lundi 6 juin 2016


رحيل مطاع صفدي



بدرالدين عرودكي

مثلما شهد الأستاذ والمثقف والكاتب والروائي والفيلسوف والمناضل مطاع صفدي ــ وبهذه الصفات كلها ــ قبل أن يرحل نهاية حزب البعث التي سبق له أن استخلصها إثر تجربة حية وتحليل نظري صارم منذ عام 1966، شهد كذلك الثورة السورية التي حلم بها منذ ذلك الحين وكان فيها ومعها منذ انطلاقها من درعا ودمشق على سنواته التي أربت على الثمانين..لكنه أيضاً رأى بأم عينيه كل ما كان سبق  ورآه بعين التحليل الصارم من البقع والبثور ومواقع القيح التي استمر الاستبداد في استثمارها ضد السوريين كما كان وكما هو ديدنه منذ خمسين عاماً. 

شاباً كان لم يغادر فكره فضاء الشباب ونضارته وتفاؤله وكذلك ثوراته البركانية .. وككل فيلسوف حقيقي، لم يكن هذا الفكر يعرف الشيخوخة، وما كان له أن يعرفها وهو الذي أدركته التجربة نظراُ وفعلاً ولم يكن قد غادر بعدُ العشرين من سنوات عمره.

كان من أوائل الشباب الذين انضووا تحت راية البعث في بداية خمسينيات القرن الماضي، لكنه كان أيضاً أول من ثار على هذا الانضواء حين لمست أصابع حساسيته الفكرية مواضع الخلل العضوي في هذا الجسم الذي تمكن العسكر من اتخاذه ظلاً لمطامحهم ومبرراً لحماقاتهم ثم جرائمهم. فغامر في الكتابة الروائية والقصصية والمسرحية، ومارس الفلسفة والكتابة الفلسفية التي لم يتخل عنها يوماً، سواء في مشكلاتها الكبرى أو في تجلياتها على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية.

لكنه كان إلى ذلك كله صاحب أحلام ثقافية لا حدود لها..فمن الموسوعات التي حلم بإنجازها وأنجزها (موسوعة الشعر العربي) إلى مراكز الأبحاث، والمجلات الثقافية في صيغها المتوالية: الفكر العربي، ثم الفكر العربي المعاصر وربيبتها العرب والفكر العالمي.. إلى آلاف المقالات وعشرات الكتب التي كانت تحاول على الدوام طرح الأسئلة التي تمليها عليه هموم المجتمع الذي ينتمي إليه والثقافة التي لم يتوقف عن المشاركة في بنائها إبداعاً ونقداً وتحليلاً.

يرحل مطاع صفدي في غمرة المأساة التي يعيشها وطنه وثقافته وأهوال المستقبل التي تلوح في الأفق لهما..

وما أشدّ حاجتهما إليه وإلى أمثاله في غمرة هذه المحنة الكبرى..

** نشر في صحيفة العرب، 7 حزيران/يونيو 2016، ص. 14 


http://www.alarab.co.uk/pdf/2016/06/07-06/p14.pdf




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire