداد هذه السنوات التي تفصل بين المشهدين. ولأنه ليس مشهداً خاصاً كالأول، فلن يكون واحداً، بل سيضم مشاهد لا حصر لها تتوالى أمام أعيننا جميعاً منذ نيِّفٍ وأربع سنوات.. تستعيد مشهد النكبة الأولى في تلك السنة المشؤومة، لاسيّما وأنها تتمُّ باسمها ومن أجل تجاوزها ـ كما كان يُقالُ ويُكرر كلَّ يوم ولا يزال في أجهزة الإعلام العربية كلها، مثل مشاهد مسرحية تفصل بينها استراحات لا تكاد تنقضي حتى يُستأنف المشهد من جديد أكثر قوة وعنفواناً ومأساوية، فبعد نيِّف وأربعين عاماً من مشاهد تفريغ المجتمع السوري من كل شيء: من الحرية أولاً ومن الكرامة تالياً، ثمَّ من السياسة ومن العقل ومن التفكير ومن كل ما يسمح لمجتمع طبيعي أن ينمو ويتطور ويعيش عصره وزمنه، ها هي مشاهد القتل والطرد والتهجير القسري أو الهجرة خياراً وحيداً تستعيد جملة واحدة المأساة الفلسطينية/السورية/العربية في عناصرها كلها، عبر تغريبة السوريين، وتهديم بيوتهم ومدنهم وحيواتهم، في محاولة لتمزيق هويتهم الإنسانية أساساً، تماماً كما تجسّدت النكبة الأولى محاولة لإعدام شعب بأكمله عبر إنكار وجوده أساساً.

وإذا كان المشهد الأول قد اكتسب عموميته في الوعي وفي الواقع معاً بدءاً من صفته الشخصية، فإن المشهد الثاني يتخذ طريقاً معاكساً حين يكتسب الصفة الشخصية من عموميته. ذلك أنه إذ لا يقتصر على مشهد واحد ولا على عشرات منها بل ولا على مئاتها مما لا يزال ماثلاً في الذاكرة البصرية والشعورية لمئات الألوف، بل للملايين في مشارق الأرض وفي مغاربها: من خلال مشاهد البشر وقد حملوا ما يستطيعون على ظهورههم، نساءً ورجالاً، أو على مراكبهم من حيوانات أو آلات مهترئة، مما يمكن أن يقيهم البرد أو الجوع لأيام معدودات، أو على قوارب بحرية تتسع لعشرات لكنها تحمل المئات وهي تغور في المياه على مسافة مئات الأمتار من شاطئ كان يمثل الخلاص ولو لهنيهات. وربما كانت مشاهد السوريين على إثر الفلسطينيين بعد سبعة وستين عاماً وهم يهيمون على وجوههم في سهوب سوريا أو جبالها ثم في البحر الذي شهد قديما انطلاق أمواج الحضارة منها، وبعد وخلال ذلك مشاهد الفلسطينيين في مخيم اليرموك وكأنهم في يوم الحشر يخرجون جموعاً بحثاً عن لقمة لأطفالهم ولأنفسهم، هي المشاهد الأكثر فصاحة وبياناً في التعبير عن النكبة الأولى وقد صارت نكبات، وعن عدد يُحصى بمئات الألوف صار يُحصى اليوم بالملايين، وعن عدوٍّ كان واحداً معروف الوجه والقسمات والهوية ثم استحال أعداءً لا حصر لهم، أشخاصاً ونظماً ومؤسسات عائلية أو قبلية تحاول لبوس دولة وهي أقرب إلى العصابة.

كيف أمكن لهذه النكبة الفلسطينية أن تصير على التوالي نكبات مصرية ولبنانية وعراقية كي تستقرّ أخيراً سورية بامتياز؟ وكيف استحال الحلمُ بعودة سريعة واقعَ هجرات متوالية؟ وكيف اتخذت النكبة التي بدأت فلسطينية جنسيات عربية أخرى؟ وكيف استطاع العدو الأول، سارق الأرض مزيف التاريخ، أن يتكاثر تكاثر جرثومة خبيثة في ضروبٍ من أفراد مرضى بالكرسيّ وبالسلطة، أو في أنظمة تمثّلت أصول السلوك المافيوي قبل أن تعرف معنى السياسة والمجتمع والمدينة، أو في عصابات وجدت في السرقة قانونها وفي التزييف أخلاقها وفي القتل سلاحها؟

كأنها إحدى بدايات التاريخ المعاصر للعرب، لكنها بداية تبدو الآن أمام أعيننا أكثر حقيقية وأشدّ مأساوية بعد أن استقرت شيئاً فشيئاً وعلى نحو مراوغ ديمومة في تاريخهم القريب المستمرِّ منذ نيف ونصف القرن.

سوى أنها كانت بداية عيشت كما لو أنها حدث عابر سرعان ما سيستحيل من المنسيّات. وراحت الصيغ الجاهزة توحي بل تغري بذلك وهي تغطي عناوين الصحف وأعمدتها وتجري على ألسنة الناس حقائق دامغة لا تستدعي فحصاً أو نقداً أو دراسة. كانت قد أطلقت إحدى هذه الصيغ على من اعتبروا وراء هذه النكبة وسببها تتجلى في عبارة "شذاذ الآفاق". لكنَّ شذاذ الآفاق هؤلاء تمكنوا، على وجودهم وسط محيطات بشريٍّة واسعة ممن لا يمكن اعتبارهم كذلك، أن يصيروا هم الضابط الأساس للزمان وللمكان وللحدث وللتاريخ في آن معاً.  كما لو كان ذلك كله يحدث خارج الزمان أو خارج حدود العقل. على هذا النحو، ومع توالي المشاهد المتماثلة، تلاشت تحت ثقل صروف الأيام كثرة من الأوهام،  وتمَّ الانتقال من أشدها حضوراً "سنرجع حتماً" إلى حلم "سنرجع يوماً".

جاء الانقلاب العسكري في سوريا عام 1949 حلقة أولى في سلسلة انقلابات أخرى في سوريا كانت وهي تتوالى تقدم نفسها بوصفها "ردّاً" على "ضياع فلسطين" أو "عقاباً" لمن فرط بها من السياسيين أو "مشروع استعادة" لـ"الوطن السليب". لكنها كانت جميعها تقوم بتدشين ـ كما يسعنا اليوم أن نرى ـ سلسلة من نكباتٍ أخرى لا تكاد تختلف عن النكبة الأولى إلا في هوية المُسَبِّبِ أو في طبيعة السبب. وعلى أن السوريين بأطيافهم المختلفة عاشوا النكبة الفلسطينية وجدانياً ومادياً بقدر من الكثافة والحدّة قد لا يجاريهم أو يماثلهم فيهما سواهم في البلدان العربية الأخرى، إلا أن النظام السياسي السوري في بداياته سرعان ما استحوذ عليها حجة لكل تصرفاته وتبريراً في سلوكه لكل ما سيؤلف أخطاءه. لكنه إثر آخر حلقة في الانقلابات العسكرية جرت تحت عنوان مراوغ، أي حين استحال نظاماً عائلياً وفئوياً، سيجعل من النكبة الفلسطينية حجر الأساس الذي سيستحيل الشعار السياسي الأول. من "النضال لاسترجاع فلسطين" إلى "الصمود والتصدي" إلى "المقاومة" إلى "الممانعة" ثم إلى "المقاومة والممانعة" معاً.  باسم ذلك كله وبحجته وبعد أن فرغ المجتمع السوري من كل شيء: السياسة والكرامة والحرية، سيتمّ باسم ذلك كله أيضاً قتل السوريين أنفسهم. وبمساعدة حثيثة وأريحية من بلد غير عربي: إيران.

إذ بعد أن انتبهتْ هذه الأخيرة إلى الفراغ السياسي الفاضح على معظم الرقعة العربية ولاسيما تلك التي تجاورها، وجدت أن بوسعها استخدام أداتين يمكن أن تطال بهما أعماق البلدان العربية على اختلافها: بحجة "قرابة دينية" تخفي بها النوازع والمطامع القومية الدفينة أولاً، ثم بحجة "تحرير القدس" و"محو إسرائيل من الخريطة" وأخيراً "المقاومة والممانعة" شعارها وشعار عملائها في ما صارت تعتبره مجالها الحيوي: العراق وسورية ولبنان. أنشأت من أجل ذلك أحزاباً أو كتائب (مما كان سيعتبر في بلدان  سليمة سياسياً واجتماعياً "الطابور الخامس" ويُساق إلى المحاكم بتهمة الخيانة العظمى) صارت هي الآمرة الناهية في مواقف ومصائر عدة بلدان عربية. لا بل إنها استطاعت بحنكة وخبث لا تجاريها فيه أية قوة إقليمية أخرى أن تستعبد في سوريا نظاماً صار رهن إرادتها وسياستها وتحت رحمتها.

هو ذا إذن مشهد النكبة الثاني الارتدادي في أوج تجلياته وأشدها بلاغة، يمثلُ السوريون فيه هذه المرة مثلما مثل فيه الفلسطينيون من قبلُ في مشهد النكبة الأولى. وها هو مخيم اليرموك الذي يسكنه الفلسطينيون اللاجئون منذ النكبة الأولى وقد جاورهم في سكناهم السوريون، يحاصرُه منذ سنتين نظامُ "المقاومة والممانعة"، مثلما حاصر صهاينة الهاجاناه العمارة في حيفا مثلما حاصروا ثم هدموا القرى العربية وصهينوا سواها من المدن؛ ها هو مخيم اليرموك اليوم يجسِّدُ رمزَ هذين  المشهدين، رمز هاتين النكبتين: السوري فلسطينياً والفلسطيني سورياً، ودمهما المسفوح مباحاً على أيدي تجار القضايا المقدسة  وباسم هذه القضايا، زوراً وبهتاناً، لا في سبيلها.

 

* نشر هذا المقال في مجلة الهلال، أيار/مايو 2015، ص. 24 ـــ 29.

 

 

mardi 14 avril 2015


صادق العظم

حكاية البدايات

بدرالدين عرودكي



لم يسبق له أن نشر شيئاً ولم يكن يعرف اسمه أو يعرف شخصه أحدٌ بخلاف حفنة من أصدقاء قدامى حين أعلن المنتدى الاجتماعي بدمشق عن محاضرة يلقيها صادق جلال العظم ذات يوم من شتاء عام 1963 تحمل عنوان: مأساة إبليس.
ولم تكن هذه المحاضرة أول نشاط يقوم به المنتدى الاجتماعي الذي كان آنئذ يضمُّ عدداً من الشباب الجامعي الدمشقي جمعهم في نهاية الخمسينيات حبهم لفيروز حتى أطلقوا على أنفسهم "الفيروزيون"! ثم ما لبثوا أن أسسوا هذه الجمعية كي يحاولوا تحت ظلال الانقلابات العسكرية المتوالية شيئاً مدنياً على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في مرحلة بدأت العسكرة تهيمن على مناحي الحياة كلها: لقاءات، وأمسيات شعرية وأدبية، ومحاضرات ربما كان أهمها في تلك الفترة بالذات تلك التي ألقاها الدكتور بديع الكسم، أستاذ الفلسفة الحديثة في جامعة دمشق آنئذ، أيام كان شعار الوحدة والحرية والاشتراكية يُفرض في كل مكان، تحت عنوان يقول المعنى بلا مواربة: الحرية أساساً.
لم يكن قد مضى على عودة صادق جلال العظم من الولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا حيث أتم دراساته العليا وحصل على الدكتوراه في الفلبسفة أكثر من أشهر عدة. وكأنما أراد منذ لقائه الأول مع أول جمهور يلتقيه أن يعلن دفعة واحدة موقعه ومنهجه وطبيعة الموضوعات التي سيتناولها فيما بعد طوال مساره جامعياً وكاتباً وناقداً.
مأساة إبليس!
كان عنواناً يوحي بأكثر مما يقوله معناه. ولقد شعرنا منذ البداية أننا سنلتقي شاباً أخذ على عاتقه أن يعلن عن مشروعه بلا أية مواربة وفي الموضع الأخطر والأكثر إشكالاً، بل يكاد يقف في الموضع المحرّم أساساً منذ أن اغتيل عبد الرحمن الكواكبي بالقاهرة بعد حصاره والتضييق عليه في مسقط رأسه، ومنذ أن حوكم طه حسين على كتابه "في الشعر الجاهلي" ونزعت عن علي عبد الرازق صفة العالم إثر نشر كتابه "الإسلام وأصول الحكم"..
بهدوء ومنهجية كان المحاضر الشاب يطرح معظم الأسئلة التي تستدعيها قصة إبليس كما وردت في القرآن، معتمداً في محاولة فهمها وتحليلها على كبار المفسرين للنص القرآني، معتمداً أو مناقشاً أهمَّ من تطرّق للقصة من القدماء كالحسين بن منصور الحلاج أومن المحدثين كعباس محمود العقاد، محاولاً بحذر علميٍّ شديد استخلاص دلالات القصة دون أن يهمل آراء هؤلاء وأؤلئك في قراءة حاولت بدأب تجاوز ظاهرها البسيط لتنفذ إلى أعماقها الحافلة بالمتناقضات وبالاستفهامات وبكل ما حاولت مناهج التربية والتعليم الحذر من شرحه أو من تفسيره وهي تلقن كل ما هبَّ ودبَّ من خرافات استحالت في لاوعي الأجيال المتعاقبة قناعات عامة، ساذجة، راسخة في فهم الدين والتراث والتاريخ والأساطير.
وهي طريقة لم تكن سائدة لدى عدد كبير من الباحثين والكتاب في عالمنا العربي آنئذ: أن يحشد الكاتب لبحثه كل ما يمكن أن يصل إليه من وثائق مكتوبة، وأن يقرأها بعناية وتبصّر، وأن يقرر اتفاقه أو اختلافه مع مضامينها بناء على أسباب لا يتأخر عن تفصيلها ودعمها بكل ما يعتبره حجة لها أو عليها.
عندما أنهى صادق جلال العظم محاضرته بقصة توفيق الحكيم الجميلة الشهيد، التي صرخ إبليس في نهايتها  الصرخة الدامية: "إني شهيد.. إني شهيد!..." أدركت الكثرة منا أنه إن كان إبليس يستحق أن يعتبر شهيداً فمما لاشك فيه أننا أحق منه بهذه الصفة نظراً لوقوعنا في فخ الإصغاء قروناً بسذاجة إلى كل ما يقال لنا من ترهات تُربط بالدين تعسفاً أو تفسّر نصوصه أو تؤوِّل معانيها على نحو يبتعد بها عن مقاصدها، مثلما شعرتْ أن ما جاء فيها، في التحليل الأخير، لن يتلاشى بسهولة من وعينا، وأن الأسئلة العديدة التي طرحتها دراسته التي أوجزها في المحاضرة ستكون ديدنه فيما سيكتب من بعد. أسئلة تطالُ تراث الغيبيات والخرافات وتأويلاتها الأيديولوجية التي حلت بالفعل محلَّ الدين وباتت رأسَ مالٍ يستغله أرباب السياسة والأيدلوجيات على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.
على أن ما يجدر ذكره خصوصاً حول هذه المحاضرة الأولى واللقاء الأول مع الجمهور أن صادق العظم لم يكن في عرضه وفي تأويله قصة إبليس بين أمر الله ومشيئته ولا في استخلاص نتائج هذا التأويل والتفنيد بعد مناقشة كل ما استعاده من أقوال سابقيه عدوانياً، ولا مستفزاً. بل كان همه خلخلة القناعات القائمة على الخرافات أو الأساطير وهزّ الاستكانة إلى الأقوال المنقولة جيلاً عن جيل بلا تمحيص أو تحليل أو نقد عقلاني. لم يكن بوسع أحد أن يتهمه على سبيل المثال بالكفر أو بالإلحاد أو بتشجيع هذا أو ذاك منهما على الرغم من سهولة ذلك ويسره بالنسبة إلى من يعتبرون أن كل شك أو كل استفهام للنصوص القديمة خروجاً على السنة والجماعة يوجب التكفير.
تلك هي إذن التقنية التي اختطها لنفسه في البحث منذ البداية: جمع كل ما يمكن جمعه من الوثائق والمراجع ذات العلاقة، القراءة العميقة المدققة والفاحصة في السطور وفيما بينها لا للنصِّ موضوع البحث فحسب بل وكذلك للمراجع التي سبق وأن أفاضت أو أسهمت في قراءة ما هو بصدد قراءته وتحليله، وأخيراً  التحليل الذي يعتمد العقل وحده أداة. ذلك ما جعله يستطيع في ما بعد أن يواجه بثبات وهدوء منتقديه على اختلافهم، مقارعاً الحجة بالحجة، مقدِّماً العقل على ضروب النقل كلها أياً كانت حججها، فاتحاً الطريق أمام التدبّر والتفكر رغم ما يجنيه على صاحبه من شقاء بدلاً من الاستكانة إلى جهالة اليقين رغم ما تأتي به من نعيم كما قال المتنبي قبل مئات السنين!
على أنّ همّ صادق العظم الأكبر سيتجلى شيئاً فشيئاً اعتباراً من هذه الدراسة /المحاضرة في أبحاثه التالية. إذ لن يتوقف عن السير في هذا الطريق الذي افتتحه بفضل إبليس ومعونته! فلم يلبث أن كتب بحثه حول الثقافة العلمية وبؤس الفكر الديني بعد فترة قصيرة من دراسته حول قصة إبليس وشخصيته، ثم، البحث الذي نشره عشية هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967 حول التزييف في الفكر المسيحي الغربي المعاصر، والدراسة النقدية التي نشرها في عام 1968 أي بعد الهزيمة، حول معجزة ظهور العذراء وتصفية آثار العدوان، وأخيراً وهي الدراسات التي ضمَّها كتابه الشهير نقد الفكر الديني بالإضافة إلى ردٍّ على نقد تلا نشره لمحاضرته عن إبليس التي ألقاها من جديد في النادي الثقافي العربي ببيروت أواخر عام 1965. سنرى في ما تضمنه النقد بعضاً من بؤس الثقافة في عالمنا العربي لا تزال آثاره ماثلة حتى أيامنا هذه حين يجيز ناقد لنفسه على سبيل المثال أن يكتب صفحات طويلة في نقد محاضرة لم يسمعها ولم يقرأها معتمداً على مقتطفات موجزة مما أوردته الصحف منها!  
هذا الهمُّ تمثل أساساً في محاولة نقد وتفنيد الوهم المثالي الكبير الذي طغى ولا يزال طاغياً في ثقافتنا العربية والقائل على النحو الذي صاغه صادق العظم في مقدمة كتابه المذكور"بأن الأيديولوجية الغيبية والفكر الديني الواعي الذي تفرزه مع ما يلتف حولها من قيم وعادات وتقاليد هي حصيلة للروح العربية الأصلية الخالصة الثابتة عبر العصور، وليست أبداً تعبيراً عن أوضاع اقتصادية مُتحوِّلة، أو قوى اجتماعية صاعدة تارة وزائلة تارة أخرى، أو بنىً طبقية خاضعة للتحول التاريخي المستمر ولا تتمتع إلا بثبات نسبي". ولن يفارقه هذا الهمُّ في كل ما كتبه من بعدُ أياً كانت الموضوعات التي تطرق لها ما دامت تتناول الثقافة أو التراث العربيين. لكنه همٌّ لن يكون بمنأى عن مواجهة محاولات السلطات على اختلافها أن تقمع كل تعبير عنه. هكذا سيُقاد صادق جلال العظم إثر نشر كتابه نقد الفكر الديني إلى محكمة المطبوعات اللبنانية ببيروت مثلما اقتيد من قبله طه حسين وعلي عبد الرازق ومن بعده نصر حامد أبو زيد..وسيستجوب مطولاً مثل سلفيْه الشهيريْن حول أبحاثه المذكورة آنفاً قبل أن تقرر المحكمة إبطال التعقبات الجارية بحق الكاتب صادق العظم والناشر بشير الداعوق "لعدم توافر عناصر الجرائم المنسوبة إليهما"، ومثلهما أيضاً سيُخلى سبيله لكنه لن ينجو مثلهما أيضاً من عنت السلطات كافة سواء سلطة الاختصار والجهل أو سلطة سدنة النصوص المنقولة وقداستها المزعومة.
لكنه تابع طريقه، ولا يزال.
تستطيع أن تتفق معه أو أن تختلف، ويسعك أن تعترض على مقارباته أو أن تفند مستنداتها أو منهجها أو نتائجها، لكنك لن تكون بعيداً عنه، بل وستجد نفسك إلى جانبه وفي صحبته إن كنتَ كما قال وفعل أبو العلاء المعري قديماً من الذين اتخذوا العقل إماماً.
 ** نشرت هذه المقالة في مجلة نزوى العمانية، العدد 82، نيسان/أبريل 2015 ضمن ملف عن صادق جلال العظم أشرف عليه الزميل حسام الدين محمد.

كما نشر المقال في  جريدة .القاهرة" الثقافية يوم  219 تشرين ثاني/نوفمبر 2016 وعلى موقعها الإلكتروني:

http://alkahera.co/2016/12/01/%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D9%88%D8%AF%D9%83%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D9%8F%D8%A8-%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85-%D9%88-%D8%AD%D9%83/



jeudi 9 avril 2015


ياسين الحاج صالح
 
صورة كاتب مناضل
 
بدرالدين عرودكي
 
Photo: Caroline M. Poésie                                                    
لا يمكن لمحاولة تقديم صورة جانبية لكاتب في أوج نشاطه إلا أن تكون مغامرة تنطوي على خطر كبير: خطر تثبيته أساساً في وضع لا يمكن إلا أن يكون مكرساً لخيانة السمة الأساسية التي طبعت منذ البداية مساره الذي كان مدعواً إلى أن يتطور تحت ضغط أوضاع غير مسبوقة، أي أوضاع سورية السجينة خلال أكثر من أربعين عاماً والتي باتت اليوم ممزقة،  بعدَ أن تُرِكت ثورتها التي انطلقت قبل نيف وأربع سنوات إلى مصيرها المأساوي. وإذا كنتُ مع ذلك أغامر، فلأني أريد أن أحاول، دون أية مزاعم من ناحيتي في الكمال، أن أراه معكم وهو في قلب هذه الحركة، في قلب هذا التحول  الذي هو في آن واحد تحوّله وتحوّل سورية منذ أن اتخذ قراره: أن يصير كاتباً، أي، وذلك تأويلي الخاص، أن يتخلى عن أن يكون طبيب الأشخاص الذي كان خياره الأول كي يحاول أن يصير طبيب مجتمع سورية التي كانت تستعد آنئذ لمواجهة قدرها. 
لا يمكن لإنسانٌ، ينحدر من أسرة كانت سمة الإخوة فيها النضال والاهتمام بالشأن العام، أن يصير بصورة طبيعية كاتباً في سن الأربعين تقريباً وإثر ستة عشر عاماً من السجن بسبب التزامه السياسي على وجه الدقة، دون أن يترك ذلك آثاره على نوعية الخيارات التي ستفرض نفسها عليه، مثلما ستفرض نفسها بقوة الأشياء على كتاباته. والأسباب بطبيعة الحال واضحة. إذ بعد اعتقاله، وفي عتمة السجون السورية وامحاء الأسماء فيها، كان ياسين الحاج صالح يحاول أن ينتهز أفضل الفرص كي يُكوِّن شخصيته الفكرية والثقافية، وكذلك أن يحدد خياراته الجوهرية، وأن يقرر ما سيفعله و ما سيكرس نفسه له ما إن يخرج من السجن: أي أن يكرس نفسه لسورية عبر الثقافة التي لا يمكن بالطبع أن تخلو من البعد السياسي، على أن تفهم كلمة السياسة هنا بمعناها الأصلي واليوناني.
لقد شاءت صدفة التاريخ أن يتوازى انطلاقه في هذا الدرب مع انطلاق تمديد هيمنة أسرة الأسد التي تأكدت  من خلال القيام بتعميد وترسيم جمهورية سورية ملكية وراثية بلا أي حياء. شكَّلَ ذلك بالنسبة إلى ياسين أولَ مواجهة يعيشها في قلب ما عرف بربيع دمشق وفي الوقت نفسه بداية التزامه المباشر بوصفه كاتباً مناضلاً. كان ذلك في نهاية سنة 2000.
ستتتالى منذئذٍ مقالاته وفق إيقاع الأحداث ووفق إلحاح استعادة كلِّ ما كان مُحَرَّماً على المجتمع السوري أن يعيشه، أو أن يفكره، أو أن يتناوله: حريته ومصيره. وستكون الثيمات التي سيعالجها، أو سيتناولها، أو سيدرسها بعمق من التعدد بحيث يستجيب بمعالجته لها إلى مطلب المجتمع السوري في مجموعه. فهذا الأخير، بعد أن حُرِمَ زمناً طويلاً من السياسة فكراً وممارسة وأداء، وجد نفسه فجأة متعطشاً لها، راغباً في أن يُعبِّرَ عن نفسه بصوت عالٍ وقوي عبر مناقشته كل شيء من أجل أن يحاول استعادة هذا الحق في القول الحرِّ ضمن جوٍّ مفعم بالحرية المدنية والديمقراطية.
كان ياسين الحاج صالح عندئذ في قلب حركة التعبير والحرية هذه. يكفي أن نستعيد جزءاً من مقالاته المنشورة بين عامي 2000 و2011 كي نلاحظ اتساع حجم مداخلاته التي طالت ثيماتها بصورة شبه حصرية المجتمع السوري. كان في الحقيقة واعياً بالضرورة القصوى لمعالجة "الشأن السوري خصوصاً ـ كما يقول هو نفسه ـ دون إذابته في تناول عام يتكلم على البلدان العربية أو على العالم الثالث". تلك ستكون سمة كافة مقالاته أو مقابلاته أو دراساته المنجزة والمنشورة منذ دخوله عرين الكتابة النضالية وستتأكد هذه السمة أكثر فأكثر اعتباراً من بداية الثورة السورية في شهر آذار عام 2011.
تمثل الكتب الأربعة المنشورة حتى هذا اليوم، والتي تجمع الثيمات الرئيسة المدروسة والمشكلات المطروحة والمعالجة في جزء هام من هذه المقالات  الشاهدَ الأكبرَ على ذلك. فالكتاب الأول، سورية من الظل، نظرات داخل الصندوق الأسود، المنشور عام 2010، يجمع مختارات من المقالات التي نشرت بين عاميْ 2000 و2005. عالج فيه الوضع السوري الداخلي حصراً: النظام السياسي وممارساته وهياكله وأيديولوجيته.
والكتاب الثاني، أساطير الآخِرين، نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده، المنشور عام 2011، يضم مجموعة من المقالات والدراسات نصفها لم يكن منشوراً من قبل. وهو كتابٌ شجاع وشديد التوازن يعالج الثيمة الأشدّ إلحاحاً على جدول أعمال الثورة: المسألة الإسلامية، أي مجموع المشكلات الفكرية والسياسية والأخلاقية التي يطرحها وضع "الإسلام" في العالم المعاصر.
والكتاب الثالث، السير على قدم واحدة، سورية المُقالَة، الذي تمَّ إعداده في نهاية عام 2011 ونشر عام 2012 ، فهو يضمُّ اثنتين وخمسين مقالة يحمل كل منها تاريخ نشره ليحيل إلى الواقع الذي يتناوله بالتحليل.  تتوزع المقالات على خمس ثيمات تخص المسألة السياسية السورية: الدولة والسلطة: النظام السياسي ونمط ممارسة السلطة في سورية؛ التحولات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة من السنوات العشر الأولى من هذا القرن؛ مشكلة الجولان المحتل والمفاوضات السورية الإسرائيلية حوله؛ موقع سورية في البيئة الإقليمية وتحولات دورها؛ وأخيراً مسألة الهوية الوطنية السورية.
أما الكتاب الرابع، بالخلاص ياشباب، المنشور عام 2012 والمترجم مؤخراً إلى الفرنسية تحت عنوان قصّة سورية المنسية، فيضمُّ هو الآخر عدداً من المقالات والمقابلات ثيمتها الأساس سجنه وتأملاته في الأعوام الستة عشر التي قضاها في السجون السورية بحلب ثم بدمشق وأخيراً في سجن تدمر الرهيب.
كان ياسين الحاج صالح منذ بداية الثورة يقف في الصف الأول مع مجموعة من المثقفين والكتاب السوريين الذي أضفى عليهم نضالهم طوال عشرات السنين ضد النظام القائم شرعية طبيعية. أسس مع جمع من الشباب مجموعة الجمهورية من حول مجلة إلكترونية سوف تنشر بصورة منتظمة مقالات ودراسات تتناول الشأن السوري والثورة السورية. لكن همّه الأول كان مُنصَبّاً على تعميق تفكيره في عدد من الثيمات التي فرضتها الثورة أو أعادت فرضها: ومنها خصوصاً المسألة الخاصة بوجود الفكر على صعيد الثورة والتفاعل بين الثورة والفكر من جهة ومشكلة الإسلام السياسي من جهة أخرى. ذلك سيكون على الدوام موضع درس أو معالجة أو نقد انطلاقاً من مفهوم الحرية في تجلياته الأساس: الحرية السياسية، الحرية الفكرية، الحرية الدينية، الحرية الاجتماعية.
هذه الرؤية للحرية، فضلاً عن استعادة ما أخذ من أيدي السوريين بالقوة خلال خمسين عاماً هما ما يجعل من مثقف مثل ياسين الحاج صالح غير قادر، تحت نير الأسرة الأسدية، على أن يعيش في بلده، سورية، في حرية كاملة،. فبعد ستة عشر عاماً من السجن، سوف يُرْغَمُ على التواري عن الأنظار، ثم سيعيش مأساة عائلية تمثلت في خطف زوجته ورفاقها في غوطة دمشق وفي خطف أخيه في بلدته الرقة، وسجنهم دون إمكان الحصول على أية معلومات عنهم، ثم سوف يرغم أخيرا على المنفى الذي لم يؤلف في يوم من الأيام  واحداً من مشروعاته.
هذا القدر هو اليوم قدر السوريين جميعاً. وياسين الحاج صالح، بوصفه مثقفاً سورياً بامتياز، هو بالطبع أحد كبار ممثليهم.
 
 
 
** نصُّ مداخلة كتبت بالفرنسية وألقيت خلال المائدة المستديرة التي نظمها مجمع تولوز للتضامن مع سورية حول وبحضور ياسين الحاج صالح بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية لكتابه "بالخلاص يا شباب" مساء يوم 9 نيسان/أبريل 2015. 
 
 

Yassine Al Haj Saleh

Profil d’un écrivain militant

 
Badr-Eddine Arodaky
 
                                                                           Photo: Caroline  M. Poésie


Tenter la présentation du profil d’un écrivain en plein mouvement ne pourrait être qu’une aventure à grand risque : celui essentiellement de le figer dans une posture qui ne peut qu’être destinée à trahir la marque fondamentale d’une carrière et d’un itinéraire appelés dès le début à évoluer sous la pression des situations inédites, celles  d’une Syrie prisonnière durant plus de quarante ans et aujourd’hui déchirée, dont la révolution  lancée il y a quatre ans, est aujourd’hui  reléguée à son destin tragique. Si, pourtant, je prends ce risque, c’est justement et sans aucune prétention de ma part pour essayer de le voir avec vous dans ce mouvement, dans cette évolution qui est à la fois la sienne et celle de la Syrie depuis sa prise de décision : être écrivain, c’est-à-dire, et c’est ma propre interprétation, renoncer à être le médecin des personnes qui fut sa première intention pour tenter de devenir celui de la société de la Syrie alors qu’elle se prêtait à affronter son destin.
Car, devenir écrivain à l’âge de presque quarante ans, en étant issu d’une famille dont la fratrie est marquée par le militantisme et l’intérêt pour la chose publique, et suite à seize ans de prison justement en raison de son engagement politique, ne pouvait être tout naturellement sans conséquences sur la nature des options qui vont s’imposer à lui et, par la force des choses, à ses écrits. Et pour cause. Car suite à son incarcération, et dans l’obscurité et l’anonymat des prisons syriennes, il essayait de tirer la meilleure partie en lecture, écriture et épreuves visuelles et sensuelles diverses. Ce qui lui a permis non seulement de se forger, mais aussi de définir ses choix essentiels, et d’arrêter ce qu’il allait faire et à quoi se vouer dès sa sortie : se consacrer à la Syrie via la culture qui ne peut être bien évidemment sans dimension politique dans le sens originel et grec du terme.
 Le hasard de l’histoire avait voulu que son démarrage dans cette nouvelle voie soit parallèle à celui de la prolongation de la main mise de la famille Assad, confirmée suite au baptême et à l’officialisation sans vergogne de la république dynastique. C’était donc, pour Yassine, le baptême du feu en plein essor du printemps de Damas et la mise en branle de son engagement immédiat comme écrivain militant. Ce fut dès la fin de l’année 2000.
Ses articles vont se succéder au rythme à la fois des événements et de l’urgence d’une reprise de tout ce qui était interdit à la société syrienne de vivre, de penser ou de traiter : sa liberté et son propre destin. Les thèmes traités, abordés ou examinés en profondeur seront d’autant plus multiples qu’ils répondent à l’exigence de la société syrienne dans son ensemble. Cette dernière, longtemps privée et vidée de la chose politique, elle s’est brusquement trouvée assoiffée, désireuse de s’exprimer haut et fort en discutant de tout pour tenter de récupérer ce droit essentiel à la parole libre dans un climat de liberté civile et démocratique.
Yassine Al Haj Saleh, à ce moment, était au cœur de ce mouvement de prise de parole et de liberté. Il suffit de reprendre une partie de ses articles publiés entre 2000 et 2011 pour constater l’ampleur de ses interventions dont les thèmes touchent presqu’exclusivement la société syrienne. Il était en effet conscient de l’absolue nécessité de traiter « l’affaire de la Syrie spécifiquement- comme le dit lui-même -  sans la faire fondre dans une approche générale traitant les pays arabes ou le tiers-monde »[1]. Cela sera la marque de tous ses articles, entretiens ou études réalisés et publiés depuis son entrée dans l’arène de l’écriture militante et encore davantage et plus spécifiquement depuis le début de la révolution syrienne en mars 2011.
Les quatre livres publiés à ce jour, qui réunissent les principaux thèmes étudiés ou les problèmes posés et traités par une partie importante de ces articles en sont le grand témoin. Le premier livre, La Syrie vue de l’ombre, Regards à l’intérieur de la caisse noire, publié en 2010, réunie un choix d’articles publié entre 2000 et 2005. Il y est question de la situation syrienne intérieure : le régime politique, ses pratiques, ses structures et son idéologie.
Le second, Les Mythes des plus récents, Critique de l’Islam contemporain et critique de sa critique[2], paru en 2011, réunie un ensemble d’articles et d’études dont la moitié était inédite. C’est un livre à la fois courageux et posé qui traite le thème  le plus urgent à l’ordre du jour de la révolution: la question islamique, c’est-à-dire l’ensemble des problèmes intellectuels, politiques et morals posés par la situation de « l’Islam » dans le monde contemporain.
Le troisième, La marche sur un seul pied, La Syrie limogée[3],  élaboré à la fin de 2011 et paru en 2012, réunie cinquante deux articles bien référencés historiquement pour en saisir la réalité à laquelle chacun d’eux s’y réfère. Les articles se partagent cinq thèmes de la question politique syrienne: L’Etat et le Pouvoir : régime politique  et mode de l’exercice du pouvoir dans le pays ; les évolutions économiques des dernières années de la première décade de ce siècle ; le problème du Golan occupé et les négociations israélo-syriennes; le positionnement de la Syrie dans son environnement régional et les évolutions de son rôle et, enfin, la question de l’identité nationale syrienne.
Quant au quatrième livre, A la délivrance, les jeunes, paru en 2012 et récemment traduit en français sous le titre  Récit d’une Syrie oubliée, il réunie lui aussi, un certain nombre d’articles et d’entretiens dont le thème est son incarcération et ses réflexions sur les seize ans passés dans les prisons syriennes d’Alep, de Damas et surtout l’horrible prison de Palmyre.  
Dès le début de la révolution, Yassine Al Haj Saleh est au premier rang  avec un ensemble d’intellectuels et d’écrivains à qui la lutte durant des décennies contre le régime en place aurait donné une légitimité naturelle. Il fonda le groupe al Joumhouriyya, La République, autour d’un journal électronique qui allait publier régulièrement des articles et des études relativement à la Syrie et à sa révolution. Mais sa préoccupation première serait d’approfondir ses réflexions sur plusieurs thèmes imposés ou réimposés par la révolution : la question concernant la présence de la pensée au niveau de la révolution et l’interaction entre révolution et pensée d’une part et le problème de l’Islam politique, d’autre part. Cela sera toujours examiné, traité, ou critiqué sous l’angle de la liberté : liberté politique, liberté de la pensée, liberté religieuse et liberté sociale.
C’est cette vision de la liberté  et de la reprise par la main de ce qui été extorqués durant cinquante ans aux syriens qui font qu’un intellectuel comme Yassin Al Haj Salh ne pouvait pas vivre dans son pays, la Syrie,  en toute liberté sous le joug de la famille Assad. Après ses seize ans de prison, il sera forcé à la clandestinité puis, ensuite, à vivre le tragique familiale en ayant sa femme et son frère capturés, emprisonnés et sans aucune information les concernant, et, enfin, il sera contraint à l’exil dont il n’a jamais envisagé la moindre possibilité auparavant.
Ce destin est celui de tous les syriens d’aujourd’hui. Yassine Al HAj Saleh, comme l’intellectuel syrien par excellence, est, évidemment, l’un des grands représentants.




[1][1] Yassine Al Haj Saleh,  La Syrie vue de l’ombre, Préface, Editions Jidar, 2010, p. 8.
 (سورية من الظل، نظرات في الصندوق الأسود، منشورات جدار، 2010)
[2] Yassine Al Haj Saleh, Les Mythes des plus récents, critique de l’Islam contemporain et critique de sa critique, Editions Al Saqi, Beyrouthe, 2011. (أساطير الآخرين، نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده، دار الساقي، بيروت 2011)
[3] Yassine Al Haj Saleh, La marche sur un seul pied, la Syrie limogée, Editions Al Adab, Beyrouth,2012.
(السير على قدم واحدة، سورية المُقالة، دار الآداب، بيروت 2012)




* Contribution présentée lors de la table ronde organisée par le Collectif Toulouse Syrie Solidarité à l’occasion de la sortie du livre de Yassine Al Haj Saleh Récit d’une Syrie oubliée en présence de l’auteur et avec la participation de Farouk Mardam Bey, le 9 avril 2015.