jeudi 28 septembre 2017



الإبداع  المفقود 
بدرالدين عرودكي 
يُروى أن الشاعر أبو نواس استأذن في مقتبل شبابه خلف الأحمر في نظم الشعر، فقال له:‏ لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة.‏‏ فغاب عنه مدة وحضر إليه، فقال له:‏‏ قد حفظتُها.‏ فقال له خلف الأحمر: أَنشِدْها.‏‏ فأنشده أكثرها في عدة أيام. ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فقال له:‏ لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنك لم تحفظها.‏ فقال له:‏‏ هذا أمرٌ يصعب عليَّ، فإني قد أتقنت حفظها.‏‏ فقال له:‏‏ لا آذن لك إلا أن تنساها.‏ فذهب أبو نواس إلى بعض الأديرة، وخلا بنفسه، وأقام مدّة حتى نسيها. ثم حضر فقال:‏‏ قد نسيتها حتى كأن لم أكن حفظتها قط.‏‏ فقال له خلف:‏ الآن انظم الشِّعر! حتى قال أبو نواس بعد ذلك: "ما ظنكم برجل لم يقل الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى الأخيلية فما ظنكم بالرجال؟" ويروى أيضًا أن خلف الأحمر نفسه، وهو أحد كبار علماء اللغة في عصره وأستاذ الأصمعي، كان يقول "قصيدة يسلك فيها ألفاظ العرب القدماء وينحلها أعيان الشعراء"، كالقصيدة التي نحلها تأبط شرًّا، أو تلك التي نحلها النابغة، أو القصيدة التي نحلها الشنفرى والتي اشتهرت باسم "لامية العرب"، وسواهم من كبار شعراء العرب الأقدمين، لكنه، مع ذلك، لم يشتهر شاعرًا مثل أبو نواس، بل عالمًا لغويًا.
يقدم هذا المثلان من آداب العرب الطريقة التي اعتمدوها من أجل إتقان فنٍّ أدبي يصعب امتلاك ناصيته كالشعر، إذ لا يقتصر ذلك على معرفة ما قاله الأولون أو المحدثون، وإدراك أسرار أساليبهم وطرقهم في قوله فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تمثله حتى يصير جزءًا لا مرئيًا من عناصر التكوين الثقافي اللاواعي للشاب الزاحف على طريق الشعر. ولئن كانا ينقضان، في الوقت نفسه، كلُّ ما يقال عادة وبغير علم عن الموهبة العفوية التي لا تحتاج في تجليها إلى ثقافة أو معرفة، إلا أنهما يشيران إلى أن الموهبة ضرورة أساس، وشرط حاسم، لكنها تحتاج، أيًا كان إعجازها، إلى صقل، وإلى أن هذا الصقل لا يمكن أن يكون إلا نتيجة عمل صارمٍ ودؤوب، يؤدي بصاحبها إلى أن يصير شاعرًا.   
لا مثيل على ما نعلم لهذين المثلين في مجال النثر في أدبنا العربي القديم أو الحديث، وإن عرف الأول ضربًا من المعارضة مارسها بعض الكتاب الأندلسيين وكان محورها مقامات بديع الزمان الهمذاني. لكن مثل أبي نواس في الشعر يجد ما يمكن أن يقارن به في الآداب الغربية الحديثة والمعاصرة، سواء في مجال الشعر، أو في مجال الرواية، وهو ما درج الكتاب الغربيون على إدراجه تحت عنوان "المعارضة" أو "المحاكاة" أو "على طريقة فلان". لم تستخدم المحاكاة في مجال النقد الساخر فحسب، بل استخدمت أيضاً من قبل عدد من كبار الكتاب الذي احتفظ بأسمائهم وبمبدعاتهم تاريخ الأدب الفرنسي الحديث والمعاصر. قضى مارسيل بروست ردحاً من حياته وهو يتدرب على مختلف أساليب الكتابة الروائية قبل أن يباشر كتابة رائعته "البحث عن الزمن المفقود". عُرفت هذه الكتابات تحت العنوان الذي اختاره هو لها: على طريقة فلان..والتي كتب فيها نصوصًا على طريقة بلزاك، وفلوبير، والأخوين غونكور ونشرها قبل أن يباشر نشر أول جزء من روايته الكبرى كما لو كان يريد امتحان مختلف قدراته الأسلوبية على الملأ. ومن قبله كتب فلوبير هو الآخر على طريقة شاتوبريان. وقبلهما، كتب راسين نفسه على طريقة الشاعر والكاتب نقولا بوالو وعلى طريقة الشاعر والمسرحي بيير كورني. وربما تكشف كتب الروائي ميلان كونديرا الأربعة في فن الرواية (فن الرواية، الوصايا المغدورة، الستار، لقاء) عن الكيفية التي درس بها تاريخ الرواية الأوربية منذ رابليه  والروائيين الذين أعجب  بهم وكانوا أساتذة في هذا الفن مثلما كانوا أساتذته أيضًا، كي يجد لنفسه مكانًا فيه. وعلى أن روائياً مثل نجيب محفوظ أو قاصًا مثل زكريا تامر لم يفعل ما أقدم عليه كونديرا حين تحث عن سلالته الروائية، فإن قراءة عميقة لمبدعات كل منهما تشير بما لا يقبل الشك إلى الثقافة الأدبية التي سمحت لكل منهما أن يبلغ في إنجازه الفني ما بلغه كل منهما.
هكذا، يمكن لقارئ ما حين يقرأ اليوم هذه النصوص "التكوينية" بعد أن قرأ ما أبدعه الأسلاف والمعاصرون من العرب من جهة، أو ما أبدعه كتاب الغرب المحدثون والمعاصرون من جهة أخرى، أن يتساءل، كيف أنَّ ما ينشره اليوم عدد من الشباب العرب لا يكاد يحصى ــ ولا مبالغة في ذلك ــ ممن يزعمون أنفسهم شعراء أو كتاب قصة قصيرة أو روائيين، يكشف ــ حتى لا نقول يفضح ــ ما كتبوه جهلًا لا يقتصر على ألف باء فن الكتابة فحسب، بل على كل ما يتعلق بالفن الذي يزعمون ممارسته، والأحرى أن نقول "يقترفونه" كما تقترف الجريمة؟
يعني السؤالُ هنا الأصوات الأدبية العربية الجديدة عمومًا، والسورية منها خصوصًا التي انطلقت في بلدان الثورات العربية وعلى إثرها. فمما لاشك فيه أن الثورة السورية التي انفجرت قبل ست سنوات ونصف قد أطلقت معها أيضًا أصوات السوريين من عقالها ــ أكثر مما فعلته ثورات البلدان العربية الأخرى ــ، وفي كل ميدان من ميادين الكتابة: الصحفية منها والسياسية والفكرية والأدبية. ولا شك أن هذه الثورة وما انطوت عليه خلال هذه السنوات من مشاهد تاريخية ومشاهد مأساوية غير مسبوقة، كانت حافزًا ومحرّضًا على الكتابة عنها شعرًا ونثرًا. وبقدر ما كان الإقبال على الشعر كثيرًا بقدر ما كان ما يستحق منه القراءة قليلًا. إذ تراءى كما يبدو للكثير ممن حلموا أن يكونوا ذات يوم شعراء أو كتابًا أن الموضوع المقدس الذي اعتمدوه لكتابتهم الشعرية أو السردية يمكن أن يغفر كل المثالب، أو أن يغطي على كل العثرات التي يمكن أن تحفل بها نصوصهم التي أرادوها شعرية أو نثرية. وليس امتلاك ناصية التعبير اللغوي أول أو أهمّ الفجوات الفادحة فحسب، بل هناك هذا الجهل الموصوف بالفن الذي يزعم النص انتماءه إليه: شعرًا أو رواية. ففي الشعر على سبيل المثال: غياب، أو عدم فهم، وظيفة الاستعارة والتشبيه، فقر المفردات، ركاكة التعبير، استخدام الثورة السورية أيًا كان الجانب المستخدم فيها بدل التعبير عنها؛ أما في الرواية، فثمة جهل كامل بما يعنيه فن الرواية اليوم، سواء على صعيد التقنية وضروراتها أو على صعيد البناء الروائي وطبيعة أدوار أبطال الرواية ودلالاتها ضمنه كما تتجلى في مختلف منجزات هذا الفن الأوربية أو في منجزاته العربية؛ كتابة ركيكة حافلة بالأخطاء اللغوية التي وإن صححت لن تتمكن من تغطية ركاكة التعبير وضحالته في أكثر الأحيان أو من تسهيل فهم معاني الرواية أو دلالاتها.
لا يمكن، في سياق محاولات التعبير عن الثورة السورية في تجلياتها المختلفة، استثناء الكثير من "دواوين الشعر" أو "الروايات" التي غامرت دور النشر العربية خلال السنوات الخمس الماضية بنشرها ــ على عاتقها أو على عاتق مؤلفيها ــ لكتاب جدد أو مخضرمين. فقد خيل للبعض أن موضوع الثورة يمكن له أن يخرس النقد، أي نقد، يتناول أعمالهم،  بحجة "قدسية" ما، يودون لو تحاط كتاباتهم به؛ مثلما خيل للبعض الآخر أن ثمة واجب يمليه الالتزام بالكتابة عن سورية الثورة، حتى وإن أهرقت دماء الفن الحقيقي. كما لو أن ثورة بأصالة وعظمة وندرة الثورة السورية يمكن أن تغتني بمثل هذه المحاولات الضحلة، في الشعر أو في الرواية، غير المسؤولة فنيًا وأخلاقيًا في آن واحد.

** نشر على موقع جيرون يوم الخميس 28 أيلول 2017.


jeudi 21 septembre 2017


اعتقال سورية 
  بدرالدين عرودكي 
يُرادُ لنا أن نصدِّق أن هناك أمرًا واحدًا يكاد الجميع، أفرادًا وهيئات وحكومات، يتفقون عليه، هو صعوبة فهم ما يجري في سورية، بل وعلى ما هو أصعب: عقدة وتعقيد حلِّ ما بات يسمى اليوم المسألة السورية، حلٌّ بات أصعب على التحقيق، حتى في نظر من باتوا سادة الأرض والسماء في هذا البلد المعتقل، روسيا والولايات المتحدة وتابعيها من ميليشيات ومرتزقة، محليين ومُستورَدين من جهات العالم الأربع. لكن بعضنا، مع ذلك، يرى أن هذا الاتفاق الظاهري في الواقع، والكاذب في أفضل الأحوال، يخفي أكثر من حقيقة بليغة، منذ أن تمكن الفاعلون الأساس القبض على هذا البلد واعتقاله إلى حين يتمكنون من ترويضه وإعادة تكوينه بما يستجيب لتطلعاتهم في شرق أوسط جديد خال من العداوة لإسرائيل، ومن التمرد على الاستبداد بعد أن يتم تشذيب هذا الأخير وصقله ثم إخراجه على الناس في لباس ديمقراطي يخفي، من جديد، كل ما كشفت عنه الثورات العربية من عورات وفضائح يندى لها جبين أسوأ المراحل التي عرفتها هذه المنطقة من العالم خلال تاريخها الطويل.
تتمثل هذه الحقائق في العناوين التي قرر كل واحدٍ من هؤلاء وضع ما يناسبه منها على ما جرى في سورية منذ آذار 2011، رغم اختلافه جذريًا عما يجري الآن، بما ينفي هذا الاختلاف من ناحية، ويحيل إلى عدد من المرجعيات التي يقولها كل واحد من هذه العناوين، كما لو كان يُرادُ من ذلك تحقيق اكتمال رسم مشهد مطلوب، يجب أن يبقى، كما رُسِمَ، إلى أجلٍ كلما بدا أفقه قريبًا امتد وراءه أفق آخر.
سوى أن العقدة، في الواقع، كل العقدة، تكمن في قراءة هذا المشهد تحديدًا، مشهد العناوين: ما يخفيه كل منها وراءه، من جهة، والمسافة القائمة بين ما يقوله كل عنوان من جهة ثانية، وبين ما يتطلع واضعه إلى تحقيقه وما يجري فعلًا على الأرض من جهة ثالثة
العناوين أولًا، وهي أربعة: مؤامرة ــ كونية ــ تستهدف ضرب القوى المعادية لإسرائيل (القوى الممانعة)؛ حرب من أجل حماية الدولة ومؤسساتها؛ حرب أهلية؛ الحرب على الإرهاب. ومن تبناها ثانيًا: إيران وذيولها، روسيا، ومعظم الدول الغربية، بالنسبة إلى العناوين الثلاثة الأولى، ثم اجتمع الكل على العنوان الأخير مخرجاً من الفضيحة وتغطية لمرامي سياساتهم الحقيقية. لم يكن تبني النظام الأسدي لهذه العناوين جميعها وعلى التوالي إلا تعبيرًا عن طبيعة العلاقة التي تربطه بهذه القوى، وكذلك عن طبيعة الدور المناط به منذ أكثر من خمسين عامًا ويقوم بتنفيذه على أحسن وجه، لولا هذا الانفجار الذي بدأ في تونس على غير انتظار من أحد ثم امتدَّ إلى مصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين، وأُطلِقَ عليه اسم الربيع العربي، وحَمَلَ وزراء الخارجية في الدول الكبرى على الهرع إلى ميدان التحرير بالقاهرة كي يعاينوا بأنفسهم معنى هذه الثورة العارمة شبه الشاملة، من أجل التفكير في طرق معالجتها. وبقدر ما بدا الجميع بلا استثناء "مرحبين" بهذا الربيع العربي، بقدر ما بدوا مستاءين من إمكان وجوده في سورية، فأنكروا حتى إمكان وجوده فيها منذ اللحظة الأولى، وطفقوا يقدمون توصيفات لما يجري (كي يجري كما يريدون) على لسان من أنيط به دور المواجهة، رأس النظام الأسدي، الذي لم يتوقف منذ ذلك الحين عن توصيفٍ ينكر المعنى الحقيقي، ويسبغ المعاني التي قرر إضفاءها، مبشرًا بالعواقب التي ستترتب عليه، بدءًا من خراب معمم وانتهاءً بحرب إقليمية، بل وحرب عالمية يمكن أن تنشب  ما استمرت "المؤامرة الكونية" ضد النظام الممانع، مذكراً في طريقه ــ دون أن يرف له جفن ــ بما يمكن أن ينال إسرائيل إن لم تسارع إلى الحفاظ عليه.
هكذا، بين مناورات، منوعة المضمون والمسالك، للنظام الأسدي حاولت استيعاب المفاجأة وحجمها ومراميها البعيدة، واستجاباته التي تدرَّجَت في مستوى عنف الرسائل التي تضمنتها، وقراره الحاسم بحلٍّ جذريّ عماده قوة لا تعرف الرحمة، تمَّ القبض على سورية، برغبة وتواطؤ صريحيْن من القوتيْن العظميين، في نهاية سنة الربيع العربي، 2011، بوصفها البلد الأساس الذي يراد له أن يُقدَّمَ على مذبح إعادة تكوين الشرق الأوسط ضمن الفوضى "الخلاقة" المعممة لهذا الغرض على كافة بلدان المنطقة وبصور مختلفة، منذ بداية القرن الحالي.
لذلك غُيِّبَت الثورة السورية، التي كان قوامها الشعب السوري بمختلف فئاته ممثلًا بالشباب الذي سجن أو قتل أو نُفِيَ،  تحت هذه العناوين التي أُنهيت خدمة الثلاثة الأولى منها في حين استبقي الأخير منها عنواناً واحدًا ووحيدًا وعلى ألسنة الجميع: الحرب على الإرهاب. وتمكنت هذه القوى مجتمعة، على إثر ذلك، من أن تستعين بالمشهد الذي صمَّمته ليكون الصورة المعبرة الوحيدة والمُجازة لتعقيد "المسألة السورية"، وللحديث عن ضرورة حلها بمختلف الوسائل التي يراها من اعتقلوا البلد بأكمله، ثم، وهم يستبدلون عبر المؤتمرات الجوالة بين جنيف وفيينا وأستانة، الأكاذيب بالحقائق، ويلوون الكلم والأفعال عن مواضعها، ساووا بين الجلاد وخصومه، تمهيداً لاعتماد الأول وإعادة تعويمه في الوقت الذي يتدبرون فيما بينهم أمر ترويض الآخرين أو القضاء عليهم نهائيًا.
لا يمكن تثمين أهمية وفداحة الخدمات التي قدمها النظام الأسدي طوال خمسين عاما إلى الدول الكبرى على اختلافها، ولاسيما منها السنوات الست الأخيرة، إلا من خلال هذا الحرص الشديد الذي تبديه اليوم، وبمختلف الوسائل أيضًا، على بقائه، وعلى حمايته من أن يُقاد صاغرًا أمام محكمة العدل الدولية، بل وعلى أن يخرج ــ إن اضطرت إلى القبول بخروجه ذات يوم ــ بلا حساب. لكن ذلك كله يبقى في نهاية المطاف الوجه الذي يُراد لنا أن نراه، أما الوجه الآخر فهو بالفعل شأن آخر!
ذلك أن تغييب الثورة لا يعني القضاء عليها. فقد أمكن للثوريين الحقيقيين فيها مع كل هذه المحاولات من التهميش والتغييب وتحويل الأنظار أن يروا بأعينهم قواعد اللعبة: الدول العربية التي بدت وكأنها سيدة خياراتها ثم ظهرت في عري تبعيتها الكاملة لمن تدين أنظمتها بوجودها واستمرارها لهم؛ و والدول "الصديقة" التي تضع مصالحها فوق كل اعتبار رغم مناداتها بحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب؛ والدول الكبرى وقد عادت من جديد تحتل الأراضي وتبني القواعد العسكرية وترهن مصير البلد عقودًا بعد أن دفع العرب طوال القرن الماضي غاليًا خلاصهم من الاحتلال ومن القواعد ومن مختلف ضروب الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية. كما أمكن لهم أن يكتشفوا أن الهدف لم يعد مجسداً في الخلاص من حكم مستبد بقدر ما بات يتجسد في تحرير البلد من أيادي من اعتقلها: روسيا وذيولها، وإيران وأتباعها.
ولسوف يتم ذلك قطعًا. فهم يعرفون أنَّ الأيام دول.

** نشر على موقع جيرون يوم الخميس 21 أيلول 2017.


jeudi 14 septembre 2017



احتواء الثقافة
غياب السياسات الثقافية؟
بدرالدين عرودكي
بين عام 1958 الذي شهد ولادة وزارة الثقافة (والإرشاد القومي) في سورية ومصر معاً والشهر قبل الأخير من عام 1970، تاريخ الحركة الانقلابية الأسدية، توالى على هذه الوزارة تسعة عشر وزيرًا، تراوحت مدة وزارة كل منهم  بين أقل من شهرين إلى خمسة وعشرين شهراً. شهدت فترة الثلاثة عشر عامًا هذه أربع مراحل شديدة الاختلاف سياسيًا وأيديولوجيًا: الوحدة السورية المصرية حتى نهاية أيلول 1961؛ مرحلة الانفصال المضطربة بين 29 أيلول 1961 و7 آذار 1963؛ الانقلاب العسكري "البعثي" بين 8 آذار 1963 و22 شباط 1966؛ الانقلاب البعثي/البعثي بين 23 شباط  1966 و 16 تشرين الثاني 1970 ، يوم الانقلاب الأسدي.
كان ثروت عكاشة، وزير الثقافة بمصر، خامس وزير توكل إليه وزارة الثقافة السورية، وذلك قبل شهر ونصف من الانفصال. بدأ مهمته بجولة على المحافظات السورية كي يتعرف على الأوضاع الثقافية ويلتقي الفاعلين الثقافيين فيها قبل أن يباشر وضع خطة خاصة بما كان يسمى "الإقليم الشمالي". خطة كان يريد لها أن تستوحي تلك التي هيّأ لها ــ بمشاركة معظم الفاعلين الثقافيين المصريين آنئذ ــ ثم وضَعَها موضع التنفيذ في "الإقليم الجنوبي". لكنه كان يطمح إلى أن تستجيب إلى حاجات السوريين، الذين كان يريد أن يشارك العاملون في الثقافة منهم في وضعها أيضًا. بذلك تحديدًا، كان هو الوزير الوحيد الذي بدأ منذ يومه الأول وحتى يومه الأخير عشية حركة الانقلاب الانفصالي في الإعداد للتخطيط. وعلى أن بعضاً من الوزراء التسعة عشر الذين توالوا على الوزارة، خلال المراحل الأربع المشار إليها، كان ينتمي لعالم الثقافة والفكر، مثل عبد السلام العجيلي أو أسعد درقاوي، إلا أن تسميتهم كانت أشبه بملء شاغر في حكومة كانت الثقافة آخر همومها سواء على صعيد الفعل أو التخطيط أو السياسة. والواقع أن هذا العدد من الوزراء يقول ذلك ببلاغة لا تحتاج إلى تأويل. ذلك أن ما حدث بمصر، حين عهد عبد الناصر إلى ثروت عكاشة بوزارة الثقافة فيها، كان يندرج ضمن سلسلة من التغييرات الاجتماعية العميقة التي بدأت بعد حركة الضباط الأحرار في 23 تموز 1952 والتي امتدت من الاستقلال الكامل إلى الإصلاح الزراعي إلى تأميم قنال السويس وما تلاها من تغييرات سياسية واقتصادية ثم ثقافية. وكاد هذا التغيير، على صعيد الثقافة، أن يشمل سورية في إطار وحدتها مع مصر وضمن الرؤية التي بدأت تتجلى منجزاتها.
لم يكن لإهمال وزارة الثقافة على النحو الذي شهدته سورية حتى عام 1970 إلا أن يؤدى إلى خطوات بطيئة أو خجولة في إنشاء مؤسسات ثقافية لا يمكن إلا للدولة أن تقوم بعبئها، ومن ثم فقد بقيت حتى نهاية الستينيات أقرب إلى النوايا منها إلى الواقع، أو أنها انحصرت في مديريات أو دوائر لا حول لها مالياً ولا قوة لها سياسياً لإنجازات تقوم على خطط طموحة تستهدف إنشاء بنى ثقافية حقيقية. على أنه لم يكن في الوقت نفسه يعني غياب محاولات احتواء الثقافة والمثقفين، وهي محاولات وإن لم تتوقف في واقع الأمر منذ اليوم التالي للانقلاب البعثي، إلا أنها بقيت تضرب خبط عشواء دون رؤية أو خطة مدروسة. ذلك أن إغلاق الصحف والمجلات الخاصة التي كانت قد عادت إلى النشاط أثناء فترة الانفصال، وإقامة الرقابة الصارمة على الكتب والصحف العربية والأجنبية، وقصْرِ الصحافة المحلية على صحيفتيْن، إحداهما ناطقة باسم الحزب وثانيتهما باسم الحكومة، لم يكن إلا بعض هذه المحاولات التي كانت حتى نهاية عام 1970، على صرامتها النسبية، تفسح هوامش من الحركة في العمل الثقافي سرعان ما ستختفي تدريجياً، ثم نهائياً، عند منتصف سبيعينيات القرن الماضي.
كان لابد إذن، خلال السنوات العشر التي تلت الانفصال، من الانتظار كي تصير الثقافة محل اهتمام السلطة السياسية وكي يغدو احتواء الثقافة والمثقفين هو السياسة الثقافية الوحيدة المطبقة بغير إعلان سوى الشعار الأسدي الذي سبق أن أشرنا إليه في مقال سابق: "لا رقابة على حرية الفكر إلا رقابة الضمير".
أول ما سيطبع هذه المرحلة الأسدية الأولى، أن عدد الوزراء الذين توالوا على الوزارة كان، خلافاً للفترات السابقة عليها، قد اقتصر على اثنين خلال ثلاثين عاماً. وهو ما يمكن تفسيره بوجود نظرة ما تستهدف الثقافة بصورة أو بأخرى. لكن اختيار الوزيرين سينطلق من اعتبارات سياسية محضة أولاً، ومن اعتبارات الولاء الشخصي لرأس السلطة ثانياً. وهذان الاعتباران هما ما يمكن أن يفسرا بقاء أحد الوزيرين ست سنوات والآخر أربعة وعشرين عاماً.  
لم يحمل معه أول وزير ثقافة إذن بعد الانقلاب الأسدي، أو لم يُسمح له أن يحمل، أي مشروع ثقافي حقيقي، لا على مستوى العاصمة ولا على مستوى البلد ككل. وما كان يمكن لذلك أن يكون متاحًا. ولذلك اكتفى خلال سنوات وزارته الست بالإشراف على المؤسسات القائمة، يفتتح المعارض الفنية، ويناكف مدراءها تارة، أو يعرقل خططهم إذا رأى في ذلك خدمة لرأس النظام، كما حدث أكثر من مرة مع مدير مؤسسة السينما أو مدير معهد الموسيقى. وربما كان ذلك شأن نظرة السياسة الحكومية إلى الثقافة بمجملها. ولا أدل على ذلك من حادثة جرت عام 1971 أثناء اجتماع مجلس التخطيط الأعلى الذي يرأسه عادة رئيس الوزراء ويحضره مدراء التخطيط في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية. فقد حضر ذلك الاجتماع المدير العام لمؤسسة السينما، حميد مرعي، ورافقته إليه بصفتي مدير التخطيط فيها آنذاك. بعد أن أنهى المدير العام قراءة تقريره، تحدث عبد الحليم خدام، وزير الخارجية بصفته عضواً في المجلس، معلقاً: "ها هو الآن قد أتقن مهنته كمدير عام لمؤسسة السينما. أقترح الآن أن ننقله كي يدير مؤسسة البصل مثلاً.". وربما كان ذلك ــ بين أسباب أخرى ولاشك ــ ما حمل الوزير نفسه على الظن باستطاعته الإيقاع بين هذا المدير ومعاونيه، كما فعل حين أمر بالتحقيق في عرض سينما الكندي بدير الزور فيلما بورنوغرافياً ــ وكان المقصود فيلم بيير باولو بازوليني "أوديب ملكاً" ــ إثر تقرير من عنصر أمني تبين فيما بعد أنه كان يحاول الانتقام من مدير سينما الكندي لرفضه منحه بطاقات مجانية؛  أو بينه وبين السينمائيين أنفسهم ــ وهو الأشد سوءاً، حين حمل ومساعدوه معه لواء منع فيلم عمر أميرالاي "الحياة اليومية في قرية سورية"، الذي أنتجته هذه المؤسسة العامة للسينما في تلك الفترة، من العرض في دور السينما داخل سورية وخارجها. كان تبريره هذا المنع وتبرير موظفيه معه يومها أنه "لا يمكن أن تموِّل الدولة أعمالاً فنية تقوم بنقدها". 
سنوات ست من وزارة للثقافة لم يكن من كلف بها سوى إرضاء "المعلم الأول" والظهور بمظهر من يرعى الثقافة والمثقفين. ما كان ذلك ليخفى على وجه اليقين على رأس النظام الذي كان له شأن آخر في موضوع الثقافة وكان قد بدأ يشغله. ومن هنا كان أن عهد بالوزارة عام 1976 إلى موظفة في الوزارة نفسها وفي مجال التأليف والترجمة إلى جانب أحد كبار مثقفي سورية وفلاسفتها، أنطون المقدسي، ونعني بها نجاح العطار، التي ستطبق خلال ربع قرن، ما وسعها، كل ما كان يتطلع إليه رأس السلطة.
ذلك، بالطبع، موضوع حديث آخر.

** نشر على موقع جيرون، الخميس 14 أيلول 2017.



jeudi 7 septembre 2017



شركة المصالح  السياسية والدينية 
 بدرالدين عرودكي 
ربما كان من الصعوبة بمكان إحصاء ضروب القصور الفكري والسياسي الذي اتسم به فكر وسلوك الجماعات السياسية التي اتخذت في تاريخنا الحديث من "الإسلام" ــ على قدر وحسب فهمها له في مختلف صوره ــ وسيلة للتسلق من أجل الوصول إلى امتلاك ناصية السلطة السياسية، أو، في النهاية، أية سلطة في المجتمع الذي تنشط فيه. وما كان لكل هذه المحاولات أن تجد سبيلها إلى الأمل في تحقيق ما تصبو إليه لو لم تكن هناك، على امتداد ما يقارب مائة عام، تربة خصبة لأنها مؤاتية، قوامها الأمية أو الجهل أو السذاجة أو الخبث، أو كل ذلك معاً. لا تقتصر هذه التربة على الجمهور الذي كانت تتوجه إليه هذه الجماعات كي تترعرع وتتمدد، بل شملت أيضاً وخصوصا، مختلف ضروب التواطؤ التي مارستها صراحة أو من وراء ستار هيئات مختلفة، بدءاً من الحكومات الرسمية أياً كانت طبيعتها ــ ضمن النظم الديمقراطية أو الاستبدادية سواء بسواء ــ ومروراً بالهيئات الدينية والأحزاب السياسية" و"العلمانية" منها خصوصًا، وصولًا إلى عدد لا يستهان به من المثقفين "الحداثيين"، ومنهم  الكتاب أو الفقهاء المعاصرون أو دعاة "التنوير" الديني "الحداثي".
لم يكن أهم تجليات ضروب هذا القصور ما نتج عنها في الواقع اليومي المعيش وتجسَّدَ في إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في مجتمعاتنا المعاصرة فحسب، بل ما هو أسوأ، أي ما تمثَّلَ في الطرق التي عولجت بها هذه الإشكالية والتي حددت طبيعتها ضروب من الرقابة مارسها الجميع، بمن فيهم دعاة الديمقراطية واحترام الاختلاف والرأي ا لآخر.
فقد كان لابد لأي نقدٍ جديرٍ بهذا الاسم يتناول سلوك أو فكر مختلف الجماعات الإسلامية أو ما يمت إلى طروحاتها ومصادرها ومطامحها بصلة ما، من أن يعود إلى إعادة طرح هذه الإشكالية في أصولها التكوينية الأولى، ثم في تجلياتها المتوالية منذ القرن السابع الميلادي وحتى انهيار آخر دولة عربية في بداية العقد الأخير من القرن الخامس عشر. وكان لابد لأي نقد، كي يكون جادًا وناجعًا، من أن يُمارَس في جو يفترض فيه وجود الحرّية الفكرية والسياسية المضمونة بالدستور والقوانين نظريًا، وبالممارسة اليومية من قبل من أنيطت بهم مسؤولية السلطة السياسية عمليًا. لكن ما شهدناه، كان غياب الطرف الثاني كليًا في المعادلة، أي الطرف العملي، لدى النظم الديمقراطية والاستبدادية التي اكتفت معاً بالجانب النظري من دون أي تفعيل لنصّه أو لمحتواه..
لم يكن علي عبد الرازق ــ على سبيل المثال ــ يستهدف جماعة إسلامية محددة بقدر ما كان يردُّ بصورة غير مباشرة على دعاة الخلافة الإسلامية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، عندما نشر عام 1925 كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، مثيرًا ضده عواصف غضب القصر الملكي والحكومة والأزهر الذي كان أحد طلابه ثم علمائه. مُنِعَ الكتاب، وسُرِّحَ مؤلفه من عمله، ونزعت عنه صفة العالم، وأغلق مجال البحث في موضوع الكتاب. كما لم يكن طه حسين يتناول إشكالية السياسة والدين حين نشر، هو الآخر، كتابه في الفترة نفسها عن "الشعر الجاهلي"، معتبراً في واحدة من طروحاته، أن القرآن أجدى أن يقدم لنا كل ما يفيد عن حياة العرب الاجتماعية والسياسية والفكرية قبل الإسلام مما يمكن أن يقدمه لنا الشعر الجاهلي. لكنه واجه، هو الآخر، مصادرة الكتاب والتسريح من الجامعة والوقوف أمام المحاكم.
سوف يؤلف هذان الحدثان ما يشبه درسًا واضحًا لكل من تسول له نفسه من الكتّاب أو المفكرين أو الفقهاء المعاصرين الخوض في ما فرضت السلطة الدينية أو السياسية أوكلاهما اعتباره من المحرّمات. وكان لابد من انتظار عقود عدة قبل أن يجرؤ مفكر آخر، ونعني به نصر حامد أبو زيد، لا على نقد الجماعات الإسلامية التي انتشرت كالفطر في مصر وفي أرجاء العالم العربي، بل على ممارسة حريته في التفكير وفي النقد وفي التأويل على أرض المحرمات التقليدية. فقامت سلطة "الرقابة الشعبية"  بدور السلطة الرسمية، واستغلت منفذًا قانونيا يؤدي إلى اعتباره مرتداً عن الإسلام، وإلى التفريق، بناء على ذلك، بينه وبين زوجته. لم تفعل السلطة السياسية شيئاً لحمايته، وما كان لها أن تفعل بحكم طبيعتها أو تواطئها؛ ولا كان كذلك بوسع الأزهر أن يفعل شيئاً ــ وكيف له أن يفعل ــ وهو جزء من وفي خدمة السلطة السياسية بلباس ديني. إلا أنه ما كان لهذه "الرقابة الشعبية" أن تجد مجالًا للتأثير أو الفعل لولا الطريقة التي عوملت بها الجماعات الإسلامية طوال القرن الماضي من قبل النظم العربية على اختلافها. صحيح أن هذه الأخيرة حاربتها أو قمعتها تارة، أو أتاحت لها فرص النشاط ضمن حدود ضيقة تارة أخرى. لكن ذلك بقي محصورًا على صعيد سياسي محض. كما لو أن رؤاها الفكرية وتأويلاتها الفقهية نظراً وعملاً كانت تعتبر ضمن المحرمات التي لم تسمح هذه الأنظمة يومًا باختراقها، أي مناقشة مرتكزاتها ومبرراتها. ومن ثمَّ، أمكن أن تقوم، رغم كل المظاهر، "شركة مصالح" بين النظم السياسية العربية والجماعات الإسلامية في بلدانها، وأن تستطيع هذه الشركة بصورة أو بأخرى، وتحت طائلة القتل أو السجن أوالنفي، من تثبيت هذا الواقع الأخطر في الحياة الفكرية والاجتماعية في مختلف بلدان العالم العربي، أي  أرض المحرمات. وهي أرض لم تقتصر على المجال الديني أو على إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة فحسب، بل شملت كل ما يمت إلى الدين، من أجل الحيلولة تاليًا دون الوصول إلى السياسة.
ولهذا لا تزال كافة الأنظمة العربية، الاستبدادية صراحة أو ضمنًا، تحرِّم كل ما يمكن أن يسهم على أراضيها في التنوير أو في ازدهار الفكر الحر. فالفقهاء المعاصرون يكررون ما كتبه أو قاله أسلافهم وكان آنئذ صالحًا قبل أكثر من ثمانية قرون؛ وحين يجرؤ مفكر أو مؤرخ على كسر المحرمات ــ أي الثوابت التي قررها هؤلاء الأسلاف، فلا بد أن يفعل ذلك خارج حدود بلده، أو أن يبقى ما كتبه حبيس أوراقه عشرات السنين قبل أن يقوم ناشر جريء بنشره، كما حدث مع كتاب الشاعر العراقي معروف الرصافي "الشخصية المحمدية"، الذي لم يظهر إلى النور إلا  قبل سنوات، والذي لا يزال ممنوعًا من التواجد في المكتبات في كل أرجاء العالم العربي. وهو الناشر نفسه الذي نشر أيضًا كتاب المستشرق الألماني تيودور نولدكه "تاريخ القرآن" والذي لا يزال القارئ العربي أيضًا محروماً من قراءته. وهو الكتاب نفسه الذي اعتمد عليه المستعرب الفرنسي ريجيس بلاشير حين قام بترجمة القرآن من أجل وضع ملحقٍ لترجمته بالآيات القرآنية حسب ثيماتها وتسلسل نزولها، وهو عمل مذهل في دقته مثلما هو غني بدلالاته على مختلف الصعد.
ومن هنا، نفهم على سبيل المثال أيضًا أن ممثل النظام السياسي في سورية لم يكن هو مَنْ حذَّرَ ذات يوم طالبًا تطلع إلى أن ينشر باللغة العربية رسالته التي حررها بالفرنسية لنيل شهادة الماستر في جامعة باريس حول "المجتمع العربي في القرآن" من القيام بذلك، بل كان شيخًا يشغل منصب رئيس المحكمة الشرعية الأولى بدمشق، حين قال له، وقد عرف محتوى الكتاب: "والله لئن نشرتها لأحكمنَّ بقطع رأسك شرعًا"..
ما كان بوسعه أن يقول ذلك عام 1973 لو كان متاحاً أن يكتب أحدهم بحرية مثلًا حول دلالات مفهوم "الناسخ والمنسوخ" خلال الثلاثة وعشرين عاماً التي دامها وحي القرآن.     

** نشر على موقع جيرون يوم الخميس 7 أيلول/سبتمبر 2017.