lundi 21 août 2017



أدب المأساة السورية   
 بدرالدين  عرودكي  
أرى أن عليَّ البدء بالقول إنني لم أقرا كلَّ، ولا حتى معظم، ما كتبه السوريون  خلال السنوات الست الماضية عن سورية في وضعها الثوري ثم في حالتها الراهنة منذ ثلاث سنوات كبلد محتل تتناهشه ذئاب العالم أجمع وتحتله قوة عظمى هي روسيا، وقوة إقليمية هي إيران التي تحلم بتحقيق أمجاد إمبراطورية خيالية مهما كان الثمن. لكنني أظن أن ما قرأته، على قلته، يسمح لي بإبداء رأي سيبقى مع ذلك حذراً ونسبياً.
نعلم جميعاً أن الثورة حررت السوريين: تفكيراً وتعبيراً. وقد فاجأت الأقلام السورية العالم العربي وهي تنطلق من عقالها وتتناول بلا حرج ولا خوف، بل ولا رقيب داخلي، كل ما طبع أعماق حياة السوريين: العذاب والسجن والقمع والآمال الخائبة والذاكرة المحطمة. وانطلقت أصوات لم يسمع من قبلُ بها أحد، استطاعت جمعاً وفي سرعة قياسية أن تفرض الحديث عن أصوات سورية جديدة، أسهمت في تقديمها مواقع صحفية إلكترونية، ومراكز أو مجموعات بحوث ودراسات اتخذت موضوعها الهمَّ السوري في تجلياته جميعاً: نظام الاستبداد، والثورة، والمهجر/المنفى. وبدا أن هم هذه الأصوات كان إعادة بناء الذاكرة السورية التي كان تغييبها التدريجي لصالحه أول أهداف النظام الاستبدادي غير المعلنة في سورية.
كان الإنتاج الأدبي في أشكاله المختلفة أيضاً، غزيراً ووافراً. وكان السرد القصصي ولاسيما عبر الشكل الروائي صاحب الحظ الأوفر على صعيد الكمِّ بوجه خاص. وكانت فيه جوانبُ المأساة السورية المختلفة الهمَّ الأكبرَ وربما الوحيد في نتاج أصوات روائية راسخة أو مخضرمة أو صاعدة في المشهد الأدبي السوري.
سيكون من المستحيل في مثل هذه العجالة تقويم هذا النتاج ــ ولا أظن على كل حال أن الوقت قد حان لمثل هذا التقويم ــ؛ فالمأساة قائمة لا يزال يكتوي بنارها الجميع دون استثناء. والنتاج الأدبي يُعاش ويُكتب ويُنشر في قلب الحريق. ولابد من مسافة تسمح بالقراءة وبالتأمل. مسافة زمنية ولا شك، لم تتوفر بعدُ لأحد منا. لكن ذلك لا يحول دون الإشارة إلى بعض هذا النتاج مما أتيح لي الاطلاع عليه خلال السنوات الأخيرة والذي لا يمكن بطبيعة الحال إلا أن يُؤخذ بعين الاعتبار في أية دراسة أو مراجعة مقبلة لهذه الفترة الاستثنائية من حياة السوريين.
في مقدمة هذه الأعمال قصص وكتابات زكريا تامر الذي أرى أنه أهم مَنْ عبَّرَ عن العذاب السوري قبل الثورة وخلالها، وكتابه الأخير "أرض الويل" مثل بليغ على ذلك.
وتكاد أكثر عناوين الأعمال الروائية التي صدرت خلال السنوات الماضية تقول موضوع الهم السوري مباشرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: عائد إلى حلب" لعبد الله مكسور، أو "طبول الحرب" لمها حسن، "السوريون الأعداء" و "الشاعر وجامع الهوامش" لفواز حداد، و "زجاج مطحون" لإسلام أبو شكير، و"جداريات سورية:نمنوما" لنبيل سليمان، و"لاسكاكين في مطبخ هذه المدينة" و"الموت عمل شاق" لخالد خليفة، و"الذئاب لا تنسى" للينا هويان الحسن، و"لعنة الكاميديوم" لابتسام التريسي، و "الذين مسهم السحر" لروزا ياسين حسن، و"أبواب العدم لسمر يزبك.
لو اعتبرنا هذه الروايات ممثلة لمجمل الإنتاج الروائي السوري المنشور خلال السنوات الخمس الأخيرة لأمكن القول إن فصلاً استثنائياً في تاريخ الأدب السوري يكتب اليوم تصلح له تسمية "أدب المأساة السورية"، لا "أدب الحرب". ولا أشك شخصياً في أن مثل هذه الأعمال ستكون تربة خصبة لدراسات قادمة تتناولها بوصفها وثيقة أو دلالة أو ــ وهو بالفعل ما يحتاج إلى مسافة زمنية لتقريره ــ بوصفها مبدعاً أدبياً استثنائياً..  


** نشر على موقع 24 ضمن تحقيق حول "أدب الحرب" في سورية، يوم الإثنين 21 آب/أغسطس 2017 



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire