مع ألبرتو
مورافيا بدمشق*
أجرى اللقاء
بدرالدين
عرودكي
بالتعاون مع
الفنان الراحل
عبد القادر
أرناؤوط
من
اليمين إلى اليسار: ألبرتو مورافيا، بدرالدين عرودكي، عبد القادر أرناؤوط، محمد
الماغوط (شباط 1971)
الجنس حقيقة من حقائق الحياة الكبرى ومع ذلك فلم يكن هذا
هو الدافع الذي حمل دور النشر في بلادنا على ترجمة روايات ألبرتو مورافيا الشهيرة
التي يشكل الجنس موضوعها الرئيسي. ولعله لهذا السبب بالذات لا يتمكن القارئ العربي
الذي قرأ السأم و الاحتقار والانتباه واللامبالي أن
يتخيل كاتب هذه الروايات صحفياً يسعى وراء الأحداث الكبرى في عصرنا: من الصين حتى
أمريكا، ومن إنكلترا حتى فلسطين، لا مجرد روائي يكتب القصص المثيرة والغريبة
والفاضحة!
ولكن الجنس في العالم الغربي حقيقة على بساط البحث،
شأنها شأن حقائق الحياة الأخرى في الحياة. والكاتب الذي يحاول أن يفهم هذا العالم
لابدّ له من أن يشغل نفسه بالحقائق كلها، الحقائق الملموسة أياً كانت: جنساً أو
ثورة أو تمرداً أو بطولة أو سلوكاً فردياً أو نموذجاً إنسانياً متميزاً.
ومن هنا، فإن اهتمام ألبرتو مورافيا بالجنس كأديب لا
يتناقض مع اهتمامه بالأحداث السياسية كصحفي. إنهما بالنسبة له كإنسان غربيٍّ أولاً
، وككاتب ينتمي إلى الحضارة الغربية ثانياً، مظهران من مظاهر الحياة، حقيقتان
إنسانيتان قائمتان، لا يحول الاهتمام بأحداهما دون الاهتمام بالأخرى.
كان ألبرتو مورافيا خلال الأسبوع الماضي بدمشق. وكانت
زيارته لها زيارة عابرة اقتضتها ظروف
عمله. فقد جاء إلى المنطقة العربية موفداً
من مجلة الإسبريسّو الإيطالية ليتقصّى الأحداث الأخيرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية،
كما جاء أيضاً تلبية لدعوة حركة فتح كي يشارك في الندوة العالمية لنصرة شعب فلسطين
التي عقدت في الكويت قبل أسبوعيْن.
كنا نريد اللقاء مع ألبرتو مورافيا الروائي والصحفي
معاً. لكن زيارته القصيرة لم تكن لتسمح له ولنا بالوقت الكافي لمثل هذا اللقاء،
فكان علينا لذلك أن ننتزعه، ولو لوقت قصير، من براثن الصحافة ومشاغلها، وكان لابد
له كروائي من الإذعان.. فهو على الرغم من كل شيء روائي قبل أن يكون صحفياً.
* قبل أيام صدرت رواية جديدة لك.. عم تتحدث هذه الرواية؟
** اسم روايتي الأخيرة أنا وهو. قصة عن الانفصام
أو ما يسمى في علم النفس الشيزوفرينيا. ولكنها أيضاً قصة العلاقة الأساسية ما بين
الإنسان والجنس. (هو) يعني الجنس المذكر، و(أنا) تعني الأنا الفرويدي أو الـ Ego. إنها رواية كوميدية، أو بالأحرى
رواية تراجيدية كوميدية معاً. (الأنا) هو رجل يعمل في ميدان السينما. وهو يتحدث
طوال الوقت دون توقف مع (الآخر) الذي هو جنسه، الجنس الذكوري. الجنس ليس هنا رمزاً
وإنما هو حقيقي فيزيولوجياً. إنه جنس أكثر من عادي. والرواية تراجيدية كوميدية لأن
الجنس فيها هو الأساس، وبالمعنى الموضوعي لكلمة كوميدي.
* هذه هي المرّة الأولى التي تكتب فيها رواية كوميدية؟
** نعم.. إنها المرّة الأولى التي أكتب فيها رواية
كوميدية، ولكني كتبت كثيراً من القصص القصيرة الكوميدية. مائة وثلاثون قصة قصيرة
كوميدية.
* ذلك لأن أغلب رواياتك قد ترجم إلى العربية في حين لم
تترجم إلى العربية سوى بعض القصص القصيرة..
** لقد كتبتُ كثيراً من القصص القصيرة.. حوالي ثلاثمائة
قصة قصيرة..
* تحدثت الصحف قبل أشهر عن قيامك بتحقيق فيلم سينمائي
لإحدى رواياتك..
** لا.. لستُ أنا!
* السيناريو إذن؟
** لا. إنني لا أكتب السيناريو. ربما كان الفيلم الذي
تتحدث عنه هو الذي أخرجته زوجتي عن رواية
لي. إذ أنني متزوج من امرأة هي في الوقت نفسه شاعرة ومخرجة مسرحية ومخرجة
سينمائية. وقد أخرجت لي روايتي الحب الزوجي. ولقد أخرج من رواياتي إلى
السينما حوالي خمسة عشر فيلماً.
* كل رواياتك انتقلت إلى السينما كما أظن؟
** نعم.. جان لوك غودار، المخرج الفرنسي، أخرج رواية الاحتقار.
* لقد شاهدت فيلم الاحتقار لغودار، وأذكر أنني كتبت عنه
مقالاً تحدثت فيه عن كلٍّ من الرواية والفيلم ورؤية غودار الخاصة للرواية التي
استطاع أن يوضحها في الفيلم بجدارة مدهشة.
** نعم.. أنت تعرف أن لكل فنان رؤيته..
* بالنسبة إلى الفنانين الكبار لابدّ دائماً من أن تختلف
رؤية الكاتب عن رؤية المخرج..
** صحيح..
* هل توافق على تفسير غودار لروايتك؟
** في رأيي أن الكاتب فنان والمخرج فنان، إلا أن كلاً
منهما يعمل في مجال يختلف عن مجال الآخر. فكان من الطبيعي أن تكون لكل منهما رؤيته
الخاصة. لا يمكنك ككاتب أن تطلب من المخرج أن يكون مخلصاً لروايتك إذا كان أصيلاً.
ولا يمكننا أن نطلب منه أكثر من فيلم جيد. وأنا أرى أن غودار قد حقق فيلماً جيداً
لأن الفيلم جاء مختلفاً قليلاً عن روايتي وهذا يوضح معاناته الخاصة.
* فيما عدا غودار..ما هو رأيك بالفيلم؟
** إنه جيد كفاية فيما عدا بريجيت باردو التي لم أحبها
كثيراً.
* فقط؟
** فقط!...ذلك لأنها لم تكن ملائمة للدور الذي قامت به
في الفيلم..ها.. وفيما عدا ذلك فالفيلم جدير بالاعتبار ، أليس كذلك؟
* وكتابك عن الصين؟
** آه.. نعم ! كتبت كتاباً يحمل عنوان الثورة
الثقافية في الصين.. فقد زرتُ الصين مرتيْن.
* هو ريبورتاج.. أليس كذلك؟
** لا.. ليس تماماً. إنه أكثر من ريبورتاج وأقل من
ريبورتاج! هنالك مقدمة في شكل حوار، حوار حول فلسفة الثورة الصينية. ثم فصول كل
واحد منها يركز على مظهر من مظاهر هذه الثورة. لقد زرت الصين مرتيْن: الأولى عام
1936، أي قبل الحرب العالمية الثانية، والثانية عام 1967، بعد الثورة الثقافية.
* هل أنت قريب من الثورة الففلسطينية؟
** نعم. إنني أقوم بهذه الزيارة الحالية من أجل ذلك.
* من أجل ذلك؟
** نعم.. أعني أنني في كل فترة أهتم بعمل ما. مثلاً في
عام 1967 اهتممت بالثورة الثقافية الصينية، والآن أنا هنا لكي أعرف مجريات الأمور
في فلسطين عن كثب.
* هل تهيِّئ شيئاً عن فلسطين؟
** إنني موفد من قبل مجلة الاسبريسو الإيطالية للكتابة
عن القضية الفلسطينية على وجه التحديد وليس عن القضية العربية، وعما يجري للشعب
الفلسطيني بالذات.
* هذه هي المرة الأولى التي تزور فيها أقطاراً عربية؟
** لا.. لقد سبق لي أن كنت في البلدان العربية أكثر من
مرة. زرت اليمن وعدن وسورية ـ قبل هذه المرة ـ والمغرب وتونس وليبيا.
* يبدو أنك صديق للبلاد العربية؟
** لقد أحببت بعض البلدان العربية كثيراً، خاصة اليمن
والكويت. لم أزر الجزائر، ولا أدري لماذا. وفي المدة الأخيرة كنت بالبصرة أثناء زيارتي للعراق مع السيد وائل زعيتر. وقد
وجدت البصرة جميلة جداً. إن لها جمالها الخاص، ولاسيما مشهد النهر العظيم فيها.
* من هم الكتاب المعاصرون الذين تعجب بهم؟
** من الصعب أن أحدِّد. إذ أنني أعرف أغلب الكتاب
المعاصرين فعلاً، وأحب بعض كتب الجيدين منهم. إذ لابدّ لكل كاتب جيد من أن يكون له
رواية أو روايتين جيدتيْن.
* مثلاً؟ آلان روب ـ غرييه؟
** لقد عرفت غرييه شخصياً. إنه إنسان لطيف. ولقد أحببت
روايتيْه البصّاص و الغيرة. ولم أحب كثيراً رواية المماحي أو
رواية في المتاهة..
* وميشيل بوتور؟
** أحببت من رواياته رواية استخدام الزمن فقط..
* وفلاديمير نابوكوف؟
** نابوكوف؟ أحب روايته لوليتا!
* ماذا تجد في لوليتا؟
**الشيء المثير للاهتمام في رواية لوليتا علاقة
الفتاة الصغيرة بالرجل الكهل.. والكتاب في الحقيقة هو أمريكا القديمة.. أمريكا عام
1946 أو 1947، إذ هي الآن شيء مختلف تماماً.
* وسارتر؟ هل سارتر الحاضر هو سارتر الماضي؟
** سارتر الآن رجل سياسة!
* رجل سياسة وليس أديباً؟
** منذ مدة طويلة لم يعد أديباً. كان أديباً خلال فترة
معينة، ولكنه كان فيلسوفاً أيضاً.
* والأدب الروسي المعاصر.. ما رأيك فيه؟
** المعاصر؟ أحب كثيراً من الشعراء المعاصرين مثل
ماياكوفسكيوياسينين بلوك. هؤلاء هم المعاصرون بالنسبة إلي. كما أحب أشعار باسترناك
أكثر من قصصه. لقد عرفت باسترناك عندما كنت بموسكو، وهو إنسان لطيف جداً.
* أفتوشنكو؟
** نعم ولا! قرأت بعض قصائده. إن لديه نوعاً من الحرارة
والعطاء. ولكنني لا أعتقد أنه شاعر كبير مثل ماياكوفسكي.
* ألا تعتقد أن هناك بعض البهلوانية في شعره؟
** بهلوانية؟ أعتقد أنه رجل يعرف كيف يعمل جيداً!..
* هل تعتقد أن جائزة نوبل تمنح لأسباب سياسية أكثر منها
لأسباب أدبية؟
** أعتقد أنها تعطى لمن تكون عنده رسالة، وأحياناً تعطى
لأسباب جغرافية، وأحياناً لأسباب سياسية خاصة. على كل حال إنها لم تكن في يوم من
الأيام جائزة أدبية محضة!
* هل تعتقد أن الكاتب الصهيوني الذي نالها يستحقها؟
** لا أعرفه أبداً.. إنه يسمى آلون.. لا أعرفه ولم يسبق
لي أن قرأت أياً من كتبه.
* ما هو اتجاه الرأي العام الإيطالي بالنسبة إلى القضية
الفلسطينية؟
** هناك نقص في إعلام الرأي العام الإيطالي فيما يتعلق
بالقضية الفلسطينية. ثمة من يهتمون بما يجري في الشرق الأوسط، وقد فُهِمَت القضية
على أنها صراع عربي ـ إسرائيلي دون ذكر للشعب الفلسطيني. إن أحداً لا يعرف هوية
ووضع الشعب الفلسطيني. لا أحد يعرف ماذا حلّ به من قبل، ولا ما يحدث له الآن، ولا
ما سوف يحل به في المستقبل. الشعب الفلسطيني بلا شك عربي، لكنه فلسطيني أيضاً. ولكن
الأضواء في إيطاليا تركزت على الطابع العربي أكثر من الطابع الفلسطيني، وأنتَ تدرك
ماذا يعني ذلك.
* هذا ما يجري دائماً. هل كونت رأيك حول القضية الفلسطينية؟
** أنا في طريقي إلى تكوين هذا الرأي. ولست أستطيع التنبؤ
بما سوف أقوله، إذ أنني أفكر عندما أكتب!..
* هل صادف أن قرأتَ شيئاً من الأدب العربي؟
** لقد قرأت الأشياء التي يعرفها العالم كله. مثلاً ألف
ليلة وليلة.. ولا أعرف شيئاً عن الأدب العربي الحديث.
* وما رأيك بها؟
** إنها رائعة..
* تمَّ إجراء هذا اللقاء
بالتعاون مع الفنان الراحل عبد القادر أرناؤوط الذي كان يتحدث اللغة الإيطالية
بطلاقة وبحضور الشاعر الراحل محمد الماغوط في مقر مجلة الطليعة خلال شهر شباط/فبراير
1971. وقد نشر في مجلة الطليعة السورية، العدد 241، 27 شباط/فبراير 1971، ص. 38 ـ
39.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire