لماذا
استحق باتريك موديانو جائزة نوبل من وجهة نظرك ؟*
بدرالدين عرودكي
كان يمكن لعدد كبير من الأدباء الفرنسيين وغير الفرنسيين أن ينالوا جائزة
نوبل. ومعظم الأسماء التي قيل إنها كانت مرشحة لنيل الجائزة هذا العام كانت جديرة
بها. لكن هناك اعتبارات عديدة أظنها تلعب دوراً حاسماً في اختيار الكاتب كل عام
بصرف النظر بالطبع عن الاعتبارات السياسية التي يمكن أن يكون لها دور ما لكن ذلك
لا يعني أن معايير الحكم يمكن أن تتجاوز الاعتبارات الفنية والأدبية والثقافية.
ولو أننا أنعمنا النظر ملياً في الميزات التي توفرت في مبدعات باتريك
موديانو الروائية حتى ينال هذه الجائزة لوجدنا أنها يمكن أن تنطبق على مبدعات كافة
من سبقه ممن نالوها قبله منذ أن بدأت في الوجود عام 1901.
كتب باتريك موديانو حتى الآن حوالي أربعين رواية. واستطاع منذ الرواية
الأولى التي نشرت له عام 1968 أن يثير انتباه لا النقاد فحسب بل الجمهور العريض
الذي صار يتابعه رواية بعد رواية إلى درجة أن عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب له لا
يقل عن ثمانين ألف نسخة وفي كثير من الأحيان يتجاوز المائة ألف.
بعد أربع سنوات من نشره
أول رواية له، أي في عام 1972، نال جائزة الأكاديمية الفرنسية. ثم نال في عام 1978
جائزة جونكور. ثم منح عام 1996 الجائزة القومية الكبرى للآداب عن مجموع أعماله حتى
ذلك الحين.
لا تحصى الكتابات
النقدية التي تناولت رواياته بالتحليل والدراسة والتي تُجمِعُ جميعها على أصالة
أسلوب الكاتب وعلى الإعجاب بصياغاته وبعالمه الروائي وبطريقة نسج خيوط وبنى هذا
العالم الذي استمده من طفولته وتاريخه الشخصي الحميمي ومن خياله الخصب وبالكيفية التي مزج بها ذلك
كله بطريقة مبتكرة ومثيرة.
ذلك كله جعل من باتريك
موديانو أحد أهم الروائيين الفرنسيين في
وقتنا الحاضر. يتلقاه جمهوره كما لو كان على موعد دوري معه لا باللغة الفرنسية
فحسب بل في ستة وثلاثين لغة حول العالم ..
ومن ثم فإذا اعتبرنا أن
عناصر نجاح كاتب ما تتجسد أولاً في أهميته كمبدع على صعيد التخييل وثانياً في جدة
العالم الذي يبدعه وفي اللغة المبتكرة التي يستخدمها للتعبير عنه، وثالثاً في
أهميته وشهرته لدى جمهور واسع من القراء في بلده، ورابعاً في اعتراف المؤسسات
الثقافية الأهلية خصوصاً به كاتباً ومبدعاً، وهي عناصر متوفرة كلها في باتريك
موديانو، مثلما هي متوفرة في جميع من حمل جائزة نوبل قبله من الأدباء، أدركنا سبب
منح الجائزة هذا العام لباتريك موديانو.
لكني أود أن أسترعي
الانتباه إلى أن علينا ألا نعتبر جائزة نوبل اعترافاً لا بد منه كي يتم تكريس
الكاتب عالمياً. ما أكثر الكتاب الكبار الذين لم يحظوا بهذه الجائزة ولم ينل ذلك
لا من أهميتهم ولا من أهمية مبدعاتهم..
* نشرت في صحيفة الوفد ـ القاهرة ـ 14 تشرين أول/أكتوبر 2014 (انظر مقالة نهلة النمر)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire