شذرة من دفتر منسيّ
"هكذا، يمكن أن ننام جنباً إلى جنب، وهذا لا يعني
النوم معك!.."
وبدت في الظاهر غير مقتنعة. فهي الليلة تريد أن تقضي
الليلة وحدها. على أن تنظر في الأمر غداً. وخرجت من الغرفة بعد أن تمنت له ليلة
سعيدة. أما هو فقد خلع ملابسه واندسّ عارياً في فراشه محاولاً الاستسلام للنوم. لم
تكن مغادرتها له رفضاً لقضاء الليلة إلى جانبه أو معه. كأنما كانت تريد أن تكون
على بصيرة كاملة بما ستفعله ومن ثم فهي بحاجة إلى بعض الوقت. مثل هذه الأمور تحتاج
أحياناً إلى نوع من التأنّي على الرغم من أن عواقبها هي التي تذكر عادة بعد حصولها
بضرورته. لم يكن يدري فيما إذا كان يرغب في العودة من جديد إلى استئناف علاقة بدت
خلال حياتها القصيرة الماضية حسّاسة بأكثر من معنى وعلى وجوه متعددة. لكن طرقاتها
على الباب لم تترك له مجال الاستمرار في أفكاره. لقد اتخذت قرارها، عازمة بقوة هذه
المرّة، ولكن على ماذا؟
فتح لها الباب.
ودلفت إلى الغرفة مرحة جذلة. "حسناً! تريد أن أنام
إلى جانبك. ها أنا جئتُ، ولكن لأنام فقط .." واندسّت في السرير بسروالها
وقميصها الحريري بينما نزع هو عنه رداء الحمام الذي وضعه على كتفيه كي يفتح لها
الباب وتمدد إلى جانبها عارياً تماماً. لم تدهش وهي تحسّ به يلتصق بها في ظلمة
الغرفة. لكنها عادت تذكره ثانية بأنها إنما جاءت لتنام! وأمام عدم استجابتها
للمساته ولحرارة جسده ابتعد عنها قليلاً ليحاول الاستغراق في النوم.
بدأ يدرك ما يجري له. لم يبحث عنه ولكنه كان على وشك أن
يحدث تماماً كما لو كانت هناك قوة خارقة تدفع الأشياء بالاتجاه الذي بدأ يراه.
أعزل من أي قوة على المقاومة. "هي ذي إذن حتمية التاريخ!". (ما أكثر ما
عذبته هذه الفكرة. لكنها الآن تتراءى أمامه كما لو كانت جسماً!). لم يتساءل في
الحق عما إذا كان سيقاوم، بل عما ستتخذه الوقائع التي ستتمّ من طابع. هي ذي هنا،
إلى جانبه، ثمَّ لصقه، وها هو جسدها يتثنى مع حركات جسده. شيئاً فشيئاً أخذا،
وبصمتٍ، يتعانقان ويندمجان في حركة واحدة نحو اللحظة المنتظرة. كان في أعماقه يشعر
بسعادة غامرة. لم يكن القلق يساوره وهو يأتيها. إذ أن رجولته تتجلى في أكمل حللها
ويشعر أنه ملك الأشياء ولو للحظات. هو ذا يتحرك كيف يشاء تشاء على جسدها. لو كانت
أخرى تحته لبحث بجنون عن دخولها لكنه، معها، يتأنّى ويداري رغبة يستحيل جنونها
عقلاً. وهو يتأوّه يحاول استنطاق الجسديْن بما يكنان من جمال. من قال إن الجنة
الموعودة ليست من هذا العالم؟ هي ذي هنا. والفرق الوحيد أنها في هذا العالم لحظات
معدودات، بينما الوعد أنها أبدية!
... وهو فيها يتحسس القاع، هيّن الخطو مروياً. أين منه
كل من عرف من قبل ومن لم يعرف؟ تنظر إليه. يحاول أن يقول لها شيئاً لكن لسانه
يتحرك دون صوت والكلمة تبقى مرسومة على شفتيْن تبحثان عن خدنيهما. عيناه والرجاء
أن تستحيل اللحظات هيهات أبدية! عيناها أن ابقَ! عيناها وخيبة التكرار. يُغمضُهما
بشفتيه دون جدوى. والإحساس في الأسفل برطوبة الدفء يطويه في ثناياها. كل شيء يبدأ
من هنا ومن هنا البدء. يبحث في ذاكرته عن لحظة مثيلة. ولا جواب. يستقصي كل الثواني
التي هتف فيها لنفسه أنها فريدة، أولى، ولا جواب. يتساءل عن الأين والكيف
واللماذا، ولا جواب. يطويها بين ذراعيه ويترفق في جرّها إليه لكي يدخلها بعنف حنون
فتصل أذنيْه آهة وشهقة لذة تسري في الخلايا كأنها دمٌ جديد. يعجب أنه ملك الأشياْء
معها. يعجب أنه معها لها دون بحث أو جهد أو ألم. فيزداد قوة حانية. ويتصلب من حيث
يواصلها على غير انتظار فتحاول استيعابه تشاركها كل مسامها وأحاسيسها وخلاياها
ومواطن الجوع فيها. يتصلب لكي يزداد طعناً في حرير الدفء الرطب. يتصلبُ يواصلها.
يتوحدان. والآهات تغدو بلا عدد بلا صاحب! ما الجمال، ما الغرامُ، ما الوصلُ، ما
اللذة، ما الأبديةُ، ما الحلم، ما الواقع، ما الأريحية، ما الهيام، ما الانتظار،
ما اللقاء، ما الحنانُ، ما الحب الأليم إن لم يكن كل هذا الذي كان يجري بينهما وكأنه
بلا بدء بلا نهاية؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire