jeudi 16 mai 2019



تقزيم إيران أم تحجيمها؟ 
 بدرالدين عرودكي 
هل العالم فعلًا على شفا هاوية حرب بين إيران والولايات المتحدة، كما تهوّل بعض وسائل الإعلام في العالم العربي خصوصًا؟ وهل يسعى أيٌّ من البلدين المذكورين فعلًا  إلى شن مثل هذه الحرب؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فلماذا إذن توجيه إحدى كبرى حاملات الطائرات الأمريكية إلى مياه الخليج، والتصريحات الحربية التي يطلقها ترامب أو بومبيو أو بولتون صباح مساء، لو لم تكن ثمة نيّة مبيتة لشن حرب ولو محدودة ضد إيران؟ أم هو مجرد إجراء استباقي لأية عمليات قد تقوم بها هذه الأخيرة ردًّا على الحصار الاقتصادي الخانق الذي تعمل الولايات المتحدة على تشديده ودعمه ضدها؟ ثم، ما الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه على وجه الدقة من وراء هذا الحصار؟ هل هي الاستجابة بالفعل إلى أمنيات بعض الدول العربية في وضع حدٍّ للتمدد الإيراني في دول المشرق العربي ودفعها إلى العودة إلى داخل حدودها؟ أم هو وضع حد نهائي  لطموحها النووي والبالستي طمأنة لحلفائها كما يقول مسؤولوها أو بالأحرى لحليفها الأول، إسرائيل،  واستجابة لها هي التي دأبت على نقد الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الست (الصين، روسيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، الولايات المتحدة) مع إيران ودعت على الدوام إلى إعادة النظر فيه، إلى أن أعلن ترامب  انسحاب الولايات المتحدة منه؟
لعل السؤال الضروري بعد كل الأسئلة السابقة: هل يمكن لإيران أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام انهيار عملتها الوطنية وفقدانها موارد النفط الأهم في اقتصادها، بل وأمام ما هو أولوي في نظر قادتها: إمكان انهيار نظام ولاية الفقيه؟  وما الذي يسعها أن تفعله في مواجهة القوة الأكبر في العالم؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها وصول العلاقات بين البلدين إلى شفا الهاوية. لكن كلًا منهما كان يدير المواجهة على نحو يبقيها بعيدًا عن المواجهة العسكرية حتى في أدنى حدودها. ولعل تصريح ترامب الذي بدا وكأنه "خارج الموضوع" وسط التهديدات المتلاحقة، والذي عبر فيه عن تطلعه إلى لقاء القادة الإيرانيين للتفاوض مجدّدًا حول الاتفاق النووي، يشير إلى الهدف الأساس الذي يسعى إليه الرئيس الأمريكي: إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي رفضه في صيغته التي وقع عليها سلفه.
لكن إيران التي استمرت تقاوم المعارضة الدولية لبرنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم منذ عام 2002، وواجهت العقوبات المتزايدة التي فرضتها قرارات مجلس الأمن المتوالية بين 2006 و2011، والتي كانت تنتظر أن يؤدي الاتفاق النووي الموقع عام 2015  إلى وضع حدٍّ لها، لن تقبل الخضوع تحت وطأة الحصار الاقتصادي مهما بلغت شدته، وسوف تعمل على التخلص منه بمختلف الوسائل التي باتت تملكها والتي لا تؤلف قوتها العسكرية وحدها عمادها.  
ذلك أنها، وهي تستعيد حلم الشاه الإمبراطوري في الهيمنة على المنطقة العربية وتعتمده من جديد مشروعًا توسعيًا باسم ثورة الشعب الإيراني التي استحالت "ثورة إسلامية" تحت حكم ولاية الفقيه، بفضل هيمنة رجال الخميني وأنصاره عليها، استطاعت إيران  الخميني ثم خامئني أن ترسخ بالتدريج وجودًا استعماريًا في بلدان المشرق العربي خصوصًا، فريدًا، لا يشبهه أو يضاهيه أي وجود استعماري آخر عرفه تاريخ الاستعمار قديمًا أو حديثًا. لم تستخدم في سبيل هذه الهيمنة جيوشًا مدججة بالأسلحة تنقلها إلى البلدان التي كانت تريد الوصول إليها والسيطرة على مقاديرها، ومن ثمَّ الإشراف على مختلف مراكز السلطة والحكم فيها. بل كانت وسائلها إلى ذلك متعددة، بعضها يعتمد على قوى وتنظيمات محلية تشرف على إنشائها وتنظيمها ومدها بالمال وبالسلاح كما فعلت في لبنان منذ إنشائها حزب الله واعتماده وكيلًا لها، أو اعتمادًا على النظام الحاكم كما في سورية التي استثمرت فيها، ببطء طوال حكم الأسد الأب ثم بصورة مكثفة وسريعة ومباشرة خصوصًا اعتبارًا من عام انطلاق الثورة الشعبية ضد النظام الأسدي 2011، قواها كلها من أجل التغلغل عميقًا في نسيجها الاجتماعي والاقتصادي والعسكري بواسطة الميليشيات التي جندتها لهذا الغرض جنبًا إلى جنب حزب الله الذي وضع كل قواه في خدمة هذا الهدف؛ أو في العراق بعد أن أتاحت لها الولايات المتحدة منذ عام 2003 فرصة التغلغل في نسيجه الاجتماعي وصولًا إلى مراكز القرار السيادي فيه؛ أو في اليمن من خلال الحوثيين. فضلًا عن محاولاتها الفاشلة في البحرين وفي السعودية، والتي يفترض أنه لا تزال لها فيهما خلايا نائمة يمكنها استثمارها كلما دعت حاجتها إلى ذلك.
تلك في الواقع هي القوة الإضافية التي سهرت إيران مستفيدة من مرحلة النكوص التي يعيشها العالم العربي طوال العقود الأربعة الماضية على ترسيخها وتنميتها من أجل استثمارها ومن ثمَّ استخدامها، عند الحاجة، في تحقيق أهدافها السياسية والتوسعية كما فعلت في كلٍّ من العراق وسورية واليمن. لا بدَّ هنا من الإشارة إلى أنها استطاعت تنمية وتنظيم هذه القوى تحت نظر ورقابة القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. كما لو أن غياب مقاومة هذا التوسع كان عنصرًا من عناصر "الفوضى الخلاقة" التي تبنتها وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الإبن، كوندوليزا رايس، سياسة معتمدة في منطقة المشرق العربي، سياسة لا تزال كما يبدو قيد التطبيق بأساليب متباينة في عهد الرئيس الحالي.
ويبدو أن ترامب لا يسعى من وراء الحصار الاقتصادي إلى تحقيق مطامح حلفائه العرب في تقزيم إيران بقدر ما يستهدف حماية إسرائيل عن طريق إرغام إيران على الاستجابة إلى مطلبين رئيسين: إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي وإدخال تعديلات جذرية عليه يحرم إيران من أية إمكانية مستقبلًا لتطوير أدنى قوة نووية عسكرية من ناحية، وإنهاء أي تواجد عسكري لها في سورية سواء عبر حزب الله أو الميليشيات الأجنبية التي استخدمتها لدعم حزب الله في مغامرته السورية. أي بما يستجيب حرفيًّا لمطالب إسرائيل الملحة. ولعل هذا ما يفسر الأخبار التي انتشرت حول دمج عناصر هذه الميليشيات في الجيش السوري النظامي وتجنيس أفرادها. بعبارة أخرى، لا تستهدف الولايات المتحدة تقزيم إيران بل تحجيمها سعيًا إلى الاستفادة من تواجدها بل ومن توسعها في العالم العربي بعيدًا عن إسرائيل.
فيما وراء ذلك، لا تبدو هناك أية مصلحة أخرى تدفع الولايات المتحدة إلى أية مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران. ومن الواضح في هذه الحالة أن يكون أقصى ما يمكن أن تلجأ إليه إيران، ردًّا على حصارها الاقتصادي، يتمثل في تحريك هذه القوى لتحقيق أهداف محدودة غايتها تحذير أوربا بوجه خاص في مجال الطاقة، كما تجلى ذلك في الهجوم المحدود على  السفن التجارية في منطقة الخليج مؤخرًا والذي نفت إيران القيام به. هل سيؤدي ذلك إلى دفع الولايات المتحدة تحت ضغط غير مؤكد من حلفائها في أوربا إلى تخفيف الحصار؟ وهل تأمل إيران أن تجد في الصين تعويضًا ولو جزئيًا، هذا في الوقت الذي تسعى فيه هذه الأخيرة إلى حل مشكلاتها الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة؟
أكبر الظن أن الوقت سيطول قبل أن تقبل إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى. وربما لن تقبل الجلوس قبل أن تتمكن، بطريقة أو بأخرى، من تأمين قواعدها التي تضمن استمرار نفوذها الذي لن تتخلى عنه مادام العالم العربي يعيش هذا النكوص على الصعد كلها في ظل أنظمة الاستبداد القائمة اليوم.

** نشر على موقع جيرون يوم الخميس 16 أيار/ مايو  2019.



jeudi 2 mai 2019



العرب أمام حكم العسكر 
بدرالدين عرودكي
"لا توجد تجارب في التاريخ الإنساني تواجد فيها مدنيون في مجلس عسكري. ورغم ذلك، سنخوض التجربة. ولكن بالتأكيد سيكون رئيس المجلس هو رئيس المجلس العسكري الانتقالي. والسيادة لمجلس السيادة." جملة قالها صلاح عبد الخالق، عضو المجلس العسكري بالخرطوم تعليقًا وجوابًا على مطالب قادة الحراك المدني بمشاركة أغلبية مدنية في مجلس الرئاسة الانتقالي. هكذا، في السودان، ومنذ الإطاحة بعمر البشير على أيدي عدد من القادة العسكريين كشف هؤلاء عن مشروعهم: مجلس عسكري سيادي يمارس السلطة خلال سنتين قبل نقلها ـ افتراضًا ـ إلى المدنيين بعد إجراء الانتخابات. وحين استفحلت المظاهرات في مختلف المدن السودانية، بقي قادة الجيش مصرّين على عدم التخلي عن السلطة السياسية للمدنيين، تاركين لهم في أفضل الأحوال، استثناء، ثلاثة مقاعد من عشرة في المجلس الرئاسي الذي لابد من أن يرأسه عسكري، هو قائد الجيش.  
أما في الجزائر، فلا يزال رئيس أركان الجيش أيضًا، وهو يؤكد على دعم المؤسسة التي يرأسها لمطالب الشعب، يستمر في الإصرار على تجاهل مطالب الجماهير الرئيسة التي تنادي بإسقاط النظام كله: منهجًا ورجالًا ورموزًا، متمسكًا بدستور ومؤسسات هذا النظام نفسه، معتبرًا أن الطريق الوحيد للاستجابة إلى هذه المطالب هو تطبيق الدستور حرفيًّا، وهو ما يعني في نهاية الأمر ضمان الاستمرار بوجوه جديدة تفرزها انتخابات تجري، كما جرت سابقاتها، حسب الأصول نفسها تحت إشراف القوة الرئيسة ذاتها، قوة الجيش.
هل من حاجة إلى القول إن هذين الموقفين المتشابهيْن لقادة الجيش في البلديْن يقولان واقع وموقع السلطة السياسية في كل منهما، ماضيًا وحاضرًا، مهما اختلفت الوجوه والأسماء، وأنهما يتطلعان مستقبلًا للبقاء باسم "الأمن" و "الاستقرار"؟ 
صحيح أن خروج الجماهير في البلدين العربيين قد أعاد الحياة إلى الربيع العربي الذي عملت كل قوى الاستبداد والسلفيات المتنكرة بلباس الحداثة في عالمنا العربي على القضاء عليه، ويبدو أنها عازمة، هذه المرة مستفيدة من دروس سورية وليبيا، على القضاء على عودته في مهدها بأي ثمن، بالحيلة والمماطلة أولًا، أو بالمساعدات السخية ثانيًا لتوطيد سلطة من يقوم بالتنفيذ، أو بالقوة إن لزم الأمر، باسم القضاء على الفوضى تارة والحفاظ على "أمن البلاد" تارة أخرى. لاشك أن الجيش وحده هو القوة القادرة على تنفيذ ذلك. الجيش الذي لم يتوقف واقعيًّا في معظم الجمهوريات العربية، منذ استيلائه على السلطة اعتبارًا من منتصف القرن الماضي، عن ممارستها مباشرة أو من وراء ستار. بحيث بدا العسكر في العالم العربي كما لو أنهم صاروا بعد الاستعمار، قدَرَهُ الجديد. بل بلغ الأمر، من أجل شرعنة وتبرير امتلاك العسكر السلطة المطلقة دون سواهم، أن أجرى طبيبٌ وُرِّثَ رئاسة الجمهورية في سورية دورة عسكرية سريعة حمل على إثرها رتبة عسكرية عليا ووزعت صوره باللباس العسكري لتأكيد شرعية رئاسته للبلاد، وفي الوقت نفسه شرعية حكم العسكر الأساس، بما أن الرئيس لابد من أن ينتمي إلى الجيش ويحمل إحدى رتبه.
كانت محاولات الشعوب العربية في عام 2011 مجتمعة ولكن من دون اتفاق مسبق أو تنسيق، تستهدف جوهريًّا وضع حدٍّ لأكثر من ستين عامًا من الحكم العسكري الصريح أو الخفي في بلدانها، ساعية إلى الاستحواذ مجدَّدًا على حقها في حكم نفسها بنفسها وبإرادتها. على أن الجيش التف على مطالبها بحجج مختلفة، ولكن بوسيلة واحدة لا يعرف أصلًا سواها: القمع بالعنف.
صحيح أن ظاهرة الحكم العسكري خلال النصف الثاني من القرن الماضي لم تكن مقتصرة على جمهوريات العالم العربي وحده، بل كانت منتشرة في معظم بلدان العالم الثالث أو القارات الثلاث، ولاسيما منها تلك التي نالت استقلالها خلال تلك الفترة. لكن أكثر هذه البلدان استطاع الانتقال تدريجيًا إلى الممارسة الديمقراطية والحكم المدني، باستثناء الجمهوريات العربية التي ووجهت محاولاتها الوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي بثورات مضادة قامت بها المؤسسة العسكرية أو بحرب شعواء شنتها أنظمة الاستبداد ذاتها أو بدائلها.
المشكلة على الصعيد النظري أن اهتمام العلوم الاجتماعية بالظاهرة العسكرية واقترانها بالديكتاتورية والاستبداد واعتماد العامل العسكري فيها لم يبرز إلا في منتصف ستينيات القرن الماضي حين نشر كورت لانغ عام 1965 دراستيْن  حول  علم الاجتماع العسكري. ويكاد أنور عبد الملك أن يكون المفكر العربي الوحيد الذي اهتم بهذه الظاهرة في العالم العربي خصوصًا وفي دول القارات الثلاث عمومًا، حين نشر بالفرنسية عام 1962 كتابه مصر، مجتمع عسكري، الذي ترجم إلى العربية ونشر في طبعتيْن بعنوانيْن مختلفين، الأول،  مصر، مجتمع يبنيه العسكريون، والثاني، المجتمع المصري والجيش. سوى أن العنوان العربي في صيغتيْه يبقى أقرب إلى مضمون الكتاب من العنوان الفرنسي، ولاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار بحثيه اللذين نشرهما في ستينيات القرن الماضي وضمهما كتابه الجدلية الاجتماعية الذي نشر عام 1972 ونشر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عام 2005، أي بعد ثلاثة وثلاثين عامًا، ترجمة عربية له مختلفة نسبيًا عن النص الفرنسي، أشرف على مراجعتها المؤلف نفسه. فبحثه عن الجيش والتكنوقراطية في القارات الثلاث لم يترجم إلى العربية في حين أعيدت كتابة بحثه الآخر، "الجيش في الأمة، إسهام في نظرية سوسيولوجية للسلطة"،  تحت عنوان "الجيش والأمة: جوهر السلطة الاجتماعية". والفرق واضح في الدلالة بين العنوانيْن! كتبت دراسات عبد الملك المشار إليها بعد عشر سنوات على استيلاء الجيش على السلطة في مصر، أي في المرحلة التي كان فيها اليسار المصري يستعيد مواقع أمامية في الإعلام وفي السلطة في عهد عبد الناصر. ومن ثم كان من الطبيعي أن ينظر إلى الجيش بوصفه المؤسسة القادرة على استعادة العمل في بناء الدولة الحديثة عبر ترسيخ استقلالها واستئناف ما كان محمد علي قد بدأه قبل نيِّفٍ وقرن من ذلك ولاسيما في مجال بناء الصناعات الحديثة والثقيلة، وتعميم التعليم ومجانيته.
وأكبر الظن أن الزمن كان كفيلًا بحمل أنور عبد الملك على إعادة النظر في بعض كتاباته في هذا المجال كما فعل في الطبعة العربية لكتابه الجدلية الاجتماعية الذي ضم أبحاثًا كتبت كلها قبل وفاة عبد الناصر عام 1970 ولم تشهد التغييرات العميقة وفداحة نتائجها لا في المجتمع المصري فحسب بل كذلك  في المجتمعات التي حكمها العسكر خصوصًا في ليبيا وسورية والعراق والسودان. فالمعايير التي عناها في توصيفه النظري للجيش في الأمة خلال ستينيات القرن الماضي لا يمكن أن تنطبق على مختلف الجيوش العربية حتى في خطوطها العريضة. ولعلها تكون الأكثر بعدًا حين يتعلق الأمر بتوصيف الجيش السوري منذ أن عكف حافظ الأسد على إعادة هيكلته وتنظيمه وصوغ عقيدته القتالية طوال سبعينيات القرن الماضي. ذلك ما يمكن رؤيته اليوم عيانًا، بالمقارنة مع موقف الجيش السوري من الحراك الشعبي عام 2011 ، موقف كلٍّ من الجيش الجزائري والجيش السوداني من الحراك الشعبي القائم اليوم في كلٍّ من البلدين، وهذا على اختلاف كل واحد من هذيْن الجيشيْن عن الآخر في التكوين التاريخي وفي التجربة العملية منذ تأسيس كل منهما.
من المحتمل ألا يقبل قادة الجيشيْن الابتعاد عن ممارسة السلطة مباشرة ما لم ينتبهوا إلى أن الوضع التاريخي قد تغير وأن وعيهم بهذا التغير يمكن أن يؤدي بهم إلى القيام بالدور المركزي الذي هو دور الجيش في الدول الديمقراطية الحديثة. وربما كان الوصول إلى صيغة تضمن مشاركة متوازنة في السودان بين الجيش والمدنيين خلال مرحلة انتقالية يتوصل فيها الطرفان إلى إعادة تحديد دور كل منهما في حياة الدولة والمجتمع، أو الوصول إلى صيغة في الجزائر يكفل فيها الجيش قيام حكم مدني ديمقراطي يؤسس قطيعة مع السنوات الأربعين الماضية ويكون ضمنها الضامن الأساس للتوازن بين السلطات الثلاث، يمكن أن يكون اليوم الحل الأمثل على طريق اعتماد الدور المشار إليه ضمن ظروف إقليمية ودولية لا يمكن أن تتيح أية حركة طبيعية في اتجاه ترسيخ الدولة المدنية الديمقراطية المأمولة.

** نشر على موقع جيرون يوم الخميس 2 أيار/مايو 2019.