jeudi 28 décembre 2017


حين تكون الإجابات أسئلة
بدرالدين عرودكي 
صاغ عدد من المفكرين العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إشكالية النهضة، كما كانوا يرونها، في سؤال كان قوامه المقارنة بين النهضة الغربية الطاغية وبين وضع العالم العربي الآسن في زمنهم: لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟ وقد اصطدمت مختلف الإجابات التي اتخذت من هذه المقارنة أساسًا بما كانوا يظنونه أو كما تراءى لهم السبب على أنه يكمن في "خصوصية الثقافة العربية ـ الإسلامية". هكذا تنوعت الإجابات. فمن قائلٍ بضرورة اقتباس منجزات الحضارة الغربية التقنية مع ضرورة المحافظة على الهوية العربية وخصوصيتها، فبرزت فكرة "الأصالة والمعاصرة"؛ ومن منادٍ بالعودة إلى الأصول الثقافية والحضارية  في القرن السابع الميلادي التي أتاحت نمو حضارة عربية وإسلامية كانت في أساس النهضة الغربية الحديثة، فنمت فكرة "الأصولية الإسلامية" التي بدت عقلانية في بداياتها ثم ما لبثت أن اتخذت، مع مرِّ السنين، صورًا مختلفة تفاوتت بين الانفتاح النسبي والانغلاق الصارم.
على أن الصيغة الأولى، التي مالت إليها النزعات القومية في العالم العربي، لم تؤد في حقيقة الأمر إلى أكثر من مماحكات وجدالات بقيت حبيسة فضاءات محدودة على الصعيد النظري، لاسيما وأن محاولات ترجمتها إلى مشروع سياسي اقتصرت على عملية تلفيق ساذجة، حازت شعبية واسعة، لكنها لم  تقدم أو تؤخر شيئًا في مجاليْ هذه الثنائية. وهو ما فرض ضربًا من الجمود ابتليت به حركات التحرر "التقدمية"، القومية منها واليسارية، نظريًا وعمليًا، منذ ما يقرب من نيف وستين عامًا.
أما الصيغة الثانية فقد تفرعت بها السبل. من التطرف النظري الذي تطلع إلى إعادة نقاء وخشونة وزهد فترة الدعوة الإسلامية، مرورًا بمختلف النظريات التلفيقية التي أريد بها حصر الاستفادة من التقدم الغربي بمنجزاته التقنية المحضة كما لو أن بالوسع فصلها عن سياقاتها التاريخية والاجتماعية من ناحية، وبناء دولة إسلامية على غرار دولة الخلفاء الراشدين ــ بوصفها المثل الأعلى في نظرهم ــ من ناحية أخرى؛ وصولًا إلى مختلف اتجاهات تطلعت إلى قراءة التراث الفقهي كي تستخرج منه "ما يلائم" الحياة المعاصرة مع البقاء ضمن حدود النص، على ألا يقتصر المراد من هذا الأخير على النصوص المؤسِّسَة، بل يتجاوزها إلى كل ما يمكن أن يدخل في باب الفقه الإسلامي على امتداد العصور. وشأن الصيغة الأولى، وجدت صور محدودة العدد من هذه الصيغة بعضَ محاولات جادة تنم عن قدرات معرفية استثنائية وعن بصيرة حادة في الفهم وفي التأويل، ومحاولات  أخرى كانت أحيانًا صارمة في التطبيق في عدد من البلدان العربية، لم يكن من شأنها إلا أن تكشف الكثير من التناقضات على الصُّعد الفردية والاجتماعية والمؤسساتية.
وكما سبقت الإشارة في مقال "ويحدثونك عن التنوير"، لم تكن محاولة الخروج على هذه الصيغ جميعًا غائبة عن المشهد الثقافي والسياسي العربي خلال قرنين. ولعل هذا ما يفسر بالأحرى بعض أسباب وأد المحاولتين الجذريتيْن المشار إليهما فيه. على أنه إذا كان وأد المحاولة الأولى قد نتج عن كسر المشروع السياسي الأشمل الذي انطوى عليها، فإن وأد المشروع الثاني جاء على أيدي كافة القوى السياسية والفكرية الفاعلة أو المؤثرة التي كان يُنتظر منها توفير كل إمكانات الاستمرار والتطوير. فما الذي جعل الطريق مسدودًا إذن في وجه هذه الصيغ الأولى، على تباعدها أو تلاقيها في بعض المجالات، سواء على الصعيد النظري أو على الصعيد العملي؟ وما السبب في الإسراع بوأد أي مشروع آخر يقف على النقيض من الصيغ الأولى ويحاول تجاوزها؟
هل يكمن السبب فعلًا في "خصوصية الثقافة العربية" التي يؤلف الإسلام قوامها، أم في القراءة التي نقدمها عن أو لهذه الثقافة بصورة أو بأخرى؟
ربما كانت الإجابة عن هذه الأسئلة تكمن في أسئلة أخرى ذات صلة حميمة بصميم الموضوع، منها على سبيل المثال لا الحصر: ما الذي جعل صحابة نبي الإسلام أكثر حرية في فهم آيات القرآن في سياقاتها ومدلولاتها ومراميها من كل الذين جاؤوا بعدهم  أيًا كانت صفتهم أو مراتبهم؟ أو، ما الأساس الذي اعتمده هؤلاء الصحابة أنفسهم لحل المشكلة الكبرى، السياسية والاجتماعية والدينية، التي نجمت عن وفاة النبي؟ أو، ما الذي يعنيه الناسخ والمنسوخ في القرآن الذي جاء به الوحي منجمًا خلال ثلاثة وعشرين عامًا؟، ولماذا لم يجرؤ أحد على طرح السؤال الضروري من أجل فهم الدلالة والمعنى واستخلاص النتائج التي يؤدي إليها كل من الدلالة والمعنى؟ ولماذا صمت الجميع عن قراءة أخرى وتأويل آخر للناسخ والمنسوخ غير ما اعتدنا قراءته في كتب الفقهاء المعتمدين؟ أو، كيف علينا أن نفسر، ومن ثمَّ أن نفهم، تعدد التأويلات أو القراءات في عصر واحد، ثم في عصور مختلفة؟ أو، ما هي دلالات هذه الاختلافات، في القراءة وفي التأويل، ونتائجها في الزمان وفي المكان؟ ثمة كذلك، أسئلة أخرى لا حصرَ لها، تتناول "السنة النبوية" ومجموعات "صحيحها" التي ركن معظم الفقهاء إليها ثم استقروا على اعتمادها دون أدنى نقد تاريخي أو لغوي أو نصّي يقتضيه عادة كل نصٍّ تاريخي. وربما أخيرًا وليس آخرًا، وفي سؤال راهن مبنيٍّ على مجمل الأسئلة السابقة: ما الذي نعنيه بالشريعة الإسلامية اليوم؟ هل هي النصوص المؤسِّسَة، أي القرآن والحديث، أم هي أيضًا مجمل التراث الفقهي المبني على النصوص المؤسسة في عصور مختلفة وأماكن متباينة؟
لا بد من القول، في ضوء ما سبق، إن المسألة ليست هنا بالسهولة التي يظن البعض إمكان مقاربتها بها. لا بل هي أخطر من أن توضع يقينًا بين أيدي من لا يملكون الأدوات الضرورية (وهي أدوات لغوية ومعرفية، تاريخية وفقهية) في مقاربة أمور على هذه الدرجة من الاتساع والتعقيد والخطورة.  ذلك أن أي قراءة تعيد حرفيًا واحدة أو أكثر من القراءات التي تمت من قبل في زمان ومكان مختلفين، وشروط لا تمت إلى الحاضر بصلة، لن تكون أكثر من إضافة هامش على هوامش سابقة عليه، يبتعد بها عن المتن، وتخطئ هدفها الراهن؛ كما أن كل قراءة ــ ولاسيما تلك التي تتطلع إلى ضرب من القطيعة المعرفية ــ لا تأخذ بعين الاعتبار واقعة الإيمان بوصفها "الأيديولوجية الوحيدة  المقبولة كما هي عليه بالنسبة لمجموع الأمة"، كما يقول أنور عبد الملك، ــ وهي طريقة براغماتية حقًا، لكن لا سبيل فيما أرى إلى تجاهلها ــ، لن تبلغ مراميها المنشودة كما أمكن للقراءات السابقة أن تبلغها في عصرها.
ذلك أن أساس الإشكالية لا يكمن في الإسلام دينًا أو ثقافة، وهو الذي اجتاز عصور الانتصارات والأمجاد مثلما عرف عصور النكبات والهزائم، بل في طبيعة ونهج قراءته التي قام بها، لا صحابة النبي فحسب، بل معظم الفقهاء الذين عرفهم تاريخه وهم يجيبون، عبر قراءتهم، عن الأسئلة التي كان العصر الخاص الذي كانوا يعيشون فيه يطرحها عليه وعليهم، بما أنهم كانوا يقومون بقراءته آنئذ. وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه معظم من تصدوا لقراءة الإسلام تراثًا وفقهأ ونصوصًا مؤسِّسَة، على الأقل خلال القرن الأخير من تاريخه من خلال حسم في الطريقة وفي المنهج.
كل ذلك، في الأساس، كي لا تبقى مسألة القطيعة المعرفية، المطروحة بإلحاح في الوضع الراهن، قصرًا على نقاش النخب فيما بينها كما كانت عليه في الماضي البعيد والقريب.

** نشر على موقع جيرون الخميس 28 كانون أول/ديسمبر 2017



jeudi 21 décembre 2017


الدمية ومهزلة الحل السياسي 
بدرالدين عرودكي
 الصفاقة والوقاحة، معنيان متقاربان في القاموس العربي لما يمكن أن يوصف به سلوك رأس الطغمة الحاكمة بدمشق حين قال قبل أيام: من يقتل جيشه أو شعبه فهو خائن، ظانًا أنه بمثل هذه الجملة القطعية يستطيع أن يدفع عن نفسه سلسلة الجرائم الموصوفة التي ارتكبها منذ ما يقارب سبع سنوات ولا يزال يرتكبها يوميًا، مثلما ارتكبها بصورة منتظمة منذ استيلائه على السلطة عنوة وكذبًا ونفاقًا، بحق سورية شعبًا وأرضًا ومدنًا ووطنًا وتاريخًا وتراثًا. تلك على كل حال كانت طريقته في تزوير الحقائق، وأسلوبه في الكذب والإنكار منذ أول مظاهرة خرج الشباب السوري فيها يطالبون بالكرامة وبالحرية قبل المناداة بإسقاطه وإسقاط نظامه الأعنف والأخبث والأشد إجرامًا من كل الأنظمة التي عرفتها سورية على امتداد تاريخها الألفي. من الواضح أنه كان يدرك فداحة ما يعمله، لا لأنه يتمتع بدعم لا حدود له من قبل حليفيْه إيران وروسيا فحسب، بل أيضًا، لأنه ربما كان يعرف أنه مُجاز لفعل ذلك بلا حساب، أيًا كانت مسرحيات الإدانة والاستنكار التي صدرت من الدول التي قدمت نفسها بوصفها أصدقاء شعب سورية؛ وكان الأولى أن تستمر في ممارسة نفاقها العريق الذي بات صنوًأ لسياساتها ولمزاعمها في الدفاع تارة عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتارة في الدفاع عن حقوق الإنسان.
لكنَّ هدف الرسالة التي أراد بثها لم يكن في الحقيقة يقتصر على مجرد دفع التهمة عن نفسه فحسب، بل كان يتجاوز ذلك إلى محاولة إثبات استعادته أهليته السياسية كاملة، بارتجاله موقع رئيس طبيعي، يتمتع بكامل الصلاحيات في اتخاذ قراراته بصورة مستقلة، واضعًا لهذه الدولة أو تلك شروطه للتعامل معها، أو معبرًا عن تفضيله لمؤتمر سوتشي على مؤتمر جنيف، أو مانحًا الأمم المتحدة موافقته على قيامها بمراقبة انتخابات يريد أن يشرف عليها شريطة احترام "السيادة" السورية التي سمح لكل شذاذ الأرض بانتهاكها ماداموا يحققون هدفه في الإبقاء على كرسيه، ناسيًا أنه لم يعد يستطيع التحرك قيد أنملة سياسيًّا أو عسكريّا إلا وفق إرادة وبعد إجازة من يسميهم حلفاءه، في الوقت الذي يظهر هؤلاء الأخيرون للعالم أجمع، ولاسيما روسيا، كيف يعاملونه بصفته الحقيقية: وكيل مصالحهم في سورية.
يعرف رأس الطغمة الحاكمة في سورية أن السوريين الذين خرجوا ضده، أي كل سوري عانى خلال حكمه وعلى يده من قتل أقاربه وأصدقائه، أو من الاعتقال، أو من التهجير ، أو من قصف مدينته بقنابل وبراميل طائراته، لم ولن يصدق حرفًا مما يريد إثباته. كما يعرف حق المعرفة أن أحدًا منهم، وهم أكثرية السوريين الساحقة، لن ينتخبه ــ إلا في الظروف ذاتها ــ إي إلا تحت مطرقة وتهديد أجهزته الأمنية التي يضفي عليها اليوم صفة السيادة الوطنية في وجه رقابة الأمم المتحدة ــ الطبيعية ــ على الانتخابات.
لكنه يريد أن يدخل الطمأنينة على قلوب معاونيه وشركائه في الجريمة: ها هو يستعيد قبضة "الرئيس الحازم" الذي يخاطب رؤساء العالم وكأن شيئًا لم يكن؛ فهو باق في مكانه، وسوف تجري الانتخابات، ولكن بشروطه هو، أي بما يكفل له الانتصار فيها بعد أن أعلن انتصاره الحربي دون أن يعترف أن ذلك، إذا تحقق فعلًا وهو ليس كذلك، قد تمَّ، لا بمساعدة، بل بفضل شريكيه: الإيراني على الأرض والروسي في السماء وفي مجلس الأمن!
ولا يمكن لمن يرى هذه الدمية في حركاتها المرضية إلا أن يتساءل عن شعور حُماتِها الظاهريْن في طهران وفي موسكو، والخفييْن في تل أبيب وواشنطن، إزاء هذا الرجل الذي كان سيواجه مصيرًا أشدّ سوءًا من مصير القذافي، لولا توافقهم جميعًا على ضرورة بقائه  ــ حتى إشعار آخر على الدوام ــ  للحفاظ على مصالحهم. فهده الدمية لا ترى مسًّا بالسيادة السورية حين يصرح مسؤولو إيران عن أن لاشيء في سورية يتقرر سياسيا من دون طهران، ولا عن الاحتلال الروسي وقواعده العسكرية الراهنة والآتية، ولا عن القاعدة والتواجد العسكري الأمريكيين على الأرض السورية، ولا عن القصف الإسرائيلي شبه اليومي لقواعد حلفائه وحماته من الإيرانيين ووكلائهم على مسافة قريبة من قصره. لكنه يرى جيدًا انتهاك "السيادة السورية" في الرقابة الصارمة التي تعِدُ بها الأمم المتحدة على انتخابات توشك أن تودي به ــ كما يخشى لو تمت ــ وفق الشروط  الأممية.
هوذا في النهاية تجسيد الحل السياسي المُراد، والذي نادى به الجميع ــ أي من حلفاء النظام ومن "أصدقاء الشعب السوري"، منذ أن تم القضاء على الثورة السورية، تمهيدًا، به وبواسطته، لتأهيل النظام نفسه، برأسه وبمجرميه على اختلاف مستوياتهم. إذ ما كان يبدو قبل عدة سنوات تواطؤًا حول الشأن السوري بين روسيا والولايات المتحدة، بات اليوم اتفاقًا واضحًا، وإن غير معلن، على قواعد لعبة، تكاد تكون غير مسبوقة على الصعيد العالمي، قوامها المحافظة بطريقة أو بأخرى، وحتى إشعار آخر ما، على النظام الأسدي، بما في ذلك ــ إن أمكن ــ  رأسه على وجه التحديد. لم تكن إيران غائبة عن هذا التواطؤ من قبل، وهي اليوم حاضرة كل الحضور، وإن هامشيًا، في الاتفاق الحالي. ولم يغير منه اختلاف الإدارة في البيت الأبيض بين ديمقراطية وجمهورية.  أما وجود الطغمة الأسدية، فهو بلا شك رهن إرادة الثلاثة ودعم كلٍّ منهم على طريقته، مادامت هي والدمية التي تمثلها، حتى الآن، تؤدي الدور المرسوم لها والذي يستجيب على نحو غريب لمصالح كل طرف على حدة، على ما بين الثلاثة من تناقضات يمكن أن تطيح به في أي لحظة إذا ما تصادمت يومًا ما.
فبين مؤتمر جنيف الأول عام 2012، والمؤتمر الأخير، في المدينة ذاتها، عام 2017، استطاعت روسيا، وبمباركة أمريكية خفية، أن تستأثر بالحل عن طريق صيغ مختلفة بدأت من آستانة مرورًا باتفاقات خفض التصعيد المحلية وصولًا إلى مؤتمر سوتشي الموعود الذي تطمح فيه روسيا، ومن ورائها جميع الدول الحليفة للنظام و"الصديقة للشعب السوري"، أن تغرق وفود المعارضة بهذا العدد الهائل من المدعوين للخروج بقرارات تصوغها الدبلوماسية الروسية ويوافق عليها المؤتمر، كي تظهر روسيا على الملأ بما تسميه الحل السياسي: متمثلًا في دستور لم يضعه ممثلون حقيقيون للشعب السوري، وانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة لكنها تستجيب، وبإيماءة روسية بالموافقة،  لما سماه رأس الطغمة الحاكمة "السيادة السورية"، ورئيس في النهاية ــ أيًا كان ــ على رأس نظام لا يختلف في قليل أو كثير عن النظام الذي نادى الشعب السوري الثائر بإسقاطه: لا في بنيته، ولا في مناهجه، ولا في أهدافه خصوصًا: قمع كل صوت حر، وتأجيل الاستجابة إلى مطالب الحرية والديمقراطية إلى يوم ما، "حين يبلغ الشعب ذروة نضجه" كما وعد مستبدو العالم العربي جميعًا  قبل أن يلقوا مصيرهم المحتوم..
ومع ذلك.. مع كل ذلك، لا يزال هناك أمل في إنهاء هذه المهزلة لو أراد من بيدهم اليوم القدرة على أن يفعلوا: قلب الطاولة على الجميع.. ذلك سلاح الضعيف دون شك.. لكنه ربما كان السلاح الأنجع..السلاح الأنجع استجابة لدماء الذين قتلوا وهم يأملون في سورية حرة..

** نشر على موقع جيرون، الخميس 21 كانون أول/ديسمبر 2017.



jeudi 14 décembre 2017


التنوير بين الثقافة والسياسة 
 بدرالدين  عرودكي 
هل يمكن فصل المشروع الثقافي، نهضويًا أو تنويريًا، عن المشروع السياسي؟ أو، هل يمكن لأي مشروع سياسي ذي معنى أن يتم في غياب مشروع ثقافي؟
في أذهان بعض من يطرح التساؤلات حول قدرة المثقفين العرب على، أو عجزهم عن، القيام بدورهم التاريخي في الحراكات الثورية التي أطلق عليها اسم "الربيع العربي"، نسخة طبق الأصل عن الصورة الآلية التي قدمتها الكتب المدرسية العربية حول علاقة سببية مباشرة بين مثقفي التنوير الفرنسيين خصوصًا ــ والأوربيين عمومًا ــ والثورة الفرنسية عام 1789، وصارت، بعد رسوخها في الذاكرة، مجرد شعارات آلية فارغة من أي مضمون حقيقي: "الفكر ينتج الثورة"، أو "لا ثورة بلا فكر". لكن التاريخ ــ كما نعلم ــ لا يعيد نفسه، مثلما لا تتكرر أحداثه بعد وقوعها في أرجاء أخرى من العالم. فمن الأوْلى إذن أن تُقرَأ هذه الأحداث، كما ينبغي أن تقرأها كل دراسة جادة، ضمن ظروفها وشروطها الزمانية والمكانية، وصولًا إلى ما يمكن استنتاجه منها من عناصر أو قوانين اجتماعية أو سياسية يمكن الاستفادة منها، مع الأخذ بعين الاعتبار نسبية أي قانون يمكن الوصول إليه في العلوم الاجتماعية والإنسانية عامة، مهما كانت درجة الدقة في صوغه أو في التعبير عنه.
والواقع أنه ليس من الممكن مقاربة مسألة دور المثقفين في العالم العربي في أي حراك ثوري حديث أو معاصر عبر مماهاتها مع دور المثقفين في الثورة الفرنسية أو سواها من الثورات الأخرى في العالم. ولم تكن المقاربة السريعة، التي سعى إليها المقال الأخير "ويحدثونك عن التنوير"، تود أن تشير إلى أكثر من محاولتيْن جذريتيْن في تاريخنا الحديث تطلعتا إلى تحريك المياه الآسنة منذ أربعة قرون مضت على المحاولة الأولى وخمسة على الثانية، وكيف أنهما، كلاهما، وُئدتا، على اختلاف ظروف كل منهما: الأولى مع انهيار المشروع السياسي الذي ولدت معه وضمنه، والأخرى بسبب غياب المشروع السياسي عن الثانية أساسًا وتقاعس أو جبن السياسيين الوطنيين عن احتضانها. ذلك أنهما كانتا، كلاهما أيضًا، جذريتيْن في مطامحهما، أي تستهدفان قطيعة معرفية في القراءة وفي التأويل وفي البناء عليهما.
لا يعني ذلك، كما يمكن أن يظن البعض، أن على المثقفين أن ينتظروا مشروعًا سياسيًا يحتضن مبادراتهم بقدر ما يعني ــ بالأحرى ــ أن تنطوي مشروعاتهم الفكرية ذاتها على الحض على صوغ مشروع سياسي. من الواضح، خلال القرنين الأخيرين، أن المفكرين العرب، في كل مكان من العالم العربي، لم يتوقفوا عن مثل هذه المحاولات في مختلف الميادين، لا بل دفعوا ثمنًا فادحًا بسببها في حياتهم أو في معيشتهم أو في حرمانهم من حريتهم عبر السجن أو النفي. لكن ما هو أكثر وضوحًا كذلك أن هذه المحاولات اصطدمت أيضًا، وعلى الدوام، بجهل السياسيين أو بجُبنهم أو بتقاعسهم، فلم تحظ، كما كان ينبغي لها، باعتمادها في مجال السياسة العملية، ولا بالدفاع عنها وعن أصحابها أمام دعاة السلفية والجمود، ولا في إتاحة الفرصة لها عبر فضاء حرية يتيح لها التراكم والتفاعل والإخصاب. ولهذا بقي معظمها حبيس دائرة النخب العربية التي أنتجتها أو التي تفاعلت معها، لا تتجاوزها إلى مختلف الفضاءات الاجتماعية كي تصير جزءاً من المكتسبات العامة التي تصوغ، بفعل ثراء عناصرها، الذهنية العامة، أو الوعي العام، بما يجعلها، عبر استمراريتها، حاضرة على الدوام.
خلال ما لا يقل عن خمسين عامًا على الأقل، لم تكن هذه الممارسة على صعيد السلطة السياسية التنفيذية فحسب، بل على صعيد مختلف الأحزاب والجماعات السياسية التي كان يفترض بها، هي قبل غيرها، وقبل استيلاء العسكر على الحكم، أي قبل ما يقارب سبعين عامًا، أن تسهم في نشر وفي استمرارية وفي تحويل هذا الفكر النقدي، الذي عرفه العالم العربي على امتداد أكثر من قرن ونصف، إلى قوى مؤثرة وفاعلة. صحيح أنها قُمِعَت أو تلاشت تحت وطأة هيمنة الاستبداد في تنويعاته المختلفة، عسكرية أو ملكية مطلقة أو مدنية، فلم يكن بوسع أيٍّ منها بالتالي أن يؤدي أدنى دور في الفضاء العام، بله العمل على ترويج مقولات مختلف ضروب الفكر النقدي. لكن الأنكى من ذلك، أن رقابة السلطات الاستبدادية تراخت إزاء كل ما يفيد هيمنتها، ولاسيما نتاج مختلف أيديولوجيات التجهيل والجمود الظلامية التي نمت وترعرعت خلال ما لا يقل عن خمسين عامًا في أرجاء العالم العربي، مستفيدة من كل ما تتيحه لها الوسائل التقنية الحديثة، ولا سيما الفضائيات المجانية التي انتشرت كالنار في الهشيم في الفضاء العربي خصوصًا، بحيث بدا هذا الأخير وكأنه يرتدُّ على عقبيه قرونًا، لا عقودًا من السنوات. لكن ما فاقم من خبث الاستبداد هذا، كان تواطؤ ما بات يُعرَف بمثقفي السلطان الذين ارتجل البعض منهم أنفسهم مفكرين وباحثين، أو البعض الآخر، من الذين أغرتهم منافع الثروة، فوصل بهم الأمر إلى أن يجعلوا من أكثر التيارات ظلامية وجمودًا ونكوصًا، تيارات تنويرية أو ثورية، وقاموا بإدراجها بكل صفاقة ضمن حركة التنوير الحديثة!
هذا ما أدى إليه تضافر الاستبداد والفكر السلفي والمفكرون الانتهازيون، معًا. وكان أن تجلى فضلًا عن ذلك في قيام هؤلاء الأخيرين بدورهم على نحو أكمل عند انفجار الشارع العربي قبل سبع سنوات. لم يكن مفاجئًا، والحالة هذه، أن تسارع هذه القوى الظلامية إلى الاستحواذ على ثورة لم تكن أصلًا داعية أو محركًا لها، وإلى العمل على تفريغها، بفعل ذهنيتها وطبيعة أيدلوجيتها، من كل المعاني التي انطلقت بفعلها ومن أجلها، وأخيرًا، إلى تسليمها ثمرة إلى من يقوم بالقضاء عليها وعلى المعاني التي حملتها.
لا يمكن، كما يبدو في ضوء ما سبق، فصل الثقافي عن السياسي، شريطة أن يفهم السياسي بالمعنى الإغريقي للكلمة، أي علم تنظيم المدينة، أو، بلغة عصرنا الحاضر، الدولة. إذ لا يمكن للثقافي، مشروعًا أو نتاجًا، أو ممارسة، أن ينمو ويؤدي وظيفته إلا في ظل دولة تتيح له كل الحرية الطبيعية التي تتيح له ذلك بلا قيد أو شرط. كما لا يمكن للسياسي بالمعنى المذكور أن يتخلى عن الثقافي لأنه لابد من أن يكون في أساس قوامه. لا يمكن، أيضًا، لغياب المشروع السياسي إلا أن يشي بضرب من طبيعة استبدادية ما، يُعرّيها غياب أي فكر يمارَس في حرية تامة، بلا حسيب ولا رقيب. لا شك أن بوسع المفكرين خصوصًا، والمثقفين عمومًا، أن يعملوا في السر، خارج حدود رقابة النظم الاستبدادية. ولقد عرف التاريخ أمثلة فاعلة وفعالة كثيرة على ذلك. وهذا ما بات اليوم ممكنًا بفضل كسر جدران الخوف كلها، رغم عنف وهول الثورة المضادة، بعد أن خرج الناس ينادون بالكرامة قبل الخبز.
تبقى المسألة الأساس: طبيعة القطيعة المعرفية الحقيقية التي لم يجرؤ أحدٌ، بعد، على القيام بها..


** نشرت على موقع جيرون، الخميس 14 كانون الأول 2017.


jeudi 7 décembre 2017


إيران  وإسرائيل 
خرافة  المقاومة ومهزلة المقارنة 
بدرالدين عرودكي
بعد ثمانية عشر عامًا من الهيمنة المباشرة، انسحبت إسرائيل بقرار أحادي الجانب من جنوب لبنان عام 2000، فانهار مع انسحابها جيش لبنان الجنوبي بقيادة عميلها أنطوان لحد. وفور الإعلان عن ذلك، هرع حزب الله إلى "تجيير" هذا الانسحاب لحسابه الخاص، واضعًا في خدمة هذا التجيير كل الوسائل التي يمكن أن تجعل من هذا "الحدث" صورة المقاومة المثلى ضد إسرائيل، لا قرين لها في أي بلد عربي آخر خاض المعارك ضد إسرائيل منذ إعلان هذه الأخيرة نفسها دولة، محاولة بها إلغاء وجود شعب وتاريخ وثقافة.
في غمرة هذا الضجيج الإعلامي المصطنع، تمكن حزب الله من فرض صيغة أعاد بها كتابة تاريخٍ لهذا الحدث غاب فيه لا خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، ومذبحة صبرا وشاتيلا، والاحتلال الأسدي، ودور مختلف القوى اليسارية الذي كان يتلاشى تدريجيًا تحت وطأة احتكار حزب الله الفعلي والمطرد لأداء دور "المقاومة" في الجنوب فحسب، بل وما هو جوهري في كل هذا: معنى ودلالة وهدف وجود "حزب الله" في المشهد السياسي والعسكري اللبناني، على وجه الدقة، وفي هذه المرحلة بالذات. موجز الصيغة هو ما استقر في أذهان الرأي العام اللبناني والسوري خصوصًا، والعربي عمومًا: حزب الله هو القوة الوحيدة بين كافة القوى العربية التي استطاعت إرغام العدو الإسرائيلي على الانسحاب بقوة السلاح لا بالمفاوضات، وبالتالي استعادة الكرامة العربية. وبعد ست سنوات من ذلك، أي في عام 2006، أضيف إليها الصمود ثلاثة وثلاثين يومًا في وجه العدو، مع تغييب آثار هذه المغامرة التي قام بها حزب الله ضد إسرائيل على صعيد الدمار والتهجير وعدد القتلى من المدنيين.
ذلك ما كانت إيران تسعى إليه على وجه الدقة، منجزة المرحلة الأولى من تحقيق غايتها حين أنشأت وموّلت وسلّحت حزب الله بالتواطؤ مع الأسد الأب في سورية تحديدًا. فقد رأت في إرغام إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من لبنان فرصة ذهبية لها، كي يتقدم وكيلها حزب الله، ويحل محلها مستهدفًا الوصول إلى تنفيذ سياستها، تحت غطاء وباسم مقاومة إسرائيل. أما المرحلة الثانية، فقد أعقبت اغتيال الحريري (الذي اتضحت فيما بعد مسؤولية حزب الله في تنفيذه)، ثم عدوان إسرائيل عام 2006، وصولًا إلى احتلال بيروت عام 2007، الذي كان ردًا على محاولة الحكومة آنئذ مصادرة شبكة الاتصال التابعة له في مطار بيروت وإقالة قائد جهاز أمن المطار، مما اضطر الحكومة إلى الخضوع لابتزاز حزب الله وسحب القراريْن معًا. كان ذلك إيذانًا بتثبيت هيمنة الحزب على مفاتيح الدولة في لبنان. هيمنة بلغت ذروتها عندما قرر حزب الله، بمعزل عن الحكومة اللبنانية وسياستها المعلنة إزاء الحدث السوري، أن يزج بقواته، إلى جانب الميليشيات المستوردة من أفغانستان والعراق تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، دعمًا للنظام الأسدي ودفاعًا عنه. بذلك حققت إيران هدفها المنشود، عبر وكيلها الحصري، والمتمثل في هيمنتها على الداخل اللبناني في كل مجال يمكن أن  تُمَسّ فيه مصالحها، وكذلك على سياسة لبنان الخارجية، بصورة كلية، بعد إتمام شق الصف المسيحي وإقامة التحالف مع ميشيل عون، الحالم برئاسة الجمهورية التي وصل إليها من خلال تسوية بدا اليوم واضحًا أنها لا تستجيب إلى مصالحها الإقليمية فحسب، بل تنفذ حرفيًا سياسة إيران الإقليمية وأحلامها الإمبراطورية.
لم تكن إيران على لسان مسؤوليها شديدة الثرثرة حول مطامحها المذكورة طوال السنوات التي سبقت انفجار ثورات الربيع العربي التي سرعان ما أيدتها في البلدان العربية الأخرى ثم كفت بالسرعة ذاتها عن ذلك ما إن انفجرت الثورة في سورية. فقد كانت خلال ذلك الوقت تستكمل هيمنتها على العراق التي بدأتها منذ أن فتحت لها أبوابه إثر غزوه عام 2003. وكانت أيضًا، وخلال الفترة نفسها، عبر وكيلها المحلي، تستمر في إحكام سيطرتها على الأمن الداخلي والسياسة الخارجية اللبنانيين كي يتمكن بمختلف الوسائل من تنفيذ سياساتها التوسعية في اليمن خاصة، وفي دول الخليج العربي عامة. وحين أمكنها بمشاركة وكيلها اللبناني الواسعة من توطيد احتلالها لسورية، بدأ سياسيوها الإفصاح عن موقفها الحقيقي بإعلان هيمنتها على العواصم العربية الأربع.
لا شك أن السطور السابقة لا أو لن تقدم أي جديد لكل من حاول أو يحاول أن يرى مسار الأحداث في المنطقة العربية منذ عام 1982 بعيون لا تغشاها الأيديولوجيات الدينية أو الأفكار المسبقة. ولقد لعبت الثورة السورية دورًا حاسمًا في هذا المجال، حين فضحت حقيقة المقاومة التي تمارسها السلطة الأسدية ومن ورائها إيران ووكيلها: مجرد خرافة صيغت جيدًا في ثياب حقيقة لا يعتورها الشك، صدقتها جماهير واسعة في العالم العربي ولا تزال.
اعتورَ هذا الكشف، مع ذلك،  ضربٌ من عمى البصر والبصيرة لدى البعض حين أرادوا التذاكي، فسارعوا إلى عقد ضرب من المقارنة بين إيران وإسرائيل. ليس المقصود هنا بعض الأحكام التي تحفل بها بين الحين والآخر صفحات التواصل الاجتماعي، ولاسيما عندما تكون رد فعل عفوي على ضروب العنف الوحشية غير المسبوقة التي مارسها النظام الأسدي أو رئيسه الذي انتهى إلى أن يصير موظفًا بدرجة "رئيس جمهورية" لدى إيران، حين تقارن بين إيران وإسرائيل مهنئة الفلسطينيين على "ديمقراطية" إسرائيل واحترامها "حقوق الإنسان". بل المقصود من باتوا يعرفون بمثقفي السلطان، الذين بدأت عقيرتهم ترتفع انطلاقًا من موقفهم العدائي إزاء إيران، مقارنين بينها وبين إسرائيل، منزهين هذه الأخيرة عن كل جرائمها ولاسيما جريمتها الأصلية: وجودها ذاته. ففي الحديث عن عدوانية إيران ومطامحها التوسعية، وعن محاولتها تحقيق أهدافها عبر تسللها في نسيج المجتمعات العربية المشرقية خصوصًا واستخدام أيديولوجية طائفية تتيح لها الحشد والتجنيد بحجة مظلوميات وخرافات تعود إلى أكثر من خمسة عشر قرنًا، رأى مثقفو السلطان هؤلاء أن المقارنة هي في صالح إسرائيل، بحجة أن هذه الأخيرة "دولة مستقلة ذات سيادة" وأنها "محبة للسلام والديمقراطية" وأن "جميع الدول تعترف بها باستثناء دول الاستبداد والقمع". بل إن بعضهم يرتجل نفسه فقيهًا أو مفسِّرًا حين يؤكد أن حق إسرائيل بالوجود على أرض فلسطين ثابت بالآيات القرآنية (الآية 21 من سورة المائدة!)، بما أن الله ــ كما يقول ــ قد كتبها لهم (أي لبني إسرائيل) وهو ما يعني أن إسرائيل ليست دولة مغتصبة؛ ولم يفعل اليهود شيئًا غير عودتهم "إلى أرضهم".
هكذا، تُبَرَّأ إسرائيل ببساطة متناهية، لا من جريمتها الأصلية، ولا من جرائمها التي تقترفها تحت أعيننا كل يوم فحسب، بل كذلك من مطامحها في الهيمنة وفي السيطرة الإقليمية ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا. هكذا تعمى الأبصار والبصائر عن رؤية التنافس القائم اليوم على وجه الدقة، وفي غياب العرب، بين إسرائيل وإيران، من أجل الهيمنة على المنطقة كلها. فلا إيران شديدة الاهتمام بإعادة أصحاب الحق الفلسطينيين إلى أرضهم وإقامة دولتهم، ولا إسرائيل خلعت أنيابها وصارت دولة مسالمة لا هم لها إلا السلام والطمأنينة !
فهل يمكن اعتبار هذه المقارنة التي يقوم بها بعض أبواق السلاطين من الجامعيين أو من الكتبة، والتي بدأت بعض وسائل الإعلام العربية تبثها في الأسابيع الأخيرة بوصفها نقاشات "علمية"، أكثر من مهزلة تتوسل القانون تارة والقرآن تارة أخرى وهم أشد جهلًا بالاثنين معًا؟ أم أن الذاكرة المريضة لدى البعض باتت حجة يستسهلون بها تلفيق الحقائق ولوي أعناق النصوص ومدلولاتها؟ وإذا كانت إيران اليوم تؤدي دورها عدوًا تاريخيًا للعرب، فهل يجب أن تؤدي مواجهتها إلى نسيان جريمة عدوٍّ قائمة منذ أكثر من سبعين عامًا ضد شعب اقتلع من أرضه وأنكرت هويته وتاريخه وثقافته؟ 
أم أن السلطان سيبقى هو الآمر والناهي إذ يفضل التحالف مع الشيطان من أجل مقارعة إبليس؟

** نشر على موقع جيرون، يوم الخميس 7 كانون أول/ديسمبر 2017.