samedi 15 février 2014

معكم حول الحدث | دور الإذاعة في بلورة الوعي القومي العربي



دور الإذاعة في بلورة الوعي القومي العربي
ندوة أدارتها: رامتان عوايطية
بمشاركة: فيصل جلول ـ رامي الخليفة العلي
  بدرالدين عرودكي
بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة
13 شباط/فبراير 2014

 
 
 

 

mercredi 12 février 2014


 ربيع سورية الذبيح*
 

بدرالدين عرودكي






قبل ان يُعتقل أطفال درعا الذين تجرّأوا وكتبوا على جدران مدرستهم ما سيعتبر أول ضربة معول في جدار الخوف السوري كانت سورية سؤالاً: هل ستثور؟ ومتى ستثور؟ وعندما خرج عشرات ألوف السوريين ثم مئات ألوفهم في شوارع معظم المدن السورية تطالب بالحرية وبالكرامة محطمة جدران الخوف كلها مستقبلة بصدورها رصاص النظام صار السؤال أشدَّ دهاء: وهل هي ثورة أم مجرد حراك محدود يعبر عن وضع اجتماعي حرج؟ وعندما رفع السوريون من جديد مطالبهم للتوضيح: الحرية والكرامة، لا الخبز. صار السؤال أكثر خبثاً: مَنْ وراء هذا الحراك؟ المندسون؟ السلفيون؟ القاعدة؟ العراعرة؟ أموال السعودية وقطر؟ ثم انتهى السؤال إلى جواب يردد إعلام النظام السوري وحلفاؤه صيغة منه: مؤامرة كونية، في حين يردد عقلاء التحليلات الاستراتيجية من اليسار العربي والأوربي خصوصاً: حرب أهلية!
مئات المقالات والدراسات والتحليلات كتبت خلال السنوات الثلاث الماضية ولا تزال تكتب. وعشرات الكتب أيضاً. قليل منها ما عكس فهماً دقيقاً أو بصيراً للبلد وخصوصاً لنظامه الذي استملك سورية منذ نيف وأربعة عقود استملاكاً عائلياً محضاً، جاعلاً منها إقطاعية خاصة به.
هذا الكتاب الجديد الذي يشارك فيه أكثر من ثلاثين باحثاً وكاتباً في مختلف فروع العلوم الاجتماعية  ممن عملوا مع أو بالقرب من المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى، فرنسيين أو سوريين، يحاول من خلال قسمين، أولاهما عن صناعة الحرب الأهلية ويقع في ستة عشر فصلاً والثاني عن الأزمة المُصدَّرة ويقع في عشرة فصول، أن يقدم مفاتيح لما يبدو في فرنسا وفي أوربا عسيراً على الفهم إن حسنت النوايا. "لا ربيع لسورية" كتاب خطط له وأشرف عليه فرانسوا بورغا، مدير أبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي الذي كان إلى نيسان/أبريل 2013 يدير معهد الدراسات العربية في الشرق الأدنى من دمشق ثم من بيروت، وبرونو باولي، اللغوي ومدير الدائرة العلمية "الدراسات العربية القروسطية والحديثة" في المعهد الفرنسي المشار إليه أيضاً.
وهي مفاتيح ضروريٌّ تقديمها للقارئ الفرنسي خصوصاً وللأوربي عموماً قبل أية مقاربة لواقع الحراك الثوري في سورية ومآلاته خلال ما يقارب اليوم ثلاث سنوات، ومن أهمها: خصوصية الوضع الداخلي السوري أولاً ثم الإقليمي والدولي بعد ذلك. ومن دون التقليل من أهمية "العدوى" بين ضروب الحراك الثوري في تونس وفي مصر وفي ليبيا، لابد من التأكيد على الأسباب الداخلية للثورة السورية التي لا صلة لها بالميليشيا الجهادية الممولة من قبل قطر أو السعودية أو من كليهما معاً كما صار طبيعياً اعتبار هذه الأخيرة  الوجه والأساس في ما يحدث في سورية بأقلام أو على ألسنة صحافة وإعلام يسعى نحو الإثارة أكثر مما يعمل على بث المعلومات.
سؤال الكتاب الأساس: كيف حدث أنَّ ستة أشهر من المظاهرات السلمية في طول البلاد وعرضها ثم ما يقرب من ثلاثين شهراً من نضال مسلح نادر الضراوة لم تؤدِّ إلى النتيجة نفسها التي أدت إليها الاحتجاجات السلمية التي قام بها ثوار تونس أو مصر أو ليبيا؟ وكيف استطاع النظام الثبات والبقاء؟
منذ البداية عمل النظام في الداخل على الترويج لأطروحة عقابٍ يطاله عبر وبواسطة الجهاديين الأصوليين وينزله به الغربُ الإمبريالي لتحالفه مع إيران وحزب الله من أجل مقاومة النظام الإقليمي الإسرائيلي الأمريكي. كما لو أن المطلب الديمقراطي الذي نزل الشعب إلى الشارع من أجله يتعارض مع  النضال ضد الإمبريالية وأن برلماناً منتخباً بحرية سوف يسارع إلى بيع المصالح الوطنية والقومية إلى العدو الصهيوني وإلى رعاته من الغربيين! وجدت تلك الأطروحة قبولاً لدى رجال االنظام على مختلف مستوياتهم ولاسيما من كانوا بانتماءاتهم الجغرافية أو الطائفية يؤلفون الأكثرية الساحقة في الدوائر الأمنية أو في مراكز القيادات المختلفة في الجيش أو في مختلف المؤسّسات الأخرى.
ومن هنا كان الردُّ المباشر يتجلى في الحلّ الأمني.
من العنف غير المسبوق الذي استخدمه النظام في الرد على ثورة الشعب السوري والذي كان رده مضاعفاً على كلِّ فعل يقوم به الثوار: الرد بالرصاص على المظاهرة السلمية، وبالدبابات على حاملي الكلاشينكوف وبالمدفعية الثقيلة والطيران الحربي على حاملي قاذفات القنابل... إلى الأدوات التي لجأ إليها في حربه من أجل البقاء والإبقاء على مكتسباته والتي كانت أكثر من أن تُحْصى، ولم تكن تقتصر على العنف أو على الانقسام الواضح والعميق في محيطه الإقليمي والدولي..لم يكن همُّ النظام الأول والأساس إلا الدفاع عن بقائه.
أربعون عاماً من تفريغ الداخل كلياً من السياسة ومن السياسيين من ناحية، ومن ممارسة سياسة الترهيب والتخويف والقمع والبلطجة على الأصعدة جميعاً: الداخلي والإقليمي والدولي من ناحية أخرى.
تأتي فصول الكتاب كلها لتتناول بالعرض وبالتحليل وكذلك من خلال الشهادات الحيّة لبعض من عاشوا أو عاينوا أو عانوا هذا الجانب أو ذاك من جوانب هذه السياسة الفريدة والنادرة في عالمنا اليوم كي تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة أو ما تضمنه عنوان الكتاب الفرعي: مفاتيح من أجل فهم صانعي الأزمة وتحدياتها بين 2011 و2013. والركيزة في القسم الأول: كيفية صناعة الحرب الأهلية.
القاعدة الأساس في هذه السياسة قاعدة استعمارية قديمة أعيدت صياغتها. فبدلاً من فرِّق تسُد، فرِّق تبقى! وصيغ أخرى أيضاً: حافِظْ على الشكل وافعل ماشئت بالمضمون!. مظهر دولة ديمقراطية لا غبار عليها من حيث وجود المؤسسات وفصل السلطات ووجود الأحزاب.. إلخ.؛ لكنها دولة علمانية ظاهراً من ناحية وممارسات طائفية تتستر وراءها من ناحية أخرى.
يشير فلاديمير غلاسمان في الفصل المخصص لمصادر النظام الأمنية إلى أن أحداث حماه عام 1982 هي التي أدت إلى انقلاب واضح في وظيفة البنى الأساسية في النظام. فبعد أن كان حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، صارت الدوائر الأمنية بفروعها الأساسية تقوم بهذه الوظيفة على نحو لم تعرفه من قبل إلا الدول ذات النظام الشمولي، بل ربما تجاوزته؛ إذ بلغ عدد موظفيها الدائمين حوالي 65000 ومئات الألوف من العاملين جزئياً بحيث يمكن القول إن هناك موظفاً لكل 257 مواطناً بصورة عامة أو موظفاً لكل 153 من المواطنين الذين تجاوزت أعمارهم خمسة عشر عاماً! وقد تجلى تهميش دور الحزب في غياب انعقاد أي مؤتمر له بين عامي 1985 و2000 . وفي هذه السنة الأخيرة دعي للاجتماع فقط ليقترح وليصادق على تسمية وريث مؤسس هذا النظام أميناً عاماً قطرياً للحزب!
طالت اختصاصات الفروع الأمنية، العامة، والعسكرية، والجوية، والسياسية، مجالات حياة الناس كافة وبلا استثناء بما في ذلك تغيير محل الإقامة أو اعتناق الدين الإسلامي لتصير هذه الرقابة اليومية الشاملة مصدر ثراء رجال الأمن على اختلاف مستوياتهم. لم تكن العلاقات بين فروع الأمن هذه علاقة تعاون أفقية بل علاقة تنافس لا يحكم بينها سوى ارتباطها كلها بشخص الرئيس، لكن دائرة سلطة أو نفوذ رؤسائها تتسع أو تضيق طرداً مع علاقة قرابة هذا أو ذاك بعائلة الرئيس. وإذا شمل ميدان تدخلها أبسط أمور المواطن اليومية فمن باب أولى أن يضم كذلك مستويات أهم وأخطر كالتعيينات في مناصب الدولة المختلفة في الداخل وفي الخارج أو تقرير الأسماء التي تضمها قوائم المرشحين لعضوية مجلس الشعب أو أية هيئة أخرى من هيئات المجتمع المدني الصورية.
ومع تحديد مهمات الدوائر الأمنية اعتباراً من عام 1982، تمت إعادة تركيز مهمة الجيش على الدور الذي يفترض بالحرس الجمهوري القيام به. صارت المهمة لا الدفاع عن الأراضي بل عن النظام وحده. ذلك ما سيتجلى اعتباراً من خريف 2011، عندما عهد إلى الجيش بالعمل جنباً إلى جنب مع الدوائر الأمنية على اختلافها، على قمع الثورة بالوسائل كلها وبلا استثناء.
ما كان لذلك كله أن يظهر للعيان لولا الثورة. وما كان كذلك لكل ما حاول النظام قمعه والقضاء عليه من محاولات حثيثة لبناء أسس مجتمع مدني ونضال سلمي أن يترعرع في ظله وأن يظهر على الملأ لولا الثورة. أكبر مثلٍ على ذلك جماعة شباب داريا الذين يفرد لهم الكتاب فصلاً كاملاً كتبته كارولين دوناتي. كان الشاب غياث مطر (وقد قضى شهيداً في سجون النظام إبان بدايات الحراك السلمي في سورية)، قد تعلم الاستنفار السلمي في بيئتهم، وهي بيئة استوحت في مقاومتها للنظام منهجاً ضمن إطار تفكير ديني منفتح  اعتباراً من نهاية سنوات 1990 قام على إعادة قراءة المسلمات الدينية  في ضوء التجديد من ناحية والنقد من ناحية أخرى. كان ذلك يتم في مسجد أنس بن مالك بداريا تحت إشراف إمامه عبد الكريم السقا، وبوحي من معلمه القديم جودت سعيد، رسول اللاعنف والنقد الذاتي، الذي كانت تعاليمه تسود جلسات الشباب في المسجد طوال سنين..
لن يفوت النظام وقد اختار الحلَّ الأمني أن يبدأ على وجه الدقة بهؤلاء وأن يعمل للقضاء على أصواتهم بشتى السبل؛ ولم يكن من قبيل الصدفة أن أوائل الشهداء الذين قتلوا في السجون لم يكونوا قد حملوا سلاحاً أو نادوا إلى حمله.
وفي ظل هذا الحلِّ الأمني سوف يوجه النظام سياسته بالطبع ضمن طريقيْن يعتمدان استراتيجية متماسكة في المجاليْن الإعلامي والميداني.
سوف يستفيد في المجال الإعلامي ولا سيما عبر أدواته الإلكترونية من تجربة الحكومة الإيرانية التي سبق لها وأن قمعت ثورة مماثلة. بل وسوف تزوده هذه الأخيرة بالمعدات الضرورية للعمل في هذا المجال. سيكون للنظام جيشه الإلكتروني، وصفحاته عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، وستكون كلمات السر هي أول ما يبحث عنه كلما اعتقل النشطاء وصادر معداتهم؛ وسوف يتابع سياسته القديمة الراسخة بعدم استقبال الصحفيين العرب والأجانب إلا من المرضيِّ عنهم وعن صحفهم. وحين يقبل بمجيء هذا الصحفي أو ذاك فلكي ينقل رسالة أو ليستخدم وجودهم من أجل بث رسالة ما..لم يكن بوسع أيِّ صحفي، عربي أو أجنبي، أن يدخل سورية دون أن يرافقه طوال فترة إقامته موظف ذو صفة أمنية يشرف على ذهابه ورواحه ويقدم تقريراً بكل ذلك إلى مرؤوسيه كل يوم.
سوف يستثمر الثوار بدورهم هذا المجال على أوسع نطاق ممكن. فهواتفهم أو آلات تصويرهم الرقمية ترافقهم في كل مظاهرة. هكذا ولد صحفيو الثورة يرتجلون ممارسة المهنة ميدانياً. من الصور الثابتة توضع على صفحات التواصل الاجتماعي إلى الفيديوهات التي سرعان ما تنقل إلى اليوتوب وإلى الفضائيات العربية على اختلافها. هكذا استحال الفيديو "أداة العمل الجماعي والنضال المسلح" في آن كما تقول سيسيل بويكس في الفصل الذي كتبته تحت هذا العنوان على وجه الدقة.  لكن النظام لن يعدم فرصة يستخدم فيها هذه الأداة ليبث الشك في نفوس مستمعي قنواته الرسمية، كالفيديو الذي بثته قناة الدنيا إثر مجزرة قام بها النظام وألقى بمسؤوليتها على "الجماعات المسلحة" بداريا، كانت إحدى مذيعاتها وهي في كامل أناقتها تستجوب امرأة تلفظ أنفاسها الأخيرة كي تحدثها عن المعتدين قبل محاولة إسعافها.
أما ميدانياً فقد كان سلوك النظام من خلال استخدامه العنف غير المحدود يتطلع إلى قمع الثورة بأسرع وقت ممكن: قتل الناشطين من الشباب الثوار ولا سيما المشرفين منهم على التنسيقيات أو من الناشطين الإعلاميين سواء بعد الاعتقال أو بواسطة القنص أثناء المظاهرات؛ والحيلولة دون أن يتمكن الثوار من تنظيم أنفسهم وذلك عن طريق تقسيم السوريين وبعثرتهم على نحو يستحيل معه عليهم التواصل في ما بينهم.
لن يفوت المشرفان على الكتاب، فرنسوا بورغا وبرونو باولي، أن يكرِّسا فصلين في الكتاب يبينان من خلالهما المعنى الأعمق لما حدث ويحدث في سورية، في ما وراء التوصيف المفضل الذي يعطى له في فصول مختلفة من الكتاب: أزمة، مأساة، حرب عنيفة.. إلخ. أولهما فصل كتباه مع جمال شحيد ومانويل سارتوري، يستعيد الشعارات والصيغ التي رفعها المتظاهرون أو هتفوا بها  في أرجاء سورية كلها و يسجل منها نيفاً ومائة تندرج جميعها في ما يمكن اعتباره توصيفاً كاملاً للثورة في سورية بما انطوت عليه من قوة سياسية تقول مبادئ الثورة ومعانيها وأهدافها، بدءاً من الشعار الذي تبناه الثوار في مختلف البلدان العربية "الشعب يريد إسقاط النظام"، وليس انتهاءاً بشعار "الأموات يريدون إسقاط النظام!". وحسناً فعل مؤلفو الفصل إذ صنفوا مختارات من هذه الشعارات تحت عناوين شديدة الدلالة: سوريون قبل كل شيء (واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد؛ ضد التقسيم والتطييف (نحنا بدنا حرية، إسلام ومسيحية/ أو: دروز وعلوية)؛ تضمن المدن الثائرة (من القامشلي لحوران، الشعب السوري ما بينهان)؛ السلميّة (سلميّة، سلميّة)؛ الجيش معنا (يا جيش يا حبيب/ خلي سلاحك لتل أبيب)؛ أو للهجوم على الجولان المحتل (أسد في لبنان وأرنب في الجولان)؛ الحرية (الله، سورية، حرية وبس)؛ العدالة (شب وشبة، أنا مع القانون)؛ ضد الطغيان (ما بيتآمر عالبلاد إلا حكم الاستبداد)؛ ضد الكذبة واللصوص |(فاشل، فاشل، فاشل/ الإعلام السوري فاشل، أو ثار الشعب السوري ثار/ عالحرامي والجزار)؛ إسقاط النظام (ما منحبك، ما منحبك/ حلّ عنا إنت وحزبك)؛ الله وحده (لن نركع إلا لله)؛ الموت شهداء من أجل سورية (يا سورية ويا أمي/والله بفديكي بدمّي)؛ السخرية الفكاهة والسخرية (نطالب بزيادة أعداد الدبابات بكفر نبل للتخفيف عن حمص المنكوبة)...
هذه الشعارات غيضٌ من فيضٍ لم يتح للجمهور الغربي الاطلاع عليها ولا معرفة المعاني العميقة التي تنطوي عليها ثورة الشعب السوري والتي تقف على النقيض مما أراد النظام السوري تسويقه في الغرب على أنها مجرد مؤامرة يقوم بها تكفيريون أو إرهابيون بأوامر غربية وبتمويل خليجي!
أما ثاني الفصليْن فقد كتبه سيمون دوبوا مشيرا منذ البداية إلى أن "المحتجين السوريين برهنوا منذ المظاهرات الأولى على قدرة إبداعية  ممتازة في مجال أدوات النضال" ولاسيما الأغنية. مشيراً إلى وجود أكثر من مائتي أغنية بين نهاية نيسان/أبريل2011  ومنتصف آذار 2012، تندرج ضمن التقاليد الفنية السورية الكلاسيكية بعد أن استعيدت بفعل الثورة ولبست معانيها بصورة أو بأخرى، ومنها بالطبع أغاني إبراهيم القاشوش الذي دخل حَرَمَ شهداء الثورة وصار اسمه رمز النضال السلمي، وكذلك أغاني عبد الباسط ساروت، حارس مرمى فريق الكرامه بحمص، والتي رافقت المتظاهرين مثلما رافقت أؤلئك الذين حملوا السلاح لحمايتهم.
لن يخلو القسم الأول من الكتاب الذي كرس كما قلنا لعرض الكيفية التي تتم بها صناعة الحرب الأهلية في ستة عشر فصلاً من واحد منها يكرس للموضوع الاقتصادي. أراد النظام في الأسابيع الأولى من الحراك الثوري أن يعتبر الأمر مجرد مطالب اقتصادية يمكن حلها بسرعة معترفاً بشرعيتها. لكنَّ أياً من الشعارات التي رفعها المتظاهرون لم تكن تنطوي على مطالب أخرى غير الحرية والكرامة ولم تحد عنها طوال ثلاث سنوات من الثورة. لا يعني ذلك أن الأسباب الاقتصادية أو بالأحرى البيئة الاقتصادية لا يمكن الاعتماد عليها في تفسير انطلاق الثورة من ضواحي المدن أساساً. يلاحظ سمير عيطة في الفصل المخصص للمتغيرات وللرهانات الاقتصادية للانتفاضة أنه "كان على انطلاق "الثورة" من مدينة درعا وضواحيها (..,) أن يسم العقول، مثلما كان على الدخول السريع للعديد من ضواحي المدن في الحراك الثوري أن يدلَّ المحللين على ضروب فشل أو نسيان السياسة التي سار عليها بشار الأسد تجاه هذه الفضاءات."  وعلى أن هذه الملاحظة قد جاءت على لسان العديد من المحللين والمراقبين من قبل ولا سيما في الداخل السوري، إلا أن ثمة شبه إجماع على أن الأسباب الاقتصادية على أهميتها لا تزن كثيراً أمام الأسباب الأعمق التي حملت شعباً بأكمله على أن يثور بعد أربعين عاماً من حكم استبدادي واستعبادي غير مسبوق.
الأزمة المُصَدَّرَة" عنوان القسم الثاني من الكتاب. لقد أدى تطور الأحداث في سورية خلال ثلاث سنوات إلى أن تحمل أسماء تتباين بتباين الموقع الذي ينظر منه إليها. فهي لا تزال ثورة شعب ضد نظام مستبد في نظر معظم السوريين، وهي أزمة في لغة الدبلوماسيين على اختلافهم مثلما هي حرب أهلية في نظر بعض الصحفيين أو صراع في عيون البحاثة والدارسين. سيعالج هذا القسم آثار الحدث السوري في البلدان المجاورة التي باتت شأنها شأن القوى الكبرى فاعلة بهذا القدر أو ذاك في سورية. لبنان وما يعانيه من انقسام بين مؤيد للنظام السوري بلا حدود وخصوصاً حزب الله الذي انخرط مادياً في مواجهة الثوار السوريين، ونصيرٍ للثورة السورية يتواجد لدى العديد من الأطياف اللبنانية ويزيد من صعوبة الأزمة الحكومية في لبنان فضلاً عن الأزمة الاقتصادية والأمنية فيه؛ وفلسطين التي تتمزق بين الضفة الغربية وغزة، وبين الشعب وقادته؛ والعراق وانقسامه كذلك بين شيعة مؤيدة للنظام وسنة تقف ضده، والأردن الذي يحاول الموازنة حسب موقعه بين متطلبات البقاء ومتطلبات الضغوط المحلية والإقليمية والدولية. أما إيران فقد صارت جزءاً لا يتجزأ من الأزمة السورية؛ إذ بعد أن تضامنت مع الثورات العربية في تونس وفي مصر وفي اليمن سرعان ما قلبت ظهر المجن عند انطلاق الثورة في سورية معلنة بلا لبس أو غموض تضامنها مع النظام السوري وعاملة على تعزيز قدراته الاقتصادية والعسكرية والتعبوية من أجل قمع الثورة بشتى الوسائل. أما تركيا التي فوجئت بأوائل تطورات الثورات العربية في تونس ومصر خصوصاً ثم تبنت موضوعياً خيارات حليفها الأمريكي تجاه هذين البلدين، والتي تعثرت مواقفها في البداية من الثورة في ليبيا بسبب العلاقات الحميمة التي كانت قائمة مع نظام القذافي ثم انضمت بصعوبة شديدة إلى التدخل الغربي، فقد كانت سورية بالنسبة لها همّأً  متعدد الأبعاد: الحدود، والأكراد، وعلويي أنطاكية خصوصاً، ولا سيما بعد أن اضطرت الحكومة التركية إلى الابتعاد بحسم عن النظام السوري وإدانته بشدة، داعمة أطياف المعارضة بشتى الوسائل،  ومستمرة في استقبال أعدادٍ متزايدةٍ من المهاجرين السوريين الذين خصصت لرعايتهم ميزانية سنوية قدرت عام 2013 بمائتي مليون يورو.  يبقى أن استمرار الوضع في سورية على ما هو عليه اليوم وخلافاً للتوقعات الأولى يؤلف كابوساً مخيفاً بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي  لاسيما وأنه سيواجه استحقاقات انتخابية عام 2014.
                                          **      **        ** 
لا تتجلى أهمية هذا الكتاب الذي استعرضنا هنا بعض فصوله الهامة في كمّ المعلومات أو في الشهادات وعمق التحليلات التي تناولت مختلف جوانب الحدث السوري على امتداد سنتين ونصف السنة،  ولا في كونه أول وأشمل كتاب من نوعه ظهر منذ أن تتالت الكتب حول الربيع العربي والحراك الثوري في دوله فحسب، بل كذلك في كونه يجمع حصيلة ما امتلكه الباحثون الذين شاركوا في تحريره من خبرة عميقة بالمجتمع السوري وبنظامه السياسي القائم منذ نيف وأربعين عاماً.

 

* نشر  مجتزأً في صحيفة العرب العدد  9468 بتاريخ  13/2/2014 ، ص. 7.
http://www.alarab.co.uk/?id=15162
 


 
 
 

 

الثورة اليتيمة..

الثورة المُستمِرّة *
 

بدرالدين عرودكي

 


عشرات الكتب حول الثورة السورية، أو للدقة، حول ما يحدث في سورية منذ منتصف شهر آذار 2011 وحتى اليوم. وكذلك مئات المقالات والدراسات. "ما يحدث في سورية"، لأن كثرة ممن يتناولون الموضوع السوري لا يجمعون على توصيف ما يحدث فيها بالثورة، بل إن بعضهم لا يتردد تحت لافتات الموضوعية استخدام وتكرار مفردات ومفاهيم النظام السوري نفسه في توصيف الحدث السوري من خلال مفردات مثل: المؤامرة، الإرهاب، التكفيريون..

لكن كتاب زياد ماجد الصادر أخيراً "الثورة اليتيمة" يضع النقاط على الحروف ومنذ العنوان، كما نرى، مرّتيْن: فما يحدث في سورية ثورة، وهذه الثورة يتيمة. ذلك لا يعبر عن موقف فكري أو سياسي فحسب، بل يصدر عن توصيف موضوعي، بعيد عن الأيديولوجيات والتفكير الرغبي. يفعل زياد ماجد ذلك لأنه وقف منذ انطلاق الثورة السورية قبل ثلاث سنوات إلى جانب الذين خرجوا في أرجاء سورية كلها ينادون بالحرية وبالكرامة. ولأن هذا الموقف تجسّد في متابعة يومية، بل ساعة فساعة، لكل ما يحدث على الساحة السورية، ولكل آثار وأصداء الحدث السوري إقليمياً ودولياً وسياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً. تشهد مقالاته الأسبوعية وأحياناً نصف الأسبوعية على ذلك. تشهد كذلك صلاته بكل السوريين الذين رفعت الثورة السورية عنهم الحجب وأخرجتهم إلى النور من مفكرين سياسيين ومثقفين وثوريين وكتاب وفنانين تشكيليين وسينمائيين ممن يتواجدون على الأرض  وممن هاجروا أو أجبروا على الهجرة في أرجاء الأرض. تشهد على ذلك مداخلاته في كل ناد أو ندوة، على الأثير صوتاً وصورة، أو على مدونته الغنية، أو على صفحاته في الفيسبوك وتويتر خصوصاً حيث يتألق بنظرات ثاقبة وملاحظات ذكية وتعليقات يتناقلها الكثرة ممن صارت سورية همَّهم والسوريون عذابهم.

تتضح هذه الألفة والمتابعة الحثيثة  في هذا الكتاب الذي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه لا يأتي بجديد بالنسبة إلى ما ينشر كل يوم أو يذاع من تحليل ومن تأويل، والتي لولاها لاتخذ تصميم الكتاب فضلاً عن صياغته مساراً آخر تماماً. لكن القراءة المتأنية ستكتشف الجديد، لا في المعلومة، وهي متاحة للجميع، بل في الرؤية، وهي، كما يبدو، باتت عسيرة حتى على الرؤية!

ذلك أن أيّ تناول لما جرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة في سورية يرمي الفهمَ بمعزل عن الأفكار المسبقة والصيغ المكرورة، لابدَّ له من أن يعود بقارئه إلى الجنين الأول الذي ولد قبل نيف ونصف قرن ونما وترعرع وشبَّ خلال هذه السنوات (1963 ـ 2011) ليتجسد أخيراً في هذه الخلاصة الراهنة التي يطلَق عليها مجازاً "النظام الأسدي". وهذا على وجه الدقة ما يفعله زياد ماجد حين يعود بقارئه إلى بداية الشر أو إلى تكوينه إن جاز التعبير.

يقرأ زياد ماجد في استعادة علم الاستقلال الليبي في ليبيا وعلم الاستقلال السوري في سورية استعادة للزمن السياسي. الزمن السياسي الذي عمل النظام الأسدي منذ 1970 على وضع سورية كلها خارجه لتعيش زمنه هو. وإذا كانت الثورة السورية كما يقول هي " الأكبر" بين الثورات العربية الأخرى فلأنها "الأكثر جذرية نظراً لطبيعة النظام الذي تواجه وخصائصه السياسية والاجتماعية والأمنية"، وهي "الأكبر" أيضاً لأنها اتسعت على امتداد الأرض السورية، و"الأكبر" أيضاً  بالجهد الإعلامي الهائل الذي قام ويقوم به شبابها لتعويض غياب الصحافة العالمية التي حال النظام دون تواجدها على الساحة منذ اليوم الأول وكذلك بالعنف الذي أدت إليه بعد أن ساد خيار الحلّ الأمني الأعنف، تكراراً لما جرى بحماه عام 1982، ولكن هذه المرة على مدن سورية وقراها كافة وبلا استثناء.

ولا تفسير لطبيعة هذا العنف غير المسبوق في المنطقة العربية إلا إذا استعيدت السنوات الأربعون التي شيد خلالها الأسد الأب نظام حكم استبدادي ذي بنية لا شبيه لها بين بنى نظم الاستبداد جميعاً في عالمنا العربي المعاصر. ذلك ما قام به زياد ماجد في الفصل الأول من كتابه مشيراً بوضوح إلى العناصر الأساس في استراتيجية التشييد هذه: الاعتماد على ركائز طائفية وعسكرية وحزبية مع توحيد مراكز النفوذ فيها؛ عبادة الشخصية من خلال حضورها الرمزي تأميناً "للطاعة المدنية المطلوبة" أو "الطاعة القسرية"؛ السيطرة على كافة الأحزاب السياسية وتطويعها في الجبهة الوطنية التقدمية وتفتيت سواها عن طريق الزج بعناصرها في السجون أو تشريدها فضلاً عن الإمساك بكافة البنى النقابية للعمال والفلاحين والطلبة والشبيبة، إلخ؛ تعزيز للجانب الأمني من خلال تنظيم متعدد الفروع ممتد في مختلف عناصر النسيج الاجتماعي؛ والعنصر الأهم بما أنه يستطيع أن يفسر اليوم الكثير من تماسك النظام الأسدي، تطبيقه ومنذ بداية هيمنته على السلطة المقولة الماكيافيلية  الداعية إلى اللجوء إلى احتلال المدن وتملكها بدلاً من خنقها.

ذلك كله أدى إلى "محو كامل للداخل" سياسياً وفكرياً واجتماعياً، لصالح حضور خارجي مجلجل من خلال ما أطلق عليه سياسة الممانعة والمقاومة وعبر التحالفات الإقليمية وضروب إعادة التأهيل التي كان يسعى إليها كلما قبض عليه بالجرم المشهود هنا أو هناك. لم يكن هذا المحو للداخل مرئياً إلا لقلة من المراقبين أو الباحثين. ولن يتغير هذا البناء بعد وفاة مؤسسه. إذ أنه سيستمر خلال السنوات العشر الأولى التي تلت وصول الإبن إلى الحكم وريثاً بعد إجهاضِه في أول سنة من حكمه ربيعَ دمشق عام 2001  ثم تكميمه أفواه الموقعين على "إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي" بعد خمس سنوات من ذلك.

لن يحول هذا البناء دون انطلاق ثورة بدأت بكسر جدران الخوف جميعها حين خرج الناس يتظاهرون وحين واجهوا خلال مظاهراتهم السلمية الرصاص الحي منذ اليوم الأول. ستنطلق الثورة من درعا ومن دمشق، وستعمّ بسرعة محافظات سورية كلها خلال الأشهر التالية. ازداد عدد المظاهرات بازدياد وتضاعف عدد المتظاهرين، وكان ديدن النظام الأسدي أن يحول دون اجتماعهم خصوصاً في أي ساحة من ساحات مدينتي دمشق وحلب بعد أن شهدت حماه وحمص ودير الزور  مثل هذه التجمعات التي جمعت مائتي ألف هنا وثلاثمائة ألف هناك. لم يترك النظام وسيلة للحيلولة دون المظاهرات إلا وارتكبها: الرصاص الحي، واحتلال المدن بالدبابات وخصوصاً مدينتي دير الزور وحماه ، وتعذيب وقتل من يعتقلهم من الناشطين والإعلاميين ولا سيما منهم "أصحاب الخطاب الوطني" الجامع واللاعنفي (غياث مطر ومعن العودات ومشعل تمو)..

سيؤدي عنف النظام المتصاعد إلى ما يسميه زياد ماجد "التحول العنفي" الذي بدأ في شهر رمضان/آب عام 2011. وستبدأ مظاهر العسكرة على الطرف الآخر بالظهور، مع تتالي الانشقاقات عن الجيش النظامي وتشكيل مجموعات عسكرية تعلن عن نفسها باسم  "الجيش السوري الحر" الذي انضم إليه مدنيون متطوعون للدفاع عن التجمعات الشعبية والمظاهرات في مواجهة الشبيحة ومخابرات النظام. وستكون ذروة هذا التحول معركتا دمشق وحلب (تموز/يوليو 2012) اللتين ستبدلان في الخارطة السورية. يسجل زياد ماجد أنه في هذه الفترة بالذات سيبرز العنصر الدولي على الساحة السورية من خلال الدعم غير المحدود الذي تقدمه إيران وخصوصاً روسيا والصين باستخدامهما الفيتو لتعطيل أي قرار في مجلس الأمن يؤدي إلى إدانة النظام أو إضعافه فضلاً عن الدعم الروسي من خلال مواصلة إرسال الأسلحة الثقيلة والذخائر وقطع الغيار دون توقف. وبالتوازي ستتقدم المشهد القتالي القوى الإسلامية ثم الجهادية لتسيطر في منتصف عام 2013 على معظم مساحات هذا المشهد. لن يتوقف الأمر عند ذلك. إذ أن لجوء النظام بمساعدة إيرانية حثيثة إلى تشكيل مجموعات أطلق عليها "جيش الدفاع الوطني" وقوامه "شبان علويون وشيعة دربتهم إيران لمساعدة جيش النظام المنهك" وقيام هذا الجيش بمذابح رهيبة في العديد من المناطق السورية من ناحية، ولجوء النظام إلى تجنيد الشبان من القرى والبلدات ذات الأغلبية العلوية لاستحالة التجنيد في معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها من ناحية أخرى، أدى إلى بروز "القضية الطائفية بوصفها واحدة من أكثر القضايا حضوراً في سورية". ضاعف من وطأة هذه الأخيرة دخول مقاتلي حزب الله من ناحية والمقاتلين العراقيين من أحزاب شيعية تديرها طهران في المعارك والعمليات التي يقوم بها جيش النظام من دمشق إلى حلب من ناحية أخرى.

سيتوج هذا العنف باستخدام السلاح الكيمياوي ليلة 12 آب/أغسطس 2013 والذي سيؤدي كما نعلم إلى إعادة تأهيل النظام على الصعيد الدولي  بعد قبوله تسليم مخزونه من الأسلحة الكيماوية.

وراء كل ذلك  وعلى الرغم منه، كانت سورية الداخل المُغيّبة تبرز إلى السطح بقوة وعلى كل صعيد. وهي ظاهرة يختصها زياد ماجد بفصل كامل  حمل عنوان "ملامح لسوريا الداخل"  مسجلاً أهم هذه الملامح التي كانت مخفية خلال أربعين عاماً، وأهمها استعادة اللغة في كل تجلياتها: الرواية والمذكرات الشخصية والشعر والصحافة الساخرة أو الصحافة المرتجلة، بالإضافة إلى تفجر الطاقات الإبداعية في مجال الفن التشكيلي والسينما التسجيلية؛ الاكتشاف والدهشة: اكتشاف الناس وأصواتهم والدهشة أمام مواهب خارقة سخرية وذكاء سياسياً تجلت خصوصاً في الهتافات والشعارات خلال المظاهرات؛ تكسير التماثيل والصور؛ صور العزاء استكمالاً للمقاومة؛ هذا فضلاً عن بروز دور النساء القيادي والطليعي وفي كل ميادين الثورة ومجالاتها.

 قامت الثورة في وجه نظام استبدادي، لكنها لم تلبث أن وجدت نفسها تواجه لا حكام البلد وحدهم بل حلفاءه جميعاً، لاسيما وأنهم عملوا طوال أربعين سنة على أن يجعلوا من موقف البلد الاستراتيجي محدداً وحيداً لعلاقة العالم به كما يسجل زياد ماجد الذي ميّز على نحو واضح بين حلفاء النظام (روسيا وإيران والصين) من ناحية و"حلفاء" الثورة (دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بوجه خاص) بوضعه هؤلاء الأخيرين بين قوسين لبيان مدى الفروق بين هؤلاء وهؤلاء سواء على مستوى الدعم أو نوعيته أو فعاليته.

كان على هذه الثورة أيضاً أن تكشف عن كثير من الزيف والتزوير في المواقف. فالذين خرجوا بقوة يؤيدون ثوار تونس وليبيا ومصر واليمن صمتوا فجأة أمام ثوار سورية ثم ما لبثوا أن بدأوا حملات التشكيك والاتهامامات. لم يقتصر ذلك على فئات القوميين واليساريين في العالم العربي فحسب، بل شمل كذلك "المعادين للإمبريالية" في الغرب، يهجس بعضهم "بالمكائد والألغاز والاستهدافات الاستعمارية لنظام مقاوم" أو يكتفي البعض الآخر "عن خبث أو بلاهة أو رغبة إثارة بتشويه معنى الثورة ونزع الآدمية عن السوريين".

لن يحول ذلك دون أن تكون الثورة السورية جذرية، لا "في اللغة والشعارات وتفجر الطاقات الإبداعية كلها فحسب بل كلك في عملية الهدم (...) لكل المنظومات التي سحقتها لعقود وللشعارات التي بررت (رياءً) هذا السحق".. ولن يحول ذلك  دون هذه الثورة رغم "اليتم والآلام العظيمة" أن تكون الثورة المستمرة..

"الثورة اليتيمة" كتاب يقول "الحدث السوري" بامتياز.





* نشر في مجلة الدوحة، العدد 77، آذار/مارس 2014 ، ص.: 98 ـ 99



والمقال: